دفعت الضغوط المالية والأزمات الاقتصادية 3 دول في المغرب العربي (تونس والمغرب والجزائر) إلى زيادة موازنات القطاع الصحي لمواجهة الجائحة الصحية، ورغم ذلك واجه القطاع العديد من العقبات والمشاكل.
وبسبب الضغوطات على المالية العمومية والعجز القياسي لموازنة تونس على سبيل المثال، طاول التقشف مخصصات الصحة، في زمن الجائحة، حيث لم تسمح الحكومة بالاستجابة لطلبات الهياكل الصحية رغم الحاجيات الملحّة لزيادة الإنفاق على تجهيز المستشفيات وانتداب كوادر طبية وشبه طبية.
تونس: ضعف الإنفاق
ولم تتجاوز نفقات الصحة بموازنة العام الجاري 2.8 مليار دينار (مليار دولار)، رغم زيادتها بنسبة 13 بالمائة مقارنة بالعام الماضي، إذ تُوجه الوزارة 78.7 % من مخصصات الصحة لصرف الأجور مكتفية برصد 415 مليونا فقط للاستثمارات.
ويؤثر ضعف الإنفاق الصحي على الخدمات في القطاع الحكومي الذي يعاني من نقص فادح في الأدوية وأجهزة الإنعاش والتنفس، فضلا عن نقص الكوادر الطبية وشبه الطبية التي وصلت إلى حالة الإنهاك نتيجة العمل المتواصل.
كذلك تواصل تونس، التي تعاني موازنتها من عجز يقارب الـ7 بالمائة، إيجاد حلول لتوريد اللقاحات عن طريق قروض طلبتها من البنك الدولي.
وبسبب تأخر اللقاحات وإمكانيات كبح الفيروس، تواصل قطاعات اقتصادية واسعة دفع كلفة باهظة للغلق والحجر الموجه الذي يقيّد عمل القطاعات الخدماتية ويؤجّل كل برامج الإنعاش الاقتصادي.
وقال رئيس لجنة الصحة بالبرلمان، عياشي الزمال، لـ"العربي الجديد" إن مجلس نواب الشعب طلب زيادة مخصصات الصحة، غير أن عجز الموازنة وحاجة البلاد لأكثر من 6 مليارات دولار من القروض الخارجية دفعا نحو التقشف في نفقات يفترض أن توجه لإنقاذ حياة التونسيين.
وأكد رئيس لجنة الصحة أن تونس تأخرت في توريد اللقاحات بسبب ضعف الإمكانيات المالية واللوجستية، وهو ما دفع إلى طلب قروض من البنك الدولي لتمويل شراء كميات من اللقاح والحد من اكتساح الفيروس وفق قوله.
وإبان الموجة الأولى من جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي، أعلنت الحكومة السابقة برئاسة إلياس الفخفاخ حينها عن فتح حساب لجمع التبرعات من المؤسسات الاقتصادية والمواطنين لدعم مجهود الصحة ومساعدة الدولة على تجهيز المستشفيات.
وانتقد المتحدث الرسمي باسم منتدى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية رمضان بن عمر، ضعف مخصصات الصحة واعتماد الحكومة لسياسة تقشفية تهدد صحة التونسيين.
واعتبر بن عمر أن التقشف في مخصصات الصحة يهدد حياة الفقراء ومن ليست لهم القدرة على النفاذ للعلاج في القطاع الخاص، مؤكدا أن الجائحة الصحية كرّست التمايز بين الطبقات الاجتماعية وفق تصريحه لـ"العربي الجديد".
المغرب: تردي الخدمات
كشفت الجائحة عن حجم النقص في الاستعدادات الذي يعرفه القطاع الصحي بالمغرب، رغم الجهود التي بذلت من أجل زيادة إيرادات وزارة الصحة، بهدف توفير التجهيزات وتوظيف موارد بشرية جديدة.
وصرحت 60.2 في المائة من الأسر التي شملها بحث المندوبية السامية للتخطيط حول مؤشر ثقة الأسر، بتردي جودة الخدمات الصحية في العام الماضي.
واستدعت مواجهة الأزمة الصحية زيادة الموازنة الخاصة بالصحة، كي تنتقل من 1.8 مليار دولار في 2020 إلى ملياري دولار في عام 2021.
ودفعت الجائحة الحكومة إلى زيادة عدد الوظائف المخصصة لقطاع الصحة العمومية إلى 5500 وظيفة في العام الحالي، مقابل 400 وظيفة في العام الذي قبله.
وكان وزير الصحة خالد أيت الطالب، اعتبر أن احتياجات الوزارة من الوظاىف تتجاوز ما هو محدث، غير أن التدريب في مجال الطب لا يتيح الاستجابة لتلك الاحتياجات.
وأفضت الجائحة إلى تحويل صندوق مكافحة الجائحة الذي أحدثته المملكة حوالي 320 مليون دولار لوزارة الصحة، حيث مكنها ذلك من توفير التجهيزات الطبية وأدوية.
وكان الوزير أكد على أنه رغم الزيادة في الميزانية الخاصة بوزارته، إلا أنها تعاني من خصاص على مستوى الموارد البشرية، في سياق متسم بضرورة الاستجابة السريعة لانتظارات المواطنين.
ويتصور طارق بوتقي، الباحث في العلوم السياسية، أن الحكومة كانت أمام معادلة صعبة وهي توفير الموارد المالية الضرورية للقطاع الصحي في وقت تراجعت الإيرادات الجبائية بسبب الانكماش الاقتصادي.
وقررت ثلاثة اتحادات عمالية تنظيم وقفة احتجاجية إنذارية يوم السابع والعشرين من يناير/ كانون الثاني أمام المؤسسات الصحية والإدارية بالأقاليم والجهات، تنديدا بالأوضاع التي يعيشها الأطباء والممرضون وموظفو قطاع الصحة.
الجزائر: كماشة التقشف
دفعت الأزمة المالية التي تعيشها الجزائر، بالحكومة لانتهاج سياسة "شد الحزام" والتوجه نحو "كماشة التقشف" في وضع المخصصات الموجهة للوزارات للسنة المالية 2021، لمواجهة شح في ظل تهاوي إيرادات البلاد من بيع النفط، باستثناء بعض القطاعات التي حافظت على ميزانيتها مرتفعة، رغم الضائقة المالية، التي قلصت ميزانية أكثر من 20 قطاع.
وشكلت ميزانية الصحة الاستثناء كما كان منتظراً في ميزانية 2021، بعدما ارتفع الاقتطاع السنوي المخصص لها بـ 5 بالمائة إلى 410 مليارات دينار، وذلك بالنظر للتحديات التي تنتظر هذا القطاع، خاصة في ظل تواصل تفشي وباء كوفيد 19.
وحسب مدير الوقاية في وزارة الصحة الجزائرية والناطق الرسمي للجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا، جمال فورار، فإن "الحكومة الجزائرية أخرجت ميزانية وزارة الصحة من أي حسابات مالية أو سياسية، بل تعاملت معها بموضوعية ومسؤولية".
وبلغة الأرقام يقول فورار إن قطاع الصحة خصص له أكثر من 3 مليارات دولار كميزانية دعم للخدمات الصحية تطبيقا لمبدأ الصحة المجانية المنصوص عليه في الدستور، وهي ميزانية خارج ميزانية وزارة الصحة.
وكانت الجزائر قد أعلنت مطلع يناير/كانون الثاني الحالي، أنها قررت اقتناء اللقاحين الروسي والصيني، تمهيدا لإطلاق عملية تلقيح شاملة ضد فيروس كورونا بدءا من الفاتح من فبراير/شباط 2021، ومن المنتظر أن تصل أول شحنة من اللقاح الروسي في الأيام القليلة القادمة.
ومنذ بداية تفشي وباء كورونا نهاية فبراير/شباط 2020 في الجزائر، ضغطت نقابات الصحة في الجزائر من أجل توفير الإمكانيات المالية اللازمة لعمال القطاع خاصة في ما يتعلق بتوفير العتاد ومواد الوقاية.
وفي السياق، يرى رئيس نقابة ممارسي الصحة العمومية، إلياس مرابط، أن "الحكومة لم تكن مخيرة في قرار رفع ميزانية الصحة، ولا يجب أن نراه إنجازا كبيرا، إذا أردنا أن نواجه الوباء بكل قوة فعلينا توفير الأموال".
وأضاف نفس المتحدث لـ "العربي الجديد"، أن "نقابات الصحة لسنوات وهي تنادي بضرورة مراجعة سلم أجور قطاع الصحة بما فيه المنح، واليوم تحت تأثير كورونا نرى الحكومة تنفق بسخاء على القطاع."