في مثل هذه الأيام من كل عام، تكون أسواق مدينة حلب السورية مزدحمة وتعجّ بالمواطنين من سكان حلب والمناطق المحيطة بها، الذين يقصدون الأسواق لشراء حاجيات العيد من ألبسة جديدة وفاكهة وحلويات ومعجّنات العيد.
غير أن هذا العام تحديدًا، يُعتبر الأقسى اقتصاديًا على الحلبيين وبقية أقرانهم السوريين، فالحاجيات التي كانت جزءًا أساسيًا من طقوس عيد الفطر أصبحت اليوم حلمًا لغالبية العائلات، التي قصدت السوق وخلقت ازدحامات "وهمية" دون أي حركة تجارية للبيع والشراء، وذلك بسبب الغلاء الفاحش.
تبدو أسواق الفرقان وأدونيس وسيف الدولة في مدينة حلب، للوهلة الأولى، مكتظة بالمشترين والحركة التجارية؛ الشوارع والأسواق تمتلئ بعد الإفطار بالمشترين الذين يقصدون محلات الحلويات والألبسة، ولكن بمجرّد التعمّق أكثر في حركة السوق والحديث إلى البائعين يتضح العكس تمامًا.
يقول تمّام، وهو صاحب أحد محال الألبسة في حي الفرقان في حلب لـ"العربي الجديد": "هناك الكثير من الازدحام والقليل من البيع".
ويصف تمّام حركة البيع هذه السنة بالأكثر فتورًا منذ عام 2011، قائلًا: "تخلّت غالبية العائلات الحلبية عن طقس شراء الألبسة الجديدة في العيد بسبب الفقر وارتفاع الأسعار. في السابق، كان الجميع من مختلف الأعمار يشترون ألبسة جديدة في العيد، ولكن اليوم أصبح الأمر محصورًا في قلّة قليلة".
وبلغ سعر البنطال المتوسّط نحو 40 ألف ليرة سورية، والجاكيت الربيعي أو الصيفي ما يقارب 100 ألف وكذلك الحذاء الجديد بنحو 75-100 ألف، والبيجاما الصيفية 30 ألفًا، في وقتٍ لا يزيد متوسّط راتب الموظّف عن 70 ألفًا شهريًا والعامل نحو 100 ألف شهريًا، ما يعني أن شراء قطعة ألبسة واحدة تعادل دخل عائلة كاملة في الشهر.
وينسحب الحال ذاته على حلوى العيد، التي أصبحت من الكماليات، حيث تضاعفت أسعارها عشرات المرات بسبب تضاعف أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعتها.
في هذا السياق، يبيّن أحد العاملين في مصنع حلويات في حي الجميلية لـ"العربي الجديد"، أن متوسّط سعر كيلو الحلوى زاد عن 50 ألف ليرة سورية، بسبب غلاء أسعار الفستق والطحين والسكّر والمكوّنات الأخرى، فضلًا عن الصعوبة الشديدة في تأمين الوقود لتشغيل الأفران، الأمر الذي أجبر جميع مالكي المحال على رفع الأسعار رغم علمهم المسبق بأنّها لا تتناسب مع الحالة الاقتصادية لغالبية الحلبيين، ولكنّه يكمل بينما يستمر في عمله: "ما في بالإيد حيلة".
وعلى خلاف الأعياد السابقة، لم يشترِ أبو عمر ألبسةً لأي من أبنائه الأربعة، وكذلك الحال لم يقم بتجهيز أي من حلويات ومعجنات العيد المعروفة لدى السوريين مثل كعك العيد والبرازق والمعمول السوري، بسبب عدم قدرته على تأمين تكاليفها.
وقال لـ"العربي الجديد": "استغنيت عن ألبسة الأولاد بشكلٍ كامل لأن كسوة العيد تكلّفني نحو 800 ألف ليرة سورية، وراتبي 120 ألفًا شهريًا، ما يعني أن ألبسة العيد وحدها تعادل راتبي لستة أشهر لذلك تراجعت عن الفكرة، في حين قررت تقديم بعض السكاكر والقهوة للضيوف خلال فترة العيد".