لم يعد لحم "الفرّوج" (الدجاج) متاحاً على موائد أعياد السوريين، بعد أن شهد كيلو الشرحات، بحسب مصادر من دمشق، أسعاراً هي الأعلى بتاريخه، مسجلاً 3 آلاف ليرة، فيما بلغ سعر كيلو الخروف 14 ألف ليرة والبقر 9 آلاف ليرة.
وتقول السيدة عفراء حسن من دمشق، دخل السوريون بمرحلة مجاعة، وهذه حقيقة وليست تهويلا، فالراتب، لمن لديه راتب، لا يزيد عن 50 ألف ليرة، في حين مصاريف العيد تزيد طعاماً وكساء عن 300 ألف ليرة.
وتبيّن حسن "45 عاماً" وصل سعر كيلو البندورة "طماطم" إلى نحو 900 ليرة والبطاطا 800 ليرة ولباس الطفل الصغير 25 ألف ليرة" لم يعد يفكر السوريون باللحم، وبصدق انتشرت مساحيق نكهات اللحوم بالأسواق السورية".
وتنتهي السيدة السورية: "تصور أن السوريين يشترون بمناسبة العيد اللحم بالأوقية "200 غرام" هذا إن اشتروا".
وكان مركز قاسيون بدمشق، قد قدر الشهر الماضي، وقبل تهاوي سعر صرف الليرة، تكلفة معيشة العائلة المكونة من 5 أفراد بنحو 430 ألف ليرة سورية، بزيادة قدرت بنحو 13 بالمائة عن الأشهر الثلاثة الأولى من العام الجاري.
من جهته، يؤكد رجل الأعمال السوري، مأمون جوخدار من منطقة دمر بدمشق، أن مستوى عرض ومبيع اللحوم، تراجع بأكثر من 50% خلال شهر رمضان وقبيل أيام العيد، وذلك بسبب غلاء تكاليف إنتاج اللحوم وبالتالي أسعارها، وتراجع القدرة الشرائية للسوريين، إثر التضخم الذي لحق بالعملة وصعود سعر صرف الدولار لنحو 2000 ليرة سورية.
ويشير جوخدار، خلال اتصال مع "العربي الجديد"، إلى أن محال اللحامين لا تبيع عشرة كيلوغرامات يومياً، لأن فقر السوريين أبعدهم عن البروتين الحيواني، وزادت أسعار الفروج التي ارتفعت بأكثر من 40% خلال شهر، من تغييب البروتين الحيواني عن موائد السوريين.
وبحسب تقارير سورية رسمية، خرجت منشآت تربية الدجاج عن العمل بمدن شمال شرق سورية "دير الزور، الرقة والحسكة" بشكل كامل، لتبقى بعض المزارع في محافظات حماة وإدلب وريف دمشق، قبل أن يعزف المربون أخيراً بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف.
وتفيد المصادر الرسمية بتراجع تربية الدواجن بسورية، التي كانت قبل عام 2011، تشغل وتعيل نحو 1.2 مليون سوري. حيث كانت مساهمة لحوم الدواجن تبلغ نحو 54% من إجمالي استهلاك السوريين من أنواع اللحوم، وتساهم منتجات القطاع بتوفير حوالي 42% من استهلاك المواطن من البروتين الحيواني، وزادت صادراته عن 15 مليار ليرة عام 2010. قبل أن تتحول سورية اليوم إلى مستورد للفروج وبيض المائدة، من إيران وتركيا، بعد أن كان الإنتاج 180 ألف طن من لحم الفروج ونحو 3 مليارات بيضة مائدة.
وتبين المصادر أن تراجع دور وإنتاج المؤسسة العامة للدواجن "حكومية" التي تضم 11 منشأة، فيها 20 خطاً إنتاجياً، منها 10 خطوط لإنتاج بيض المائدة و5 خطوط لإنتاج الفروج و3 خطوط لإنتاج صوص الفروج، وخطان لإنتاج صوص البياض.
فبعد أن كانت المؤسسة الحكومية، المصدر الوحيد لمادتي البيض والفروج لمؤسسات وزارة الدفاع، وتطرح نحو 10% من إنتاجها بالأسواق عبر المؤسسات الحكومية، باتت اليوم تستجر بعض التزامات عقودها مع "الجيش" من المربين أو عبر الاستيراد.
وتعاني الأسواق السورية نقصاً كبيراً في الدجاج، خاصة بعد أن تراجعت مساهمة القطاع الخاص، وتناقصت المنشآت من 12 ألف مدجنة مرخصة ونحو 5 آلاف غير مرخصة، إلى أقل من النصف اليوم، وخرجت مزارع شمال غرب سورية "إدلب وحلب" عن العمل بسبب الحرب وغلاء الأسعار والخسائر.
ويأتي ارتفاع أسعار الأعلاف، بحسب مربي وتاجر اللحوم رضوان محمد، بمقدمة أسباب خسائر القطاع الحيواني، حيث ارتفع سعر طن أعلاف الدجاح من 240 ألف ليرة العام الماضي إلى أكثر من 600 ألف ليرة اليوم، وذلك فضلاً عن ارتفاع بقية مستلزمات الإنتاج من لقاحات وصيصان ومشتقات نفطية وأجور العمالة.
ويؤكد محمد لـ"العربي الجديد" أن المهنة باتت مخسرة لكل من يجازف في التربية والتجارة، ففقر الناس وعدم القدرة على الشراء من جهة، وارتفاع تكاليف الإنتاج والتضييق الحكومي، وخاصة أثناء نقل الدواجن، من جهة أخرى.
ويرى تاجر اللحوم أن حكومة بشار الأسد هي سبب تدهور هذا القطاع، رغم كل عوامل تخسير المربين، تطرح سعراً أقل من التكلفة وتلاحق الأسواق هذه الفترة من دون أن تعالج ارتفاع أسعار الأعلاف التي تشكل أكثر من 70% من تكاليف إنتاج الفروج.
وكان مجلس وزراء النظام السوري قد ناقش قبل أيام دراسة مشروع قانون ينص على خفض الرسوم الجمركية لكسبة فول الصويا والذرة الصفراء بنسبة 50%، وإعفائها من بقية الرسوم والضرائب الأخرى.
ويعقب الاقتصادي السوري، علي الشامي من دمشق، ترتفع أسعار الفروج بمتوالية حسابية وبما لا يتناسب مع دخل السوريين، ولكن لم تقدم الحكومة أية بدائل، كأن تستورد الفروج وتطرحه بالأسواق بأسعار منافسة، خاصة بعد خروج منشأة "صيدنايا كبرى منشآت تربية الفروج بسورية" عن الإنتاج.
وحول تخفيض الرسوم على الأعلاف، يضيف الشامي، الأرجح لن يصدر القانون، وإن صدر فستكون نسبة التخفيض قليلة، إذ سبق أن خفضت الحكومة الرسوم الجمركية على الأعلاف، ولكن بنسبة 1% "فول الصويا والذرة الصفراء". مشيراً إلى أن هاجس حكومة الأسد هو تحصيل الأموال وليس كفاية الشعب أو تسهيل التجارة، وإلا لدعمت التجار بسعر الدولار أو عادت كما السابق لتمويل عمليات التجارة.
ويكشف الاقتصادي السوري الشامي، أن حكومة الأسد بصدد وقف الاستيراد، إذ أصدرت قبل يومين قراراً بمنع استيراد 67 مادة أساسية، تبلغ تكلفة استيرادها 2,5 مليار يورو سنوياً، وهي تشكل نحو 80 بالمئة من مجموع المستوردات ونحو 50 بالمئة من قيمتها.
وبرأيه، جاء التبرير "أقبح من ذنب" وقف استنزاف الدولار في عمليات الاستيراد، بالإضافة إلى إحلال صناعات محلية بديلة لهذه المستوردات، وذلك رغم الفشل الذريع عالمياً، باستراتيجية الإحلال محل الواردات.