استمع إلى الملخص
- لم تستفد بيركشاير من ارتفاعات ما بعد جائحة كوفيد 19، حيث كانت بائعاً صافياً للأسهم، مما أدى إلى خسارة تقدر بـ 20 مليار دولار من مبيعات آبل وحدها، رغم استثمارها الناجح في شركات يابانية.
- مستقبل بيركشاير يبدو واعداً بفضل قوتها في قطاع التأمين وتحسن الأداء التشغيلي، مع توقع تغييرات في الإدارة بعد رحيل بافيت وتحضير الشركة لانتقال القيادة.
بينما كانت مؤشرات الأسهم الأميركية تواصل ارتفاعها للعام الثاني على التوالي، اتجه الرئيس التنفيذي لشركة بيركشاير هاثاواي وارن بافيت لتخفيض ما في محفظة شركته من الأسهم وزيادة النقدية إلى مستويات قياسية، ما أضاع على الشركة مليارات الدولارات من المكاسب، جاء قدرٌ غير يسير منها بعد الإعلان عن فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
ووفقاً لأحدث بيانات صادرة عن شركة الاستثمارت الشهيرة، قلص الملياردير الشهير، البالغ من العمر 94 عاماً، حصته في شركة آبل إلى الثلث، لتصبح 300 مليون سهم، منذ بداية العام، كما خفّض ملكية بيركشاير في بنك أوف أميركا بنسبة 25% منذ منتصف يوليو. وبنهاية تعاملات يوم الجمعة الماضي، سجل مؤشر إس أند بي 500 ارتفاعاً بنسبة 27% خلال الفترة التي مضت من عام 2024.
وباعت بيركشاير أسهماً بقيمة 127 مليار دولار هذا العام، لتقلص القيمة السوقية لما في حوزتها من الأسهم إلى 300 مليار دولار، فيما تضاعفت قيمة النقدية إلى مستوى قياسي بلغ 311 مليار دولار في نهاية سبتمبر/أيلول، وفقاً لتقارير الشركة المنشورة. ويعد هذا الرقم أعلى من النقدية المتاحة لدى أي شركة أميركية أخرى، وهو ما يمثل نحو 30% من القيمة السوقية لـ"بيركشاير" البالغة تريليون دولار.
وارن بافيت والجائحة
لم تستفد "بيركشاير" من الارتفاعات التي تلت جائحة كوفيد 19، حيث كانت بائعاً صافياً للأسهم في أربعة من آخر خمسة أعوام. وكانت الإضافة الوحيدة البارزة للأسهم في المحفظة التي يشرف على إدارتها بافيت خلال السنوات الخمس الماضية هي مجموعة من خمس شركات يابانية للتجارة، تبلغ قيمتها الآن أكثر من 20 مليار دولار، ما يمثل ضعف ما دفعته "بيركشاير". ولم تحقق استثماراتها الأخرى، مثل حصة بقيمة 13 مليار دولار في "أوكسيدنتال بتروليوم"، أرباحاً كبيرة.
وقد يكون بافيت محقاً على المدى الطويل، حيث يرى بعض المحللين أن الأسهم أصبحت مكلفة، مما قد يمنح "بيركشاير" القدرة على اقتناص صفقات جيدة إذا هبطت الأسواق. ومع ذلك، يبدو توقيت بيع الأسهم سيئاً، إذ قَدّرت جريدة بارونز أن بافيت خسر نحو 20 مليار دولار من المبيعات الأخيرة في آبل وحدها.
ولم تؤثر تحركات بافت الحذرة على سعر سهم "بيركشاير"، الذي ارتفع بنسبة 28% هذا العام، متفوقاً على العوائد التي حققها مؤشر إس أند بي 500، الأكثر تعبيراً عن سوق الأسهم الأميركية. ويتداول السهم حالياً عند نحو 695,000 دولار للفئة A، في حين يتداول سهم الفئة B بسعر 463 دولار.
وفي أغلب الأحوال، ينصب اهتمام المستثمرين في "بيركشاير" على المسار المتوقع لأرباح الشركة، وكيف سيتم استخدام النقد المتاح، ومدة بقاء بافيت مديراً تنفيذياً، والتوجه الذي ستتخذه الشركة تحت قيادة خليفته المتوقع، غريغ أبيل، الذي يترأس الشركات غير التأمينية حالياً.
ولا يُعتبر سهم الشركة رخيصاً عند المستويات الحالية، إذ يتداول بمقدار 1.6 ضعف القيمة الدفترية في 30 سبتمبر، وهو أعلى من متوسط آخر عشر سنوات. ويبدو أن بافيت لا يرى السهم صفقة جيدة، إذ لم تشترِ "بيركشاير" أي أسهم خزينة في الربع الثالث من العام، وهو أول ربع منذ عام 2018 لم يشهد عمليات شراء لأسهم الشركة.
ومن المحتمل أن تستمر "بيركشاير" في خفض عدد أسهمها المشترية، وقد تنهي العام بمشتريات تقدر بثلاثة مليارات دولار فقط، مقارنة بتسعة مليارات العام الماضي و27 مليار دولار في 2021. وعادةً ما يقوم بافت بشراء الأسهم عندما تتداول بأقل من قيمتها الحقيقية من وجهة نظره، إلا أن الأسعار الحالية قد تكون عند مستوى القيمة الحقيقية، وفقاً لمحلل بنك يو بي إس UBS براين ميريديث.
ومع ذلك، يبدو مستقبل "بيركشاير" واعداً، إذ يتوقع أن تُعزز أرباحها بفضل قوتها في قطاع التأمين المتنوع، خصوصاً مع تخصصها في التأمين على السيارات من خلال عملاق شركات التأمين غايكو. ومن المتوقع أيضاً أن يتحسن الأداء التشغيلي في شركات أخرى في محفظة الشركة، مثل السكك الحديدية Burlington Northern، مع توجه أبيل نحو إدارة أكثر مباشرة مقارنة بنهج بافيت الذي يعتمد على التفويض.
ويرى المحلل ماير شيلدز من بنك الاستثمار KBW أن "بيركشاير" قد تستفيد من فوز دونالد ترامب، إذ يتوقع أن يؤدي ذلك إلى تحفيز النشاط الاقتصادي مما سيدعم نمو شركاتها الأميركية غير التأمينية. ومن المؤشرات الإيجابية الأخرى لـ"بيركشاير" ما يعرف بـ"أرباح النظرة الشاملة"، التي تمنح "بيركشاير" الفضل في حصتها النسبية من أرباح الشركات في محفظتها، بدلاً من مجرد توزيعات الأرباح. وتشير التقديرات إلى أن نسبة السعر إلى الأرباح المعدلة أقل من النسبة المعتمدة، وفقاً لمعايير المحاسبة العامة الأميركية لعام 2024.
ورغم أن "بيركشاير" قد تدفع توزيعات أرباح في المستقبل، وذلك للمرة الأولى في تاريخها، إلا أن ذلك لن يحدث على الأرجح إلا بعد رحيل بافيت نظراً لمعارضته للفكرة. ويرى المحللون أن خليفة بافيت سيجد صعوبة أكبر في تبرير عدم دفع توزيعات مع وجود نقدية ضخمة وأرباح متزايدة. بيد أن بافيت لا يظهر أي نية للتخلي عن منصب الرئيس التنفيذي، رغم أن تقليص المحفظة النقدية قد يكون إشارة إلى تحضير الشركة لانتقال القيادة. ويقول المحلل جيم شانهان من "إدوارد جونز" للتحليل المالي إن بيع حصص آبل وبنك أوف أميركا، إلى جانب شراء 8% من أسهم "بيركشاير هاثاواي إنرجي"، قد يكون دليلاً على "تنظيف البيت".
وبمجرد رحيل بافيت قد تحدث تغييرات أخرى في الإدارة، بما في ذلك تقاعد رئيس قطاع التأمين أجيت جاين. ورغم أن هذا الانتقال قد لا يؤثر كثيراً على العمليات، إلا أنه سيكون له تأثير على تصور المستثمرين للشركة، إذ يُعتبر بافيت رمزاً في عالم الاستثمار.
وتتساوى عوائد "بيركشاير" تقريباً مع عوائد مؤشر إس أند بي 500 على مدى السنوات الخمس الماضية، ولكنها تخلفت عنها بشكل طفيف خلال السنوات العشر الماضية. ويظل التساؤل حول أداء الشركة بعد رحيل بافيت قائماً، خاصة أن تحقيق أداء أفضل من المؤشر العام يعتمد على مجموعة من الأعمال وعلى قوة الأرباح، إضافة إلى النقدية الهائلة البالغة 300 مليار دولار التي ستساعدها في اغتنام الفرص، حال تراجع الأسواق.