لجوء عكسي لسوريين إلى لبنان... وتحديات اقتصادية أمام العائدين

07 يناير 2025
مواطن سوري وسط بقايا منزله المدمر في حي العسالي، دمشق، 2 يناير 2025 (أمين سانسار/الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- التحديات السياسية والاقتصادية: يواجه اللاجئون السوريون في لبنان تحديات كبيرة بسبب الأوضاع السياسية والاقتصادية، حيث يشكلون ثلث سكان البلاد، وتدعو الحكومة اللبنانية لعودتهم رغم المخاوف الأمنية والاقتصادية.

- الأزمات الاقتصادية في لبنان وسوريا: يعاني لبنان من أزمة مالية خانقة، بينما يواجه الاقتصاد السوري تدميراً للبنية التحتية واعتماداً كبيراً على المساعدات، مما يعقد عودة اللاجئين الذين يفتقرون للمأوى والموارد.

- الجهود الدولية والتنسيق: تسعى المفوضية السامية لضمان عودة آمنة للاجئين، لكن تراجع الدعم الدولي يفرض تحديات على الدول المضيفة، مما يتطلب تنسيقاً دولياً لإعادة الإعمار في سوريا كحل مستدام.

 

في سياق التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية، يحظى ملف اللاجئين السوريين وعودتهم إلى بلدهم بأهمية كبيرة هذه الأيام بخاصة في الدول المضيفة، بينما رأى عدد من السياسيين اللبنانيين أن استمرار وجود اللاجئين السوريين في لبنان لم يعد مبرراً، خصوصاً بعد طلب الحكومة الانتقالية السورية من جميع السوريين في الخارج العودة إلى البلاد، وصدور عفو شامل عن المطلوبين للنظام وذلك بعد سقوط رئيس النظام بشار الأسد وتولي السلطة الجديدة مقاليد الأمور.

لبنانياً، دعا رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اللاجئين السوريين في لبنان إلى العودة لوطنهم، مطالباً المجتمع الدولي، ولا سيما أوروبا، بالمساعدة في عودتهم عبر الانخراط في جهود التعافي الاقتصادي في المناطق الآمنة في سورية، لافتاً خلال ندوة عقدت في روما أخيراً، إلى أنّ "اللاجئين السوريين يشكلون ما نسبته ثلث سكان لبنان".

يبلغ عدد سكان لبنان خمسة ملايين و800 ألف نسمة، ويستضيف نحو مليوني سوري، منهم نحو 800 ألف مسجلون لدى الأمم المتحدة، وهو الرقم الأكبر عالمياً نسبة لعدد السكان. وتشير التقارير إلى أن معظم اللاجئين السوريين دخلوا إلى لبنان بطرق غير شرعية عبر الحدود البرية.
في المقابل، شهد لبنان موجة لجوء معاكسة بعد سقوط النظام السوري، إذ دخل إلى الأراضي اللبنانية عدد من السوريين المحسوبين أو الموالين لنظام بشار الأسد، وذلك خوفاً من تعرضهم للانتقام أو الملاحقة من قبل خصوم النظام في الداخل السوري.
 

تحديات اقتصادية

في سياقٍ متصل، لا تفكر نوال، اللاجئة السورية المقيمة في لبنان منذ بداية الثورة في سورية، بالعودة إلى بلدها في الوقت الحالي، وقالت في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إن سورية تحررت من نظام الأسد الذي زرع الخوف بين الناس، لكن الوضع المعيشي لا يزال غير مستقر، وتخشى من تدهور الأوضاع الاقتصادية والأمنية مرة أخرى. وأضافت أن منزلها في مدينة حلب دمّر بالكامل ولا تملك مأوى تذهب إليه في حال عادت إلى بلدها، على الرغم من حلم العودة الذي لا يفارقها، مع العلم أنها تعيش مع عائلتها في غرفة ناطور في ضواحي مدينة بيروت.

بينما أحمد يتمنى العودة إلى سورية والاستقرار في بلده، لكن إمكانياته المادية محدودة جداً، لذلك لا يستطيع أن يخاطر بحياة عائلته والعودة في الوقت الحالي. وقال أحمد، الذي رفض ذكر اسمه كاملاً، لـ"العربي الجديد": "لا أريد أن أعود وأجد نفسي عاجزاً عن تأمين احتياجات أطفالي المعيشية".
 

ثلث سكان سورية خارج البلاد

أما أرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فتشير إلى أنه يوجد حالياً 6.2 ملايين لاجئ سوري، أي ما يقارب ثلث سكان سورية خارج بلادهم، ثلاثة أرباعهم (76%) في الدول المجاورة، 3 ملايين منهم في تركيا، ونحو 775 ألفاً في لبنان، حسب الأمم المتحدة.
من جانب آخر، أكدت مفوضية اللاجئين في لبنان على حق اللاجئين السوريين بالعودة إلى وطنهم في الوقت الذي يختارونه، مشددة على ضرورة أن تكون العودة "طوعية وآمنة"، وصرحت المفوضية في بيان مكتوب لـ"العربي الجديد"، بأن المفوضية على استعداد لدعم اللاجئين العائدين حينما تسمح الظروف بذلك، مع التشديد على أنه في أوقات عدم اليقين هذه، هناك ضرورة لمنح اللاجئين المرونة لتقييم الظروف عند عودتهم، مثل القيام بزيارات استطلاعية".
وأوضحت المفوضية أن برامج المساعدات كانت بالتعاون مع الحكومة اللبنانية، حيث إن كل المساعدات على اختلاف أنواعها تتمّ عبر التنسيق والتعاون الوثيقين بين المفوضية والحكومة اللبنانية بمختلف وزاراتها (وزارة الشؤون الاجتماعية، وزارة الداخلية والبلديات، وزارة الصحة...)، وسلطاتها المحلية في المحافظات واتحادات البلديات وغيرها.
وأضافت المفوضية أن هناك شعوراً عارماً بالفرح والارتياح والأمل بين العديد من اللاجئين، إذ يتخذ البعض منهم قرارات سريعة للعودة إلى ديارهم، أما بالنسبة للمفوضية، فكان أحد الحلول المفضلة لأي أزمة لاجئين دائماً هو قدرة الأشخاص على العودة إلى ديارهم بأمان وكرامة، والأمر الذي يسعد المفوضية أن ترى أن هذا أصبح ممكناً لبعض السوريين.
 

رجوع عشرة آلاف سوري

عاد حوالى عشرة آلاف سوري من لبنان بالفعل إلى بلادهم خلال الأسابيع الماضية، وفقاً لوزارة الشؤون الاجتماعية اللبنانية. وتلتزم المفوضية بمساعدة العائدين على إعادة بناء حياتهم داخل سورية، وفي الوقت نفسه، يظل بعض اللاجئين مترددين وحذرين، ويختارون الانتظار ومراقبة كيفية تطور الوضع.
لذلك تقف المفوضية على أهبة الاستعداد لدعم اللاجئين السوريين الذين يختارون العودة طوعاً، بعد أن يكونوا على علم كامل بالوضع في أماكنهم الأصلية أو في منطقة بديلة من اختيارهم، ومع تطور الوضع، ستواصل المفوضية مراقبة التطورات، والتفاعل مع مجتمعات اللاجئين، ودعم الدول في أي عودة طوعية منظمة.

مع مرور السنوات، بدأ الدعم الدولي يتراجع، وذلك بسبب تحولات في السياسة الدولية وظهور أزمات إنسانية أخرى في أماكن مختلفة، مثل الأزمة في أوكرانيا. هذا التراجع قد يزيد صعوبة استمرار الدول المضيفة في تقديم الدعم اللازم للاجئين. وبالتالي، فإن عودة اللاجئين بشكل كبير إلى سورية سيؤدي حتماً إلى تراجع التمويل. وتجدر الإشارة إلى أن حجم المساعدات المقدمة إلى لبنان من أجل النازحين السوريين لا يتجاوز 35% من الدعم الذي تطلبه المفوضية في السنوات الخمس الأخيرة.

مشاكل مالية للدول المضيفة

ومع التحديات الاقتصادية التي تواجه الدول المضيفة، ولا سيما لبنان، الذي يشهد أزمة مالية خانقة، حيث يعاني القطاع العام من نقص في الموارد ويواجه النظام المصرفي تحديات كبيرة، وتقلص الدعم المالي سيزيد من الضغط على هذه الحكومات ويجعلها تجد صعوبة في توفير احتياجات اللاجئيين، قدمت الأمم المتحدة ومنظمات دولية مساعدات للبنان منذ بداية الثورة السورية، لكن هذه المساعدات كانت على شكل مشاريع محدودة في مجالات مثل التعليم والصحة والمأوى. على الرغم من ذلك، لم تكن المساعدات كافية لتغطية الاحتياجات المستمرة، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة.
في المقابل، يشهد الاقتصاد السوري أزمة غير مسبوقة، ما يشكل عائقاً كبيراً أمام عودة اللاجئين، كما أن الحرب دمرت بنية تحتية واسعة قد يستغرق إصلاحها وقتاً طويلاً ويحتاج إلى تمويل كبير. فقد دمرت سنوات الصراع اقتصاد بلادهم وبنيتها التحتية، ما جعل 90% من السكان يعتمدون على أحد أشكال المساعدات الإنسانية.
 

عودة كبيرة بسبب الحرب في لبنان

تجب الإشارة إلى أنه في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عاد إلى سورية أكثر من 300 ألف مواطن، جرّاء التصعيد العسكري الذي استمر نحو شهرين بين إسرائيل وحزب الله، قبل أن ينتهي بإعلان وقف إطلاق النار في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني.
من جانبه، أكد وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية بسام مولوي أنه لا يسمح لأي سوري ملاحق بملفات قضائية بالدخول إلى لبنان، مشدداً، خلال مؤتمر صحافي عقد في العاشر من ديسمبر/ كانون الأول، على أن الدخول إلى لبنان مسموح فقط لمن يحمل إقامة شرعية أو جواز سفر أجنبي مع إقامة أجنبية، كما يسمح بالدخول ترانزيت بشرط إبراز بطاقة سفر محجوزة.
وفي الوقت نفسه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار الظروف الأمنية والإنسانية عند الدعوة إلى عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى بلادهم، وهناك مناطق آمنة ومنازل لم تتعرض للدمار، في حين غادرها البعض بسبب الخوف من الاعتقالات، لكن في المقابل توجد مناطق مدمرة ومليئة بالألغام، ما يعرّض العائدين لخطر كبير، لذلك يجب أن تكون العودة وفقاً للمنطقة التي جاء منها كل شخص، وليس عبر دعوات جماعية غير مدروسة، واعتبر المرصد أن اللاجئين السوريين لن يبقوا في لبنان إلى الأبد.

وفي سياق متصل، بدأت المديرية العامة للأمن العام اللبناني تنفيذ استراتيجية جديدة لضبط وتنظيم ملف السوريين المقيمين على الأراضي اللبنانية. وتشمل الخطة اتخاذ إجراءات صارمة بحق المخالفين لقوانين الدخول والإقامة، وجرى تكليف الدوائر والمراكز الأمنية بالتعامل مع هؤلاء المخالفين وتسهيل إجراءات تسوية أوضاعهم ومغادرتهم لبنان، مع التنبيه إلى تطبيق العقوبات القانونية على من لا يغادرون.
لذلك يبقى موضوع عودة اللاجئين السوريين قضية معقدة تتطلب تنسيقاً دولياً وشراكة فعالة بين الأطراف المعنية. ورغم الأمل الذي يراود العديد من اللاجئين في العودة إلى وطنهم، فإن المخاوف من تدهور الأوضاع الأمنية والانتقام، كما أنّ التحديات الاقتصادية في الدول المضيفة مثل لبنان، تجعل من العودة خياراً محفوفاً بالمخاطر، حسب مراقبين.

رقابة على أموال المساعدات

قال مسؤول لبناني لـ"العربي الجديد"، طالباً عدم ذكر اسمه، إنّ قضية اللاجئين السوريين معقدة للغاية، إذ يشترط المجتمع الدولي على أيّ سلطة قائمة في سورية السماح له بالدخول إلى البلاد بشكل منظم وقوي، ويعود هذا الشرط إلى أسباب عدة، أبرزها أن الأموال المخصصة، ولا سيما من الدول الأوروبية، يجب أن تكون خاضعة لرقابة صارمة لضمان إنفاقها بطريقة صحيحة، ومنع وقوعها في أيدي المنظمات الإرهابية أو جهات أخرى غير مرغوب فيها.
وأوضح أن المجتمع الدولي يسعى، من خلال دخوله إلى سورية، إلى تحقيق أهداف أعمق، منها صياغة ثقافة جديدة وبلورة مفاهيم متعلقة بالنساء، الأطفال، الديمقراطية، المواطنة، وتنظيم النسل. وأضاف أن هذا النهج كان من بين الأسباب التي دفعت المجتمع الدولي للدخول إلى لبنان، حيث تمكن من تحقيق جزء من هذه الأهداف، وهو الآن يسعى إلى نقل التجربة إلى سورية، وأشار إلى أن المجتمع الدولي يستغل دخوله إلى هذه المجتمعات لاصطياد الكفاءات وتغيير المزاج الشعبي ومفاهيمه، مؤكداً على أنّ العنصر الأساسي الذي قد يدفع النازحين السوريين للعودة إلى بلادهم هو البدء في عملية إعادة الإعمار.

المساهمون