مصطفى كبها لـ"العربي الجديد": تهويد أراضي الداخل الفلسطيني يتمدد

30 مارس 2016
يرى كبها أنّ الهدف منع تواصل جغرافي فلسطيني(العربي الجديد)
+ الخط -
بعيداً عن الرومانسيات في إحياء الذكرى الأربعين ليوم الأرض، لا يرى المؤرخ الفلسطيني مصطفى كبها سبباً واحداً للتفاؤل. هو متشائم أكثر مما كان عليه في السابق، "فالحرب على ما تبقى من أراضٍ فلسطينية مستمرة، والتناحر الحزبي في الداخل كان وراء اختفاء لجنة الدفاع عن الأراضي الفلسطينية وغيابها عن المشهد في الداخل الفلسطيني". 


رجال السياسة والأحزاب، بحسب كبها، لم يضعوا لغاية الآن خطة علمية، وموضوعية، ومهنية واحدة لمواجهة الأخطار المستمرة. هي صورة متشائمة يرسمها المؤرخ الذي كتب في الرواية الشفهية الفلسطينية، والذي عمل على وضع مجلّدات لسجلّ الثوار والشهداء في حرب النكبة عام 1948. هو عضو لجنة الوفاق في الداخل التي دفعت نحو إتمام المفاوضات بين الأحزاب العربية في الداخل وتشكيل "القائمة المشتركة". مع ذلك، لا يخفي خيبته من أداء "القائمة" البرلمانية. التقت "العربي الجديد" البروفيسور كبها، وكان معه هذا الحوار.

أربعون عاماً على يوم الأرض، هل لا تزال الحرب مستمرة عملياً على ما تبقى من أراضٍ في الداخل الفلسطيني؟

نعم. قضية الأرض هي أحد المحاور المهمة التي تتحكم في شكل العلاقة بين جمهور الأغلبية ومؤسسات الدولة من جهة، وبين الجمهور الفلسطيني من جهة أخرى. منذ العام 1948 يُثار هذا الموضوع المتعلّق بحقيقة وماهية وجوده على أرضه. إذا حاولنا أن نبرهن ذلك بالأرقام، نرى أنه بعد كل المصادرات التي حصلت بعد العام 1948، تبقّى بأيدي الأقلية الذين كانوا يشكلون آنذاك 11 في المائة من مجمل السكان، بعد الطرد والتهجير عام 1949، 18 في المائة من الأراضي بملكية خاصة. ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، أصبح العرب الفلسطينيون في الداخل يشكلون قرابة 20 في المائة، وتراجعت نسبة الأراضي التي يملكونها لتنخفض إلى نحو 2 في المائة من مجمل الأراضي.

هل تدور الحرب اليوم بشكل أساسي على أراضي النقب (جنوب فلسطين)، لتهويد منطقة المثلث عبر مخطط رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون المعروف بالنجوم السبعة؟

هدف الحرب غير المعلن يركّز بشكل أساسي على منع تشكّل تواصل جغرافي فلسطيني، من شأنه أن يؤدي في المستقبل لدعوة ومطالب فلسطينية بحكم ذاتي. كل السياسات والخطوات الحكومية الإسرائيلية تصبّ في هذا الاتجاه. كل المخططات من مشاريع تهويد الجليل، إلى النجوم السبعة، ومصادرة أراضي النقب، تصب بالاتجاه ذاته. وكانت أبرز هذه المشاريع، أخيراً، إقامة مدينة حريش التي وضعت في الواجهة بوادي عارة، مع الإعلان أنّ سكانها سيصلون عام 2022 إلى مائة ألف يهودي. ما يعني عملياً التغلب على الأغلبية العربية الواضحة في وادي عارة، وزيادة نسبة السكان اليهود فيها. وواضح أن هذه المدينة ستستحوذ على مساحات واسعة من الأراضي، التي كان يمكن أن تفيد القرى العربية، وهي تخنق قرى عدة حولها، والتي أقيمت عملياً على أراضي تعود تاريخياً لها، مثل؛ ميسر، وعرعرة، وكفر قرع، وعارة، وأم القطف.

إذاً هذا المخطط يهدف إلى وضع حد لكل أفكار وطروحات التبادل السكاني والأراضي مع الدولة الفلسطينية في المستقبل؟

هذا المخطط يقوم عملياً بدور الاستيطان ذاته في الضفة الغربية المحتلة الذي يحول دون تواصل جغرافي لإقامة دولة فلسطينية، ووأد حلّ الدولتين. كما يمنع قضية التبادل، ويمهّد للرؤية العامة للتيار الحاكم في إسرائيل، الذي يسعى إلى السيطرة بشكل كامل على فلسطين التاريخية، والتضييق على من تبقى من سكانها الفلسطينيين.
 
ذكرت أن الهدف يتم بموازاة الحرب المفتوحة على أراضي النقب، هذا يعني فتح جبهة أخرى على الأراضي الفلسطينية؟

الحرب مفتوحة على كافة الجبهات وليس فقط في النقب. هي جبهات مفتوحة في النقب، والجليل، ومنطقة الكرمل، ومخطط مدينة طنطور، وفي أعالي الجليل. وهناك أيضاً جبهات أخرى في مناطق لا نسمع عنها بفعل وجودها وخضوعها لمجالس إقليمية يهودية، تحوي في داخلها بلدات عربية فلسطينية صغيرة، لها ممثل أو اثنان في المجلس الإقليمي، ويتم بقرارات، تبدو طبيعية، للاستيلاء على مساحات كبيرة من أراضيها. ويحدث ذلك في منطقة مرج بن عامر، إذ نجد أنّ قريتَي صندلة ومقيبلة تخضعان لمجلس إقليمي بأغلبية يهودية، تحد من توسع القريتين، وفي منطقة طبريا، عند قرى كفر مصر وكفركما. وهذا يؤكد أن قضية الأراضي هي عامة في مختلف أنحاء البلاد، تمس بكافة شرائح المجتمع الفلسطيني في إسرائيل.
 
اقرأ أيضاً قصة يوم الأرض: التأسيس الجديد للوطنية الفلسطينية

ماذ عن لجان ومجالس التخطيط بسيطرة يهودية التي تشكّل ذراعاً إضافية تعمل على مدار السنة لسلخ مزيد من الأراضي عبر خطط محلية وقطرية؟

أولاً، على الفلسطينيين في الداخل عدم الركون والاكتفاء بسياسة رد الفعل. علينا أن نرى مستقبل هذه القرى وحاجاتها والتخطيط لذلك بشكل سليم وبرؤية مستقبلية واضحة للسنوات الأربعين المقبلة. وما يتوجب العمل عليه اليوم وبشكل ملحّ، تنظيم وترخيص آلاف البيوت الفلسطينية في الداخل لمنع ورفع خطر الهدم عنها مقابل الالتزام بالبناء المرخّص، مقابل التزام الدولة بتوفير مساحات واسعة من الأراضي لهذه الغاية. نحن نتحدث عن أراضٍ يعود أصلها للفلسطينيين أنفسهم وباتت معرفة اليوم بأنها "أراضي دولة"، وما إلى ذلك من أراضٍ تحت أسماء أخرى. ويجب أن تحظى البلدات العربية بمساحات واسعة. وقضية الطنطورة هي مثال جيد على ذلك. تريد الدولة بيع أجزاء من الأراضي لمديرية أراضي إسرائيل. فيما يصر مثلاً سكان قرية الجديدة (شرق مدينة عكا) على أن هذه الأراضي لنا ويجب إعادتها لنا وليس بيعها لنا. ونحن بحاجة بالمقابل إلى الالتزام بالعمل على تنظيم صحيح بما يخدم القرى وسكانها، بما في ذلك النظر إلى القيمة الثمينة للأرض ليس فقط ببعدها المادي وإنما برمزيتها ودلالتها الوطنية.
 
ماذا عن لجنة الدفاع عن الأراضي التي مهّدت ليوم الأرض، يبدو أنّها اختفت عن الساحة والمشهد الفلسطيني في الداخل؟

برأيي اليوم، أنه في سياق عملية إعادة بناء لجنة المتابعة العليا لقضايا الفلسطينيين في الداخل، يجب تشكيل لجنة وظيفتها وضع خطة مهنية واعية وآليات واضحة ومحددة لمعالجة قضية الأرض والمحافظة عليها. لجنة الدفاع عن الأراضي اختفت بفعل تسييس اللجان وتحزيبها. هذه اللجان يجب ألا تكون محزّبة، بل مؤلفة من مهنيين وأخصائيين لهم مواقف وطنية واضحة ومحسومة. أحد أمراض السياسيين عندنا، هو أنهم يريدون أن يعملوا كل شيء. فالسياسي يريد أن يكون منظّراً وقاصاً، وكاتبَ تاريخ، وصحافياً، ومخططاً لك مجمل الأمور.

وماذا يحدث اليوم على هذا الصعيد؟

ما يحدث اليوم هو تكرار لأدوات وفعاليات وخطاب ممجوج، من دون أي تجديد بدءاً من إحياء ذكرى الأرض، وتنظيم لبعض الندوات، ثم يُنسى الأمر حتى العام المقبل من دون عمل فعلي على أرض الواقع أو نشاط مدروس. وعلى الرغم من وجود كوادر مهنية، لا يتم استيعابهم، وهذا يعني أنّه يجب الفصل في هذه الحالة. فمن يعمل في النشاط المهني عليه ألا يكون سياسياً بمفهوم العمل الحزبي. إلّا إذا قرر ذلك، عليه أن يخلع "قبعته الأكاديمية" وينخرط في السياسة وأن يكون ذلك جلياً وواضحاً للجمهور. حق الجمهور أن يعرف ما الصبغة التي يتحدث باسمها هذا الأكاديمي أو المختص، هل يتحدث كرجل مختص ومهني أم كحزبي وسياسي؟
 
كيف ترى المستقبل في الداخل الفلسطيني، هل هناك إدراك للخطر الموجود، وهل هناك خطط مدروسة أو مهنية جامعة؟

المستقبل قاتم. لا ألمس ولا أعتقد أن هناك سياسة مدروسة، أو أن الجمهور لديه الوعي الكافي لمعنى هذا الصراع. أعتقد أن الأمور أوسع بكثير من ذلك، ويجب أن تنعكس على البعد الرمزي، الذي بدوره سينعكس مستقبلاً بهيئة قضية ملكية المواطنين العرب للأراضي الفلسطينية، وهي القضية التي تُقلق مخططي السياسة الاستراتيجية في إسرائيل. وهذا يقود مثلاً إلى سياسة التسويات التي تحاول السلطات الإسرائيلية اليوم التوصل إليها مع مواطنين في الداخل، وخصوصاً أبناء لاجئين ومهجرين في الداخل لمبادلة أراضي آبائهم في القرى المهجّرة.

والأداة الأولى لهذه السياسة التي تهدف لتحصيل تسوية قانونية عن أراضٍ في البلدات المهجرة، أو داخل القرى وقريبة منها مصنّفة على أنها أراضي غائبين، عبر مجموعة من المحامين العرب الذين أثروا بالسنوات الأخيرة بشكل كبير. ويقوم هؤلاء بالوصول ليس فقط لمهجرين في الداخل وإنما للاجئين مهجرين في مختلف أنحاء العالم لإبرام تسويات كهذه. تعطي إسرائيل في نهاية المطاف "شرعية" الحصول على هذه الأراضي. وإن كنت لا أملك معلومات دقيقة حول هذا الموضوع. هذه الأمور في الداخل نراها بشكل واضح، وتتم مثل هذه الصفقات يومياً، إنْ في الناصرة، وطمرة أم الفحم، والجديدة والفريديس، وأينما نسمع عن مشاكل مثلاً بين الورثة ومن يريد التماشي مع هذه المخططات، وبين من يصرّون على رفض التنازل والبيع.

برأيك، من الرابح في النهاية؟

إسرائيل هي الرابح الأكبر لأنّها عبر هذه الصفقات تتمكن من فكّ العلاقة بين الإنسان الفلسطيني وأرضه، وضرب أحد أهم الدعاوى للفلسطينيين بأننا أقلية. وبهذه الطريقة تتم تصفية هذه العلاقة من خلال الصفقات. نحن نتحدث عن مئات الآلاف من الدونمات بما في ذلك في النقب، عبر صفقات فردية، تضعف الورقة الجامعة للفلسطينيين ومطالبهم التاريخية في القرى المهجّرة، ما يعني في هذه الحالة تمييع الحق الجماعي لأهالي القرية المهجرة، إذا ما تمكنت إسرائيل من إبرام صفقات مع عدد كبير من أهل هذه الأراضي بشكل فردي، وتحويل القضية من قضية شعب إلى قضية أفراد.

اقرأ أيضاً: السلطة الفلسطينية "والهبة" الشعبية

المساهمون