تسوق وهمي في سورية وتجار الحرب يشعلون الغلاء باليمن خلال موسم العيد

13 مايو 2021
تراجع القدرات الشرائية غير الأنماط الاستهلاكية لأغلب السوريين في الأعياد (فرانس برس)
+ الخط -

شهد الإقبال على الأسواق في مختلف مدن اليمن خلال موسم العيد تراجعاً كبيراً، في مشهد غير معتاد حتى في السنوات الأولى للحرب التي اندلعت قبل سبع سنوات، حيث كانت الحركة الشرائية تبلغ ذروتها في مثل هذه الأيام التي تُعَدّ من أهم المواسم التجارية في البلد.

وتأثرت الأسواق كثيراً بغلاء الأسعار مقابل تراجع القدرة الشرائية لمعظم المواطنين وشحّ الأموال لديهم، في ظل تفاقم الصعوبات الاقتصادية والمعيشية الناجمة عن تداعيات جائحة فيروس كورونا المستمرة منذ بداية العام الماضي.

وقفزت أسعار مختلف السلع المرتبطة بالعيد من ملابس وحلويات ومكسرات، التي جاء تسعيرها في كثير من المحال التجارية والمولات بالدولار، وخاصة في صنعاء وعدن.

ووصلت زيادة الأسعار في العديد من السلع وفق مواطنين، إلى 300% مقارنة بمستوياتها منذ بداية العام الجاري، بينما أشارت تقارير صادرة عن منظمات أممية إلى بلوغ الزيادة 200%.

هذا الأمر أصاب كثيراً من المتسوقين بالصدمة، وهو ما بدا واضحاً في حديث المواطن الأربعيني عبد الرزاق الشميري، الذي وجد، كما يقول لـ"العربي الجديد"، أن ما جرى "تحويشه" منذ أشهر، وما جُمِع من مساعدات مالية من قبل أقارب ميسورين، وصلت إلى 50 ألف ريال (70 دولاراً) لم يكفِ لتوفير ملابس العيد لأولاده الأربعة، إذ وجد في كثير من المحال التجارية أن المبلغ الذي جُمِع لا يساوي تكلفة قطعة واحدة أو قطعتين من الملابس، وهو ما يفوق بكثير قدراته الشرائية.

ولا يختلف الأمر في أسعار المواد الغذائية كالدقيق والأرز والسكر التي حالت كثيراً بينها وبين بعض العوائل التي تعتمد عليها في إعداد الحلويات وكعك العيد في المنازل، إلى جانب ما تعاني منه من أزمة حادة في توفير غاز الطهو لتجهيز مثل هذه المأكولات الخاصة بالعيد.

وتقلصت كثيراً السلع والمنتجات التي تناسب محدودي الدخل، والتي اعتادوا تعددها وتنوعها في مثل هذه المواسم التجارية خلال السنوات الماضية، كما أفاد متسوقون في صنعاء وعدن وتعز وحضرموت وعدة مدن أخرى في اتصالات مع "العربي الجديد".

وقال المواطن أحمد الشرجبي من سكان محافظة تعز إن التسوق في موسم العيد لم يعد متاحاً للفقراء ومحدودي الدخل، بينما يرى عمر ناجي من محافظة عدن، العاصمة المؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، أن كثيراً من القطاعات التجارية في الأسواق أصبحت تضع نصب أعينها اجتذاب الميسورين والأسر الثرية التي تنفق بلا حساب ولا تأبه كثيراً لمستويات الأسعار لقدراتها المالية المرتفعة.

وبينما تخرج شكاوى المواطنين مختنقة من الغلاء واستفادة من يصفونهم بتجار الحرب واستغلال أزمة كورونا من الواقع الحالي، يرجع تجار ارتفاع الأسعار إلى صعوبات الاستيراد وارتفاع تكاليف الشحن التجاري وتعدد الجبايات التي تفرضها السلطات المتعددة من جمارك وضرائب والزكاة التي تحصّلها سلطات الحوثيين في صنعاء بطرق قسرية، وفق بعض التجار.

وقال التاجر حميد مصلح لـ"العربي الجديد"، إن تعدد هذه الجبايات التي تنشط في مثل هذه الأيام التي تسبق العيد وتوسعها، ضيقا هامش الربح الذي يُوضَع على مبيعات السلع والمنتجات، وهو ما وضع الكثير من التجار، وخصوصاً تجار المواد الغذائية والملابس والمواد الكهربائية والإلكترونية أمام خيارات صعبة في تحديد أسعار مبيعات سلعهم.

ويعاني اليمنيون من تعدد الأزمات المعيشية والاقتصادية وانعدام السيولة المالية، فيما لم تعد لدى كثير من العوائل أي مدخرات أو ممتلكات، حيث لجأت خلال سنوات الحرب الماضية إلى استخدامها في تلبية مثل هذه المتطلبات الموسمية المرتبطة بالأعياد، حيث استنزفت الصعوبات المعيشية في ظل الوباء ما بقي من مدخرات لدى الكثيرين.

بالمقابل، يشهد اليمن اتساعاً مطرداً لطبقة ثرية استهلاكية يعتقد كثير من المحللين الاقتصاديين أنها ناتجة من تبعات الحرب الدائرة منذ 2015 التي أسهمت في تكوين طبقة منتفعة من طرفي الصراع.

وقال الباحث الاقتصادي صادق علي لـ"العربي الجديد"، إن "مثل هذه المناسبات، كعيد الفطر، تظهر ما أحدثته الحرب والصراع الدائر باليمنيين من فقر وجوع وبطالة وأمراض وأوبئة، تتجسد بمعاناة الكثير في توفير متطلبات العيد والابتهاج به وممارسة تقاليده في شراء الملابس والحلويات وغيرهما من المتطلبات التي دأبوا عليها في مثل هذه المناسبات، إذ إن الفرحة في مثل هذه المناسبة أصبحت محتكرة لبعض الفئات دون الغالبية ممن طحنتهم الحرب وحرمتهم توفير متطلبات فرحة العيد".

ولا يختلف الحال كثيراً في سورية، وإن كانت الأسواق قد شهدت ضجيجاً صاخباً في الأيام السابقة على العيد، إلا أنه ضجيج بلا طحن، كما يصف مواطنون، إذ ذهب الكثيرون وعادوا دون مشتريات في ظل الغلاء بالبلد الذي مزقته الحرب وزادت جائحة كورونا من معاناته.

ويعتبر هذا العام الأقسى اقتصادياً على الكثير من الأسر. فالسلع التي كانت جزءاً أساسياً من طقوس عيد الفطر أصبحت اليوم حلماً لغالبية العائلات، التي قصدت الأسواق وخلقت ازدحاماً "وهمياً"، مثلما وصف أحد أصحاب محال الألبسة في حيّ الفرقان بحلب، عرّف نفسه باسم تمام، في حديث مع "العربي الجديد"، قائلاً: "هناك الكثير من الازدحام والقليل من البيع".

وقال تمام إن حركة البيع هذه السنة الأكثر برودة منذ عام 2011، موضحاً أن "غالبية العائلات تخلت عن طقس شراء الألبسة الجديدة في العيد بسبب الفقر وارتفاع الأسعار، بينما كان في السابق الجميع من مختلف الأعمار يشترون ألبسة جديدة في العيد، فيما أصبح الأمر محصوراً اليوم بفئة قليلة".

وعلى خلاف الأعياد السابقة، لم يشترِ أبو عمر ألبسةً لأيٍّ من أبنائه الأربعة، ولم تُجهَّز أي من حلوى ومعجنات العيد المعروفة لدى السوريين، مثل الكعك والبرازق والمعمول السوري، بسبب عدم قدرته على تحمّل تكاليفها.

وقال أبو عمر لـ "العربي الجديد": "استغنيت عن ألبسة الأولاد بشكلٍ كامل لأن كسوة العيد تكلّفني نحو 800 ألف ليرة سورية، وراتبي 120 ألفاً، ما يعني أن ألبسة العيد وحدها تعادل راتبي لستة أشهر، فيما قررت تقديم بعض السكاكر والقهوة للضيوف خلال فترة العيد".

وفي ليبيا، قفزت أسعار ملابس العيد بنسبة تصل إلى 250% مقارنة بالعام الماضي، وفقاً لتقديرات غير رسمية. واشتكى العديد من المواطنين من الغلاء، بيد أن انحسار الصراع وعودة النازحين إلى مناطقهم وصرف منحة حكومية للزوجة وللأولاد دون سنة 18 عاماً لثلاثة أشهر قبل العيد، خففت من الضغوط المعيشية، بواقع 100 دينار (22.5 دولاراً) للفرد، لكن الأسعار المتزايدة حدّت من الشراء، وفق مواطنين تحدثوا إلى "العربي الجديد".

المساهمون