لبنان أمام مأزق إعادة تمويل الديون وسط تزعزع ثقة المستثمرين

20 مايو 2019
الحكومة لم تحسم بعد الميزانية في ظل الاحتجاجات(فرانس برس)
+ الخط -

يعني المأزق الذي يواجهه لبنان للإتفاق على خطة إصلاح مالي ذات مصداقية وتدهور أوضاع السوق العالمية أنه قد يجد صعوبة في إعادة تمويل ديون كبيرة بالعملة الصعبة تستحق هذا العام، الأمر الذي يثير قلق المستثمرين في الخارج.

ومن المرجح تفادي التخلف الصريح عن السداد في المدى القصير عن طريق مناورة حكومية تشمل مشاركة البنك المركزي والبنوك المحلية، كبار حاملي ديون لبنان.

وذلك لن يكون سوى حل مؤقت على الأرجح حسب مراقبين. وقالت صناديق أجنبية عديدة ردا على أسئلة إنها ستكون مترددة في شراء سندات دولية لبنانية جديدة إلى أن تنتهي من تقييم الإصلاحات.

وسيجتمع مجلس الوزراء اللبناني من جديد اليوم الاثنين بعد نحو 12 جلسة حتى الآن دون اتفاق، على خلفية احتجاجات لموظفي القطاع العام والجنود المتقاعدين بسبب المخاوف من تخفيضات للأجور ومعاشات التقاعد.

كانت الحكومة وعدت في فبراير/ شباط بإصلاحات قالت إنها "صعبة ومؤلمة" للسيطرة على الإنفاق. ويقول رئيس الوزراء سعد الحريري إنها قد تكون الميزانية الأشد تقشفا في تاريخ لبنان.

وعلى المحك من ذلك يقع دعم المستثمرين لمبيعات الدين الجديدة الضرورية لتلبية استحقاقات سندات دولية تحل هذا الأسبوع ثم في نوفمبر /تشرين الثاني.

ويزداد طرق الأسواق العالمية تعقيدا جراء الاضطرابات الجديدة في الأسواق الناشئة مع تفاقم النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين وتصاعد التوترات الجيوسياسية بخصوص إيران.

يعاني لبنان، الذي ينوء تحت وطأة أحد أثقل أعباء الدين العام في العالم، جراء شلل سياسي والحرب في سورية والعراق، التي نالت من التجارة الإقليمية والاستثمار وحركة السفر.

تأثر أيضا اقتصاد لبنان الصغير والمنفتح سلبا من جراء تراجع التدفقات النقدية من لبنانيي المهجر المنتشرين في أنحاء العالم، بعد أن كانوا تقليديا عاملا مساعدا في تمويل جانب من متطلباته المالية.

تقول علياء مبيض، العضو المنتدب في شركة جيفريز المالية العالمية إن "الحكومة عاجزة حتى عن ترتيب أوضاعها للوصول إلى ميزانية شاملة وشفافة. لم تُقدم أو تَصُغ خطة إصلاح مالي ذات مصداقية للأجل المتوسط تحقق التوازن السليم بين ضرورتي النمو والانضباط المالي".


وتضيف مبيض أنه "في غياب إطار واضح للسياسة الاقتصادية والمالية في المدى المتوسط يعالج الاختلالات الخارجية الضخمة، وفي ضوء ارتفاع معدلات الفساد وخضوع صناعة القرار في الدولة للمصالح الخاصة، فإن المستثمرين لن يكونوا مقتنعين بالشراء في مخاطر لبنان، كما سيعمد المانحون إلى زيادة الفحص والتدقيق قبل تقديم مزيد من التمويل".

ورفع طول أمد عملية وضع الميزانية تكلفة التأمين على ديون لبنان في الفترة الأخيرة إلى أعلى مستوياتها منذ 22 يناير/ كانون الثاني، عندما كان البلد يكافح لتشكيل حكومة. وسيسع لبنان ارتجال حل لصداع دينه الأقرب استحقاقا، والمتمثل في سندات دولية قيمتها 650 مليون دولار يحل أجلها في 20 مايو/أيار.
وقال مصدر مطلع إن لبنان يستطيع سداد مستحقات المستثمرين في هذه السندات عن طريق معاملة صرف أجنبي مع البنك المركزي.

وسبق أن استخدمت الحكومة ذات النهج غير التقليدي من قبل لتمويل عجز الميزانية. ومن المرجح أن يخصم البنك المركزي شهادات إيداع مقومة بالدولار لكي تكتتب فيها البنوك في مقابل شرائها سندات محلية طويلة الأجل، حسبما ذكر مصرفي مطلع على الوضع.


وبالتوازي مع ذلك، سيجري البنك المركزي مبادلة مع وزارة المالية، الجهة المصدرة للدين الدولي.

كان وزير المالية قال من قبل إن الحكومة تطمح لإصدار سندات دولية في نطاق 2.5 مليار إلى ثلاثة مليارات دولار في 20 مايو/ أيار لتغطية هذا الاستحقاق واستحقاق لبناني آخر للعام 2019، عبارة عن إصدار حجمه 1.5 مليار دولار يحل أجله في نوفمبر/ تشرين الثاني.

وأبلغ مصدر مطلع وكالة "رويترز" يوم الثلاثاء أن لبنان قد ينتظر إلى أن تتحسن شهية مستثمري الأسواق الناشئة وتتفق الحكومة على الميزانية.

وتستهدف الحكومة بيع نحو 20% من الإصدار الجديد إلى المستثمرين الدوليين. وتقول الحكومة إنها ملتزمة بسداد جميع استحقاقات الديون ومدفوعات الفائدة في المواعيد المحددة.

وقال جاربيس إيراديان كبير اقتصاديي الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد التمويل الدولي إن "استحقاقات السندات الدولية هذا العام سَتُلبى عن طريق إصدار مزيد من السندات الدولية."، مضيفا أن "عليهم أولا إرسال إشارة قوية إلى السوق بالموافقة على إجراءات مالية صارمة".

وقال نسيب غبريال، كبير الاقتصاديين في بنك بيبلوس اللبناني، إن لبنان لا يواجه مخاطر على صعيد تمويلات العملة الصعبة هذا العام لأن البنك المركزي ملتزم بتغطية تلك المتطلبات.

لكن التحديات الاقتصادية للبنان تظل ضخمة، فقد اتسع عجزه المالي إلى 11.2% من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي مقارنة مع 6.1% في العام السابق وتراجعت احتياطياته الدولية إلى 39.7 مليار دولار، أي ما يكفي لتغطية واردات 13 شهرا.

وقال وزير المالية اللبناني علي حسن خليل إن مجلس الوزراء أحرز تقدما "مهما" أمس الأحد في مناقشاته لمشروع ميزانية 2019 وإن العجز سيكون 8.3% من الناتج المحلي الإجمالي أو أقل. لكن إعادة التوازن قد تكون صعبة في ظل نمو اقتصادي هزيل.

وخفض "جيه.بي مورغان" في الآونة الأخيرة توقعاته لنمو اقتصاد لبنان إلى 1.3% في 2019، محذرا من "مخاطر كبيرة" تحيط بالإصلاحات المالية.
وكتب جياس جوكينت من "جيه.بي مورغان" للأوراق المالية في مذكرة أنه "في حين أن تشكيل الحكومة دعم المعنويات، فإن التأخر في تنفيذ إصلاحات تشتد الحاجة إليها قد ينال من الثقة على خلفية مستويات عجز مالي وخارجي ضخمة ودين مرتفع".

وبحسب معهد التمويل الدولي، فإن إصلاحات مالية عميقة، تشمل تحسين مناخ الأعمال ومحاربة الفساد، قد تساعد على تسريع النمو والإفراج عن 11 مليار دولار تعهد بها المجتمع الدولي خلال مؤتمر خاص في إبريل/نيسان 2018، وتتوقف تلك الأموال على مثل تلك الإصلاحات.

وفي يناير/ كانون الثاني، قالت قطر إنها ستستثمر 500 مليون دولار في السندات الدولارية للحكومة اللبنانية.

يقول سيرجي ديرجاتشيف، مدير المحفظة لدى يونيون إنفستمنت في ألمانيا "انخفض الوزن النسبي للبنان.. هناك القليل جدا الذي يجعلنا نشعر بالثقة حيال زيادة مركزنا لأن المشاكل لم تجد طريقها إلى الحل على أرض الواقع وخطة الأجل الطويل تظل ضعيفة تماما."

وقال ديرجاتشيف إنه سيكون من الصعب على لبنان أن يصدر سندات في الوقت الراهن نظرا لعدم التيقن الذي يغلف النزاع التجاري بين الولايات المتحدة والصين.

(رويترز)
المساهمون