تعز... محطة هامة في تاريخ ثورة 11 فبراير

11 فبراير 2017
تعز المحافظة اليمنية الأكبر من حيث السكان (وجدي السالمي)
+ الخط -



ارتبطت كل ثورة من ثورات الربيع العربي بإحدى المدن التي مثلت الحامل الأساسي لها، فهي منطلق الشرارة وصانعة الفعل وحاملة المشروع الذي يستند إليه الفعل الثوري، ويسير على خطاه في سبيل تحقيق أهداف الثورة.

ومدينة تعز هي عاصمة الثورة اليمنية، إذ تعد المحافظة اليمنية الأكبر من حيث السكان، وتتمتع تعز بأهمية جغرافية حيث تقع جنوبي اليمن وتربط شماله بالمحافظات الجنوبية. وهذا ما ساعد المدينة أن تسجل صفحاتها الناصعة في تاريخ الحركة الوطنية اليمنية من خلال مشاركتها الفاعلة في ثورة اليمن الشمالي ضد النظام الإمامي في 26 سبتمبر/أيلول 1962، وكذلك في ثورة اليمن الجنوبي ضد الاستعمار البريطاني في 14 أكتوبر/تشرين الأول 1963، ولتحمل على عاتقها المشروع الوطني الجامع لليمنيين طوال مراحل النضال المختلفة.




وتعز التي تتأثر وتؤثر بمحيطها، كانت سباقة للتفاعل مع ثورات الربيع العربي بعد مراحل طويلة من النضال السلمي ضد نظام الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، الذي صعد الحكم في عام 1987، فقادت تعز عجلة النضال لإسقاط النظام، وتأثرت من منطلق الشعور القومي بالنضال والمصير المشترك للأمة العربية بثورتي تونس ومصر.


وكانت الإطاحة بالرئيس المصري المعزول حسني مبارك في 11 فبراير/ شباط 2011، منطلق إشعال الشرارة لثورة اليمن الشبابية الشعبية، التي أشعلها مجموعة من شباب تعز من وسط شارع جمال عبدالناصر.

مجيب المقطري، أحد الشباب الذين فجروا ثورة فبراير/شباط، يروي لـ"العربي الجديد" البدايات الأولى للثورة، فيقول، إنه بعد سقوط نظام مبارك في مصر "خرج شباب تعز يهتفون لانتصار ثورة مصر، وصدحت أصوات الشباب نحو الحلم في بناء الدولة المدنية، دولة العدالة والنظام والقانون ولكنها (أي الدولة) لن تكون قبل إسقاط النظام البائد، فرفعنا شعار الشعب يريد إسقاط النظام، وهو الهدف الذي وحد شعوباً عربية، لتجاوز محنتها في التحرر من الأنظمة البائدة".

ويرى المقطري أن "الربيع العربي أثبت أن همّ الشعب العربي واحد وقضيته واحدة تتمثل باستبداد حكامه، وليس أمام الشعب العربي إلا إسقاط هذه الأنظمة، وبالفعل بدأت تتهاوى أنظمة الاستبداد في تونس ومصر، وليلة 11 فبراير كنّا نعرف جيداً أن اعتصامنا المستمر معناه تحقق نصف الحلم لليمن واليمنيين".

ويضيف: "أتذكر حينها لم نتجاوز 50 شاباً منهم الناصري والاشتراكي والمستقل، عندما افترشنا الإسفلت، والتحفنا السماء، وجبنا شوارع مدينة تعز ليلاً، وتعرضنا للمضايقات وإطفاء الكهرباء والرمي بالحجارة أمام مبنى المحافظة، من عناصر الأمن السياسي والقومي، ولكننا صمدنا رغم معرفتنا أن هذه الساعات هي أصعب الساعات في ثورتنا، ولو تجاوزنها سنفتح نافذة للحرية من الصعب إغلاقها".


ويتابع: "في صباح 12 فبراير، واصلنا وازداد العدد بعد ظهر ذلك اليوم، وكلما مرت ساعة تزداد الحشود، حتى اهتز عرش النظام، وفي حدود الثالثة فجراً هجم الأمن وبلاطجة النظام علينا بسبعة أطقم عسكرية، واعتقلوا كثيراً منا، وكنّا في السجن أكثر من 30 شاباً".




ولفت إلى أنه "حينها فاق المارد ومن الصعب ايقافه، فخرجنا من سجن الجحملية عصراً بعد أن احتشد قادة العمل السياسي بالمحافظة والشخصيات الاجتماعية للمطالبة بإخراجنا، وكان الأمن بكل شوارع المدينة قد فقد السيطرة، وفقد أحلامه بالحفاظ على الجلاد، وخرجنا من السجن والتحمنا بكل المتظاهرين، ونصبت أول خيمة في ساحة الحرية التي مازالت وحتى اليوم، رمزاً للحرية وللتجمعات الرافضة لأي فعل لا يتسق مع أهداف ثورة فبراير".

وليس من المبالغة القول إن شباب تعز كان لهم السبق في نقل شرارة الثورة من تعز إلى كل المدن الأخرى، فلا توجد ساحة من ساحات وميادين الثورة، التي بلغت 23 ساحة، وامتدت إلى ما يقرب 18 محافظة يمنية، إلا وكان شباب تعز حاضرين في قيادة الفعل الثوري فيها، وقدموا أرواحهم رخيصة فيها، وهم من قدموا الشهداء في كل الساحات.

ويعود ذلك إلى انتشار وتواجد أبناء تعز على امتداد الخارطة اليمنية، وإلى ارتفاع معدل التعليم والوعي لديهم، والميل إلى الانخراط في الحياة السياسية أكثر من غيرهم.


ونتيجة لهذه الأدوار العظيمة في الثورة، فقد صب نظام صالح جم غضبه وأحقاده على تعز الثورة، التي أرتكب بحقها أكبر المجازر وأعنفها، من خلال تنفيذه لمحرقة، حيث قام بإحراق الخيام في ساحة الحرية في 29 من مايو/أيار ليسقط 8 شهداء على الأقل وعشرات الجرحى، في جريمة تتنافى مع أخلاقيات المجتمع اليمني وشرائعه وقوانينه.


الصحافي عمار، علي أحمد، قال لـ"العربي الجديد" إن "الحديث عن دور شباب تعز في ثورة 2011 هو حديث عن الثورة ذاتها ، لكون شباب تعز مثلوا العمود الفقري لأغلب ساحات الثورة في المحافظات، وكانت ساحتهم في تعز صانعة أحداث الثورة، والمتحكمة في مسار الثورة، فلو تفحصنا من تصدر صفوف الفعل الثوري في الساحات شمالا وجنوبا، نجد أنهم كانوا من شباب تعز، دون أن ننسى أن تأسيس هذه الساحات بدأ من تعز، وأبرز مثال على ذلك أنه لا تكاد تخلو قائمة شهداء أو جرحى لأي ساحة من ساحات ثورة 2011، من تواجد شباب تعز، بل إنهم كانوا أول من سالت دماؤهم في أغلب الساحات".

ويضيف عمار: "لا يمكن الحديث عن شباب تعز في ثورة 2011، دون الإشارة مثلا إلى مسيرة الحياة التي نظمها شباب الثورة في تعز سيرا على الاقدام إلى صنعاء لمسافة 256 كيلومترا، في أعظم مشهد ثوري ليس في اليمن، بل وفي الربيع العربي، ولهذا فمن وجهة نظري يمكن اختصار دور شباب تعز في ثورة 2011 بأنهم كانوا " بوصلة للفعل الثوري" ، كانت لهم الكلمة الأولى والحاسمة في مشهد ثورة 2011".


ويرى الناشط والإعلامي خليل العمري، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "شباب تعز هم جزء من شباب اليمن الكبير والواسع ، الشباب الذي ملأ الميادين وغمرها بثورة أدهشت العالم، لكن المخزون الشبابي الضخم لتعز يظل حاملاً  لكل التغييرات الاجتماعية في البلاد منذ أكتوبر ونوفمبر إلى فبراير، وحتى الانتفاضة الوطنية المسلحة لاستعادة الجمهورية التي تدور حالياً".

ويؤكد العمري أن "دور مدينة تعز تكاملي مع كل المدن، والمحافظات اليمنية العشرين في صنع الربيع اليماني الكبير، الذي حاول فيه رموز المخلوع تجييره على مناطق محددة، كانوا يريدونه احتجاجاً مناطقياً أو مذهبياً،  ولاحظت شخصيا ما كان يردده عارف الزوكا القيادي المقرب من صالح، أثناء ما كان ينعتنا أمام جامعة صنعاء بأوصاف مناطقية، لكن هذه المحاولة فشلت، فكان فبراير كالبحر الهادر، الذي تدفق من اتجاهات صنعاء الأربعة".

ويعود تاريخ ساحة الحرية في تعز إلى الهبة الشعبية التي دعت لها أحزاب اللقاء المشترك في 3 فبراير/ شباط من العام 2011 حيث شهدت مهرجانا جماهيريا حاشدا بحضور قيادات من أحزاب اللقاء المشترك أشهرهم عبدالله نعمان الأمين العام الحالي للتنظيم الناصري والناشطة الحقوقية توكل كرمان الحائزة على جائزة نوبل للسلام، وعدد من القيادات السياسية في الأحزاب، وكانت الساحة تسمى بساحة محطة صافر لكن المحامي عبدالله نعمان خلال كلمته في الهبة الشعبية أطلق عليها اسم ساحة الحرية.

وفي الــ 13 من فبراير/ شباط اندلعت الثورة من ساحة الحرية (وسط المدينة)، والتي شهدت اعتصاما مفتوحا حيث تم نصب الخيام فيها، كما أن الساحة كانت تفيض بالجماهير التي تأتي كل جمعة لتأدية الصلاة فيها في جمعة يتم تسميتها بأسماء ثورية.

ونتيجة لدورها الفاعل في الثورة فقد قام نظام المخلوع صالح بارتكاب مجزرة احراق الخيام بمن فيها باستخدام القوة المفرطة وذلك في الــ29 من مايو/ أيار 2011، ما تسبب بسقوط 8 شهداء بينهم طفل بالإضافة إلى عشرات الجرحى، كما أن الساحة قد استهدفت بالقصف أكثر من مرة.

وفي "جمعة لا حصانة للقتلة" بتاريخ 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2011 قتل ما لا يقل عن 17 مدنيا وأصيب حوالي 50 من القصف المدفعي من قبل القوات المؤيدة للمخلوع صالح في مدينة تعز، وبين الضحايا ثلاث نساء قتلن أثناء تأديتهن لصلاة الجمعة في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 بقصف في الرشاش الثقيل أطلقتها قوات المخلوع على قسم مصلى النساء داخل ساحة الاعتصام، اختصرن اسم محافظة "تعز" تفاحة العنتري وعزيزة الدهبلي وزينب العديني.

وحتى اليوم الذي تعيش الثورة فيها ذكراها السادسة لا يزال الثوار يتوافدون إلى الساحة لأداء صلاة الجمعة ولحضور مسيرات ثورية في المناسبات الوطنية على الرغم من تعرضها بين الحين والآخر للقصف من قبل مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية.