جولة افتراضية في يافا المحتلة مع سامي أبو شحادة

15 مايو 2023
شارك الدليل أبو شحاذة معلومات عن تاريخ عاصمة فلسطين الثقافية والاقتصادية (العربي الجديد)
+ الخط -

بعد مرور 75 عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني، ما زال الكثير من اللاجئين وأبنائهم وأحفادهم محرومين من العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم التي هجّروا منها عام 1948، وهو حال غالبية سكّان مدينة يافا الأصليّين، المدينة التي عرفت باسم "عروس فلسطين"، ما دفع بالباحث والأكاديمي والسياسي الفلسطيني، سامي أبو شحادة، إلى تنظيم جولات افتراضية فيهاعبر صفحته على "فيسبوك".

في هذه الجولة، التي انطلقت من ميناء يافا، واستمرّت لساعة ونصف، أخذ أبو شحادة متابعيه من مختلف دول العالم والتوّاقين لرؤية يافا، فكانوا على موعد مع مشاهد حيّة من المدينة وحواريها وأزقة بلدتها القديمة، وصولاً إلى ميدان الساعة، وسوق الدير، مع إطلالة على حيّي المنشية والعجمي الشهيرين.

وكان أبو شحادة يشارك متابعيه، وهو يسير رفقة بعض سكّان المدينة الفلسطينيّين، معلومات عن تاريخ عاصمة فلسطين الثقافية والاقتصادية والديمغرافية عشية النكبة، بدءاً من القرن التاسع عشر، وصولاً إلى واقع المدينة اليوم، ومن تبقى من سكانها الفلسطينيين.

وانطلقت الرحلة من ميناء يافا، الذي غيّرت سلطات الاحتلال معالمه من أهمّ وأكبر ميناء بحري في فلسطين قبل النكبة، وفقاً لأبو شحادة، إلى وجهة سياحية، فتحوّل المكان إلى ملتقى لأصحاب اليخوت الأغنياء والمقاهي والمطاعم، مع بقاء عددٍ قليل من صيّادي السمك الفلسطينيين.

ولفت أبو شحادة إلى أن العديد من الدراسات الأثرية العالمية أثبتت أنّ "يافا واحدة من أقدم المدن في المنطقة، فعمرها يتجاوز الخمسة آلاف سنة، وعثر فيها على آثار فرعونية، كما ذكرت في التوراة والإنجيل، وحتى في النقوش الفرعونية في الأهرامات".

بنيت يافا القديمة أعلى تلّة على الشاطئ الفلسطيني بين حيفا في الشمال وغزة في الجنوب، بحسب أبو شحادة، الذي أشار إلى أنّ "خصوبة الأراضي في محيط البلدة القديمة ليافا جعلتها منطقة جاذبة منذ آلاف السنين، خاصة لمناخها المعتدل ووجود الميناء، الذي جعلها عرضة للكثير من الاحتلالات وصولاً إلى الصهاينة".

وتحدث أبو شحادة عمّا وصفه بـ"المعجزة"، إذ على الرغم من "القرب الشديد بين البلدة القديمة والبحر، فإن مجرّد الحفر لثمانية وتسعة أمتار كان كفيلاً بالعثور على مياه عذبة".

ولم يغفل أبو شحادة الحديث عن البرتقال الذي لطالما ارتبط اسمه بالمدينة، وقال: "قبيل القرن التاسع عشر لم تكن يافا تصدّر سوى كميات قليلة من البرتقال إلى القاهرة وإسطنبول، لكنّ ذلك تغير بعد أن خرج مزارعوها بنوعٍ جديد ذي قشرة سميكة، نسميه الشموطي".

وكان هذا النوع من البرتقال مختلفاً عن غيره، خاصةً أنّه يبقى صالحاً لفترات طويلة. نتيجةً لذلك، بدأ تصديره إلى أماكن بعيدة، لأنّه يتحمّل الشحن لعدّة أشهر.

غيّر الشموطي وجه المدينة، ومع دخول المحركات البخارية إلى السفن ارتفعت وتيرة تصدير برتقال يافا إلى قارّات وعواصم كثيرة، وخاصةً لندن وباريس، بأسعار مضاعفة عشر مرّات.

وأدّى ذلك إلى تزايد الاستثمار في حدائق البرتقال الضخمة (البيّارات)، حتى إن الطريق من يافا إلى اللد والرملة شرقاً، وإلى منطقة سيدنا علي شمالاً، صار بيّارات من البرتقال. و بحسب أبو شحادة، كانت المدينة تصدّر في ثلاثينيات القرن الماضي ما يقارب الخمسة ملايين صندوق، أيّ ما يقارب 400 مليون حبّة برتقال في الموسم الذي يمتد لعدّة أشهر.

أدّى هذا التوسع الكبير في النشاط الزراعي إلى الاستعانة بعمالة من الخارج، فعمل في البيارات مزارعون وقاطفو برتقال من سورية ولبنان والمغرب والجزائر وأفغانستان ومصر، وغيرها، ومن هنا اكتسبت بعض عائلات المدينة أسماءها، مثل المصري والشامي والمغربي والأفغاني.

وعند مدخل البلدة القديمة ليافا التي تحافظ على اسمها، تحدث أبو شحادة عن الحجر الفلسطيني العتيق، والذي لا يزال حاضراً في غالبية ما تبقى من مباني البلدة القديمة لمدينة يافا، "ممّا يؤكد على فلسطينيتها، ويدحض روايات الاحتلال، ومحاولاته سرقة تاريخها بعد تزويره"، مذكراً بأنّ معظم مساحة البلدة القديمة تعرضت للهدم وتغيّرت معالمها، فـ"المشروع الصهيوني قائم على سياسة المحو، أو بالحد أدنى الإهمال"، وهو ما حصل في البلدة القديمة في يافا، باعتبار أن لا تاريخ لهم في هذه المنطقة ممّا سهّل هدم أجزاء كبيرة منها.

ونجا من عمليات الهدم هذه منزل عائلة الفنانة التشكيلية الفلسطينية تمام الأكحل، زوجة الفنان التشكيلي الفلسطيني الشهير إسماعيل شّموط، حيث حوّل إلى متحف يحمل اسم "إيلانا جور"، بعد أن استولت عليه فنّانة إسرائيلية تُدعى شوشانا فلنكشتاين.

وتوقّف أبو شحادة عند تمثال لنابليون بونابرت أقامته سلطات الاحتلال، شارحاً أنّ السبب يعود إلى أنّ بونابرت قام رغم التوصل إلى اتفاق بتسليمه المدينة عام 1799، بتنفيذ مجزرة راح ضحيتها 4 آلاف من سكّان يافا، لم يكن من بين ضحاياها يهود، ولذلك "أقام له الصهاينة تمثالاً في البلدة القديمة ليافا بعد احتلالها".

أمّا حيّ المنشية الشهير، فلم يتبقَ من معالمه إلّا جامع حسن بيك، الذي بني في العصر العثماني، وخاض أهل يافا من الفلسطينيين معركة كبيرة مع سلطات الاحتلال تواصلت لعشرين عاماً أو يزيد، حتى تمكنوا من انتزاع حق ترميمه والصلاة فيه من جديد.

ولفت إلى أن بناء أحياء لليهود في يافا بدأ عام 1882، في محاكاة للأحياء العربية الحديثة في يافا مثل العجمي والمنشية، مشيراً إلى أنّها كانت نقطة الانطلاق نحو إنشاء تل أبيب، التي قامت على أراض كانت تتبع بلدية يافا.

سينما ودراما
التحديثات الحية

ولفت أبو شحادة إلى أنّ ذلك "ما كان ليحدث لولا تبني بريطانيا للمشروع الصهيوني، فبعد إنشاء تل أبيب بعشرة أعوام ارتفع عدد السكان من ألفين إلى أربعين ألف يهودي، وفي عام 1939 بات عدد سكانها 160 ألفاً، أغلبيتهم من يهود ألمانيا، الذين أسسوا مدينة حديثة بمتاجرها، وبناياتها، ومصانعها، ومسارحها، لتبلغ نسبة اليهود عام 1948 ثلث السكان".

وأدّى ذلك، وفقاً لأبو شحادة، إلى أن يتعاطى المستوطنون الجدد مع يافا "كخطر استراتيجي، لذا قرّروا احتلالها، رغم مخالفة ذلك لقرار التقسيم".

وختم أبو شحادة باستذكار جدّيه اليافيّيْن، وكيف كانوا يذكرون أسماء الشوارع والمحال التجارية، والحارات والأزقة وأصحابها قبل الاحتلال، ممّا ساعده على تشكيل ذاكرة يسعى إلى نقل شيءٍ منها عبر هذه الجولة الافتراضية في المدينة بعد 75 عاماً على احتلالها.

المساهمون