يحرص سهيل عباس باستمرار على زيارة أرضه المصادرة في منطقة طنطور المحاذية لقرية جديدة - المكر قرب عكا، التي كان يفترض أن يرثها هو وإخوته عن والدهم، وصودرت في العام 1976. لكن تكتسب هذه الزيارات معنى خاصاً عشية يوم الأرض.
ينظر عباس بحزن إلى المقبرة اليهودية التي استوطنت أرضه قبل أن يقول: "هذه المقبرة تقوم على أراضينا. هنا لدينا 100 دونم ملك شخصي (طابو) ورثها والدنا عن جدنا، لكن المخطط الشيطاني من قبل المؤسسة الإسرائيلية قبل نحو 30 عاماً، أدى إلى زرع قبور فيها لكي لا نتمكن من استرجاعها على الرغم من أنّ المصادرة في العام 1976 كانت بحجة إقامة معسكر للجيش". ويضيف عباس: "لم نتمكن في وقته من الوقوف بوجه المؤسسة الإسرائيلية، ثم فوجئنا بعد المصادرة بسنوات قليلة بإقامة المقبرة، فكل من يموت من يهود عكا والمنطقة يدفنونه هنا في أرضنا في حين نمنع نحن من زيارتها".
يروي عباس لـ"العربي الجديد" عن محاولات الاحتلال الإسرائيلي مساومته على أرض عائلته في طنطور حيث يسعى الاحتلال إلى إقامة بلدة جديدة على أراضي المنطقة، لافتاً إلى أنه "في مرحلة معينة عرضت المؤسسة الإسرائيلية علينا الحصول على خمس دونمات من الأراضي مقابل المئة دونم الخاصة بنا، على أن تشتري بذلك صمتنا وأن لا نطالب بشيء بعدها، لكننا رفضنا العرض ونصرّ على أن هذه الأرض لنا ولأبنائنا من بعدنا، ولا يمكن الموافقة على 5 دونمات من الأرض فقط مقابل 100 دونم تمت سرقتها منا". كما يشير عباس إلى أن "المؤسسة الإسرائيلية على الرغم من وضع يدها على أرضنا إلا أنها لا تزال تحاول الحصول على تنازل رسمي، لتكون المصادرة قانونية، وقبل بضعة أشهر أرسلت لنا سماسرة أراض لهذا الغرض لكننا أعدناهم خائبين".
يرى عباس أن "اقتلاع القبور اليهودية بما فيها أمر لن يتم بالتأكيد، ولكن هناك أراضٍ أخرى في طنطور، التي تبلغ مساحتها نحو 2700 دونم ليس عليها شيء، ولذلك نحن لن نتوقف عن النضال من أجل ضمها لمنطقة نفوذ قرية جديدة - المكر، ورفضاً لمخطط السلطات الإسرائيلية إقامة بلدة جديدة عليها، لأننا نعرف إسقاطات ذلك الأمر".
اقرأ أيضاً: حلم قطعة أرض
من عكا إلى طنطور!
أعلى خان العمدان في عكا القديمة، وقف علاء حاج، من الحراك الشعبي من أجل طنطور، رابطاً في حديثه لـ"العربي الجديد" بين مخطط إخلاء عكا من العرب وإقامة بلدة جديدة على أراضي طنطور المصادرة. يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الكثير من هذه المباني العريقة مهددة بالإخلاء، وهنا تمارس الكثير من سياسات التضييق على العرب"، مشيراً بيده بحركة دائرية الى البيوت القائمة.
ويلفت حاج إلى قيام المؤسسة الإسرائيلية مطلع ثمانينيات القرن الماضي، بالضغط على أهالي عكا العرب، وأجبرت قسماً كبيراً منهم على الانتقال إلى منطقة الشيكونات (مباني سكنية من طوابق عدة) التي أقامتها خصيصاً في قرية المكر المحاذية، وذلك ضمن مخططات إخلاء عكا.
لا يتردد حاج في القول إن "مخطط إقامة بلدة على أراضي طنطور هو مخطط لنفس الغرض، وجميعنا نعلم كيف هي الحياة في منطقة الشيكونات، حيث ينتشر في جزء كبير منها المخدرات والعنف وأوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة جداً، بسبب إهمال المؤسسة الإسرائيلية لمن هجّروا من عكا إلى تلك المنطقة". لهذه الأسباب يعتبر حاج أنه "لا يمكن الفصل أبداً بين مخططات تهجير أهالي عكا العرب اليوم وإقامة بلدة على أراضي طنطور وبين ما حدث من تهجير قبل أكثر من ربع قرن".
كنت يوماً هناك
أحد أكثر من يدركون ما يقوله حاج، هو المحامي وسام العريض، الذي خاض التجربة بنفسه، وينشط اليوم في مناهضة إقامة مدينة على أراضي طنطور.
يقول العريض، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنه كان يسكن في عكا وخرج منها في العام 1980، وسكن لاحقاً لفترة في منطقة الشيكونات التي أقيمت في العام 1978. يضيف العريض: "كان خروج أهالي عكا إلى منطقة الشيكونات اضطرارياً. لم يسمح لأهالي عكا القديمة بتوسيع بيوتهم أو ترميمها، فضلاً عن تضييق ومضايقات أخرى. في المقابل تم بناء الشيكونات. وفّرت السلطات الإسرائيلية بيوتاً بأسعار مخفّضة من أجل إغراء الأهالي مستغلة أوضاعهم".
ووفقاً للعريض، خرج في حينه "ما لا يقل عن 500 أسرة من عكا إلى المكر. تم إهمال جزء كبير من تلك المناطق من قبل المؤسسة الرسمية، ولم يتم الاهتمام بالسكان وبذوي الدخل المحدود ولا بمتعاطي المخدرات وعلاجهم ولا بتوفير أماكن عمل ولم توفر أي ظروف جيدة". معطيات تدفعه للقول إن "المؤسسة الإسرائيلية ساهمت في تدهور الوضع الاقتصادي - الاجتماعي للأهالي في المنطقة المذكورة وما ترتب عليه بعد ذلك".
ويضيف العريض: "الآن نجد أنّ مخطط طنطور هو مخطط مشابه وتنفيذه ينذر بنكبة أخرى لأهالي عكا العرب الذين يناضلون من أجل البقاء في عكا على الرغم من أوضاعهم الاقتصادية - الاجتماعية السيئة. لذلك نحن مصرون على التصدي لهذا المخطط". ويوضح أنه "فضلاً عن المسار القضائي، فإننا لن نتوانى عن الخروج إلى الشوارع. وكما أسقطنا مخطط برافر الذي يستهدف الأراضي العربية في النقب سنسقط مخطط طنطور".
حيلة إيداع الأموال
يشير العريض إلى أنه "للأسف 75 في المئة من أراضي طنطور البالغة مساحتها 2700 دونم تمت مبادلتها من قبل أصحابها أو وافقوا على تعويضات معينة بعد المصادرة، ولذلك نضالنا اليوم هو من أجل 25 في المئة مما تبقى من أراض يرفض أصحابها اية صفقات".
ويلفت الى أن "المؤسسة الإسرائيلية قامت بعد المصادرة بإيداع مبالغ زهيدة في الحسابات المصرفية لأصحاب الأراضي كفرض لأمر واقع بأن هذه المبالغ المالية بدل من الأراضي. أوضاع الناس الصعبة جعلت الجزء الأكبر منهم يوافقون على سحب هذه الأموال مما يعني موافقتهم على التعويضات مضطرين على اعتبار أن المصادرة باتت أمراً مفروغاً منه". ووفقاً للعريض فإنه "في المقابل، فإن هناك أيضاً من اعترضوا على هذه الخطوة وتوجهوا إلى القضاء واستصدروا أوامر بإرجاع هذه الأموال وهناك عائلات حاربت حتى الرمق الأخير، لكن المحاكم لم تنصفهم في نهاية المطاف".
نضال شعبي
من جهته، يقول عضو اللجنة الشعبية في جديدة المكر والحراك الشعبي، منهل مصري، إن "منطقة طنطور كانت ولا تزال تشكل هدفاً للحكومة الاسرائيلية منذ سنوات طويلة، وحاولت بشتى الطرق وضع اليد عليها". ويلفت إلى أنه "في مرحلة معينة بعد مصادرتها حاولت ضمها إلى مجالس إقليمية وفي مرحلة أخرى إلى كرميئيل وحتى إلى عكا، وكل هذا فشل فجاؤوا بمخطط المدينة العربية على أراضي طنطور الذي نناضل اليوم ضده. هذا المخطط الذي يهدف الى منع قرية جديدة - المكر المحاذية من التطور مستقبلاً وإلى محاصرتها ومحاصرة نفوذها".
يشير مصري إلى أنّ "التخطيط من أجل إقامة مدينة وُضع كاملاً ووصل الى اللجنة اللوائية للتخطيط والبناء، لكننا اعترضنا في اللجنة من خلال مخطط المدن البروفيسور يسف جبارين، وكان اعتراضا مهنياً ومدروساً مما اضطر بعض أعضاء اللجنة لإعادة تقييم موقفهم". ويوضح عضو اللجنة الشعبية في جديدة المكر والحراك الشعبي "أثرنا تساؤلات حول كيف يمكن إقامة مدينة على مساحة 2700 دونم لإسكان 40 ألف نسمة؟ هذا غير منطقي وهذا ما قلناه، وهذا ما قد يساعدنا. بالمقابل فإن إقامة لجنة شعبية لمكافحة المخطط جاء تجسيداً للوحدة بين مختلف الأطر السياسية في جديدة- المكر بهذه القضية، مما أعطى زخماً لقضية طنطور".
أما نمر عطية، عضو الحراك الشعبي من أجل طنطور، فيتوقف عند مسيرة طنطور الأولى التي نظمتها اللجنة الشعبية قبل أيام، في ظل المخطط وفي ذكرى يوم الأرض، معتبراً أن نجاحها يعد مؤشراً هاماً على "تضافر الجهود وعلى الالتفاف الكبير حول قضية طنطور، فنجاح المسيرة لم يكن مفهوماً ضمناً، وجاء بعد جهود مضنية وتعب كبير. التضامن كان كبيراً من قبل أبناء شعبنا في الداخل، وما شاهدناه بالمسيرة له مدلولاته".
ويلفت عطية إلى أن "الحراك الشعبي تمكن من ايقاظ هذا الملف، الذي كان قد وضع جانباً من قبل". ويضيف: "منذ عام ونصف بدأنا نضالنا الشعبي وتظاهرنا أمام اللجنة اللوائية في القدس ومن هناك بدأت الحرب، فهناك من كان يقف الى جانبنا وهناك من حاربنا، ولكن بعد جهود كبيرة ومساعدة أطر كثيرة لنا، أصبحت قضية طنطور اليوم موجودة بقوة على الساحة الشعبية". ويخلص إلى القول إنّ "القضية بحاجة الى جهود أكبر بكثير، وإلى التصعيد بعد أن اكتسبت هذا الزخم".
اقرأ أيضاً: لا قضية بلا أرض