استمع إلى الملخص
- التحديات الداخلية وتأثير السياسات: تواجه الولايات المتحدة تحديات في الحفاظ على انخفاض التضخم، مع مخاوف من تأثير سياسات ترامب أو هاريس على التقدم الاقتصادي، حيث قد تؤدي مقترحات ترامب إلى تفاقم التضخم وتوترات مع بنك الاحتياط الفيدرالي.
- التأثيرات العالمية والمخاوف المستقبلية: تثير احتمالية عودة ترامب مخاوف من تأثير سياساته على النظام المالي العالمي، بينما تعتبر سياسات هاريس استمراراً للتعاون المتعدد الأطراف، مع مخاوف من زيادة الديون.
يسيطر القلق على الاقتصاديين في الولايات المتحدة والعالم على حد سواء، من السياسات الاقتصادية للمرشح الجمهوري دونالد ترامب الطامح كثيراً إلى العودة للبيت الأبيض من جديد، فبينما لدى كل من ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس خطط إنفاق كبيرة، إلا أن مقترحات ترامب تحمل خطراً أكبر بالنسبة للأميركيين أنفسهم، حيث تؤجج زيادات الأسعار وتعيد التضخم إلى مؤشرات مزعجة.
ولا يقتصر القلق من سياسات ترامب على الاقتصاديين في الداخل، وإنما يتخطى الحدود ليسيطر على الكثير من قادة الدول والأسواق، منهم حلفاء تاريخيون للولايات المتحدة، حيث تتسارع الخطا لبناء حوائط صد لموجات التعريفات الجمركية التي يعتزم الرئيس الجمهوري المحتمل إقرارها بشكل واسع، وتبني ردود انتقامية حيالها ما يدخل العالم في حرب تجارية أشد وطأة من تلك التي شهدها خلال فترته الرئاسية الأولى في الفترة من 2017 إلى 2021.
على الصعيد الداخلي، تبدو معركة الولايات المتحدة الناجحة لخفض التضخم التي استمرت عامين ونصف العام مهددة، فقد يتغير الوضع بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، وفق تقرير لـ"وول ستريت جورنال" الأميركية، أمس الاثنين، مشيرة إلى أن التضخم انخفض بفضل أسعار الفائدة المرتفعة والمساعدات الكبيرة من سلاسل التوريد التي جرى شفاؤها وتدفق العمال، لكن الخيارات السياسية التي قد يتخذها ترامب أو هاريس قد تبدل الوضع، حيث يدعم كلا المرشحين سياسات لتعزيز النمو، والتي قد تمنع التضخم من الانخفاض أكثر.
لكن خبراء الاقتصاد، وحتى المستشارين المحافظين، يخشون أكثر من الأفكار التي يدعمها ترامب، على وجه الخصوص، إذ تخاطر بإشعال جمر التضخم. وتشمل مقترحاته فرض تعريفات جمركية شاملة على السلع المستوردة، وترحيل العمال المهاجرين، والضغط على بنك الاحتياط الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة.
"إذا جمعناهم جميعاً معاً، فإن هذه الروافع تتحرك بشكل أكبر في اتجاه التضخم.. أنا قلق بشكل مشروع بشأن تفاقم التضخم في عام 2025"، وفق ما قال بريان ريدل، وهو مساعد سابق في مجلس الشيوخ الجمهوري يعمل الآن في معهد مانهاتن البحثي المحافظ.
كذلك فإن ولاية ترامب الثانية ستأتي على خلفية اقتصادية مختلفة تماماً عن ولايته الأولى، عندما كانت ضغوط الأسعار منخفضة ومستقرة لسنوات عديدة. وولايته الجديدة ستجلب عجزاً أعلى أو تضخماً أو كليهما، وفق الخبراء. وقال مارك شورت، الذي شغل منصب مدير الشؤون التشريعية في البيت الأبيض في عهد ترامب "نظراً للبيئة الاقتصادية المتغيرة والسياسات الأبعد مدى التي اقترحها ترامب، فمن المعقول أن نقلق من تضخيم تهديدات التضخم في ولاية ترامب الثانية.. قد تتسبب مقترحاته في معارك جديدة مع بنك الاحتياط الفيدرالي، الذي جرى تكليفه بالحفاظ على التضخم منخفضاً".
وارتفع التضخم بعد فترة وجيزة من تولي الرئيس الديمقراطي، جو بايدن منصبه، في 20 يناير/كانون الثاني 2021، مع إعادة فتح الولايات المتحدة بعد جائحة فيروس كورونا. وتلقى الطلب القوي من إعادة الفتح جرعات كبيرة من أسعار الفائدة المنخفضة للغاية والتحفيز المالي لبايدن، لكن كل هذا اصطدم بسلاسل التوريد المعطلة، وأسواق العمل المضطربة، ليبلغ التضخم 9.1% في عام 2022، بعد أن تسبب غزو روسيا لأوكرانيا في اضطراب أسواق الطاقة العالمية. بينما انخفض التضخم بشكل مطرد مع حل مشاكل العرض ورفع بنك الاحتياط الفيدرالي أسعار الفائدة لمنع المزيد من ارتفاع الأسعار أو الفقاعات. وانخفض مؤشر أسعار المستهلك إلى 2.4% في سبتمبر/أيلول الماضي، وهو ما يقرب من مستواه قبل كورونا.
ورغم أن هاريس وعدت بمعالجة أزمة تكلفة المعيشة، فإنها لم تقترح خفض العجز بشكل كبير. وقال ريدل: "إذا تمسّك الديمقراطيون بالسلطة، لا أعتقد أنك سترى ارتفاعاً كبيراً في التضخم، لكننا قد نجد أنه يظل لزجاً وعنيداً إلى حد ما".
على الضفة المقابلة، يريد ترامب تمديد أجزاء من قانون خفض الضرائب لعام 2017 الذي ينتهي بعد عام 2025 مع خفض معدلات ضريبة الشركات بشكل أكبر. كما اقترح إلغاء الضرائب على إكراميات العمال وأجور العمل الإضافي ومزايا الضمان الاجتماعي للمتقاعدين. وقال آدم بوسين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي: "إذا فعل الأشياء التي يقول إنه سيفعلها، فسوف يضرب الاقتصاد الأميركي بصدمة سلبية في العرض.. سترتفع الأسعار، وستنخفض قدرة الاقتصاد على توفير السلع والخدمات".
وتشير دراسة أجراها معهد بيترسون إلى أن ترحيل المهاجرين من شأنه أن يؤدي إلى خفض الناتج الاقتصادي بشكل كبير، في حين يؤدي إلى زيادة التضخم.. ومع قلة عدد العمال المتاحين، فسوف تضطر الشركات إما إلى رفع الأجور والأسعار، أو قبول هوامش ربح أقل.
وعود بوظائف أكثر للأميركيين... وخبراء يشككون
في المقابل، يقول أنصار مقترحات إدارة ترامب بشأن الهجرة إن الاقتصاد سيكون أفضل حالاً إذا كسب الأميركيون المزيد من العمل في الوظائف التي يشغلها حالياً عمال أجانب. وقال أورين كاس، مؤسس شركة أميركان كومباس، وهي مؤسسة بحثية تدعم أجندة ترامب في التجارة والهجرة: "إذا قمنا في الواقع بتقييد سوق العمل على العمال الأميركيين، فسوف يحصلون على أجور أعلى، وسيتعين بعد ذلك رفع الأسعار.. يبدو لي أن هذا يشبه الطريقة التي من المفترض أن تعمل بها الأسواق".
لكن العديد من خبراء الاقتصاد يقولون إن أسواق العمل أكثر تعقيداً، ويحذرون من تجاهل التأثيرات غير المباشرة لتقلص القوى العاملة. درس خبراء الاقتصاد في جامعة كولورادو في دنفر عمليات الترحيل التي نفذتها إدارتا جورج دبليو بوش وباراك أوباما بين عامي 2008 و2014. ووجدوا أنه مقابل كل مليون عامل غير مصرح لهم يجري طردهم من الولايات المتحدة، فقد 88 ألف عامل أميركي وظائفهم؛ وذلك لأن العمال المهاجرين في صناعات معينة مثل معالجة الأغذية والزراعة والبناء والضيافة لا يتنافسون بالضرورة مع العمال الأميركيين.
وإذا جرى طرد العمال المهاجرين الحاليين، بدلاً من توظيف المزيد من العمال المولودين في البلاد، فمن المرجح أن تقلص هذه الشركات الإنتاج. ويؤدي انخفاض المبيعات، بدوره، إلى انخفاض الوظائف ذات الأجور الأعلى التي يشغلها العمال المولودون في البلاد والتي تلبي احتياجات هذه الصناعات.
المستهلكون سيتحملون تكاليف الرسوم الجمركية
كما يتفق قادة الأعمال والاقتصاديون على أن المستهلكين في الولايات المتحدة سيتحملون تكلفة التعريفات الجمركية التي يعتزم تراب فرضها. وطرح ترامب تعريفة جمركية شاملة بنسبة 10% على السلع الواردة من مختلف دول العالم، ورسوم جمركية على الواردات الصينية بنسبة 60% أو أعلى، وكلاهما أبعد مدى من أي شيء حاوله سابقاً. لكن مستشاري ترامب يقولون إن تعريفاته لن تكون تضخمية، إما لأن التعريفات الجمركية التي فرضها في عامي 2018 و2019 لم تنتج تضخماً، أو لأنه سيستخدم ببساطة تهديد التعريفات الجمركية الأكبر للحصول على نفوذ.
وبالنسبة لبنك الاحتياط الفيدرالي، فإن معرفة التأثيرات المترتبة على الرسوم الجمركية المرتفعة ستكون معقدة وغير مريحة. أي شيء يشعل التضخم يمكن أن يدفع المسؤولين إلى إبطاء، أو حتى إيقاف خطط خفض أسعار الفائدة، بينما بدأوا في خفض الأسعار من أعلى مستوى لها منذ عقدين من الزمان في الشهر الماضي. والواقع أن ترامب، الذي ضغط مراراً وتكراراً من أجل خفض أسعار الفائدة عندما كان في منصبه، سوف يكون قادراً على تسمية رئيس جديد لبنك الاحتياط الفيدرالي في عام 2026.
كذلك يشكل عجز الميزانية المتزايد مصدراً أخيراً للقلق، إذ يخشى بعض المحللين أن تؤدي قائمة متزايدة من وعود الإنفاق وخفض الضرائب من كلا المرشحين ترامب وهاريس إلى ارتفاع العجز، لكنه سيكون أكثر حدة مع المرشح الجمهوري. وتقدر لجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة، وهي مجموعة تدافع عن خفض العجز، أن فترة هاريس المحتملة ستضيف حوالي 3.5 تريليونات دولار إلى العجز على مدى العقد المقبل، في حين سيضيف ترامب 7.5 تريليونات دولار.
بالنسبة لترامب، فإن الجمع بين العجز الأعلى وسياسات الهجرة والتعريفات الجمركية التي تغذي التضخم، يهدد بإحداث تفاعل متسلسل في سوق السندات، حيث يطلب المستثمرون عائدات أعلى مقابل مخاطر الاحتفاظ بأوراق الخزانة. وقال روبرت زوليك، رئيس البنك الدولي السابق ومسؤول التجارة ووزارة الخارجية في عهد جورج دبليو بوش: "إذا بدأ في الدخول في تلك المعارك مع بنك الاحتياط الفيدرالي، وإذا بدأت الدول في الانتقام، فعند أي نقطة تصبح الأسواق متوترة حقاً؟ قد يؤدي ذلك إلى بعض الانفجارات الاقتصادية.. بمجرد أن تبدأ في إطلاق العنان لهذه القوى، يمكن أن تتصاعد الأمور بشكل كبير وسريع جداً".
"انفجارات" في أسواق المال
وهذه الانفجارات هي ما يخشاها الكثير من القادة حول العالم. ورغم تصدر قضايا انخفاض النمو وارتفاع الديون وتصاعد الحروب جدول الأعمال الرسمي للاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، فإن المسؤولين الماليين قضوا الكثير من الوقت في بحث المخاوف إزاء التأثيرات المحتملة لعودة ترامب إلى البيت الأبيض.
وأظهرت أحدث استطلاعات للرأي أن ترامب تمكن من أن يقلص إلى حد بعيد التقدم المبكر الذي كانت تتمتع به منافسته هاريس. وأثير التقدم الذي حققه المرشح الجمهوري في جميع المحادثات تقريباً بين مسؤولي المالية ومحافظي البنوك المركزية ومنظمات المجتمع المدني الذين حضروا الاجتماعات في واشنطن على مدار أسبوع حتى الآن.
وكان من بين المخاوف إمكانية قيام ترامب بقلب النظام المالي العالمي رأساً على عقب، من خلال زيادات مهولة في الرسوم الجمركية، وإصدار ديون بتريليونات الدولارات، وتغيير مسار العمل لمكافحة تغير المناخ، لصالح المزيد من إنتاج الطاقة من الوقود الأحفوري. وقال محافظ بنك اليابان، كازو أويدا، وفق ما نقلت وكالة رويترز، أمس: "يشعر الجميع فيما يبدو بالقلق إزاء حالة الغموض الكبيرة بشأن من سيصبح الرئيس المقبل (للولايات المتحدة) والسياسات التي ستُتخذ في عهده".
وعلى النقيض، يعتبر مسؤولو المالية فوز هاريس استمراراً لعودة الرئيس الحالي بايدن إلى التعاون المتعدد الأطراف على مدى السنوات الأربع الماضية في مجالات المناخ، وضرائب الشركات، وتخفيف أعباء الديون، وإصلاحات بنوك التنمية. ومع أنه من المرجح أيضاً أن تؤدي خطط هاريس إلى زيادة الديون، فسيكون ذلك بدرجة أقل بكثير مقارنة مع خطط ترامب.