في موسم عيد الفطر السعيد، غيّرت العائلات الجزائرية البوصلة "الإنفاقية" نحو ثياب العيد ولوازم الحلويات، التي تكلف أصحاب الدخل المتوسط خاصة، موازنة أخرى تثقل كاهل جيوبهم المنهكة بمصاريف شهر رمضان.
وما زاد من مخاوف الجزائريين هو ارتفاع الأسعار هذه السنة مقارنة بالسنوات الماضية، من جراء تراجع الدينار الذي فقد قرابة 30% من قيمته منذ بداية السنة، ليتواصل انزلاق العملة الجزائرية الذي بدأ قبل سنوات جراء انتهاج الحكومة الجزائرية سياسة كبح الواردات، يضاف إليها تجميد الاستيراد بسبب غلق الحدود الجزائر بسبب "كورونا"، ما أثر على تدفق السلع الصينية والتركية.
في شارع "حسيبة بن بوعلي"، أكبر شوارع العاصمة الجزائرية، كان يبدأ توافد العائلات إلى محلات بيع ألبسة الأطفال بعد الإفطار، ويتواصل حتى منتصف الليل، مع بداية ساعات الحجر المنزلي، علها تظفر هذا العام بثياب العيد بسعر مقبول.
يقول المواطن عبد العزيز خبازي إن "الأسعار مرتفعة هذه السنة، فثياب الولد مثلاً لا تقل عن 10 آلاف دينار (89 دولاراً)، وكذا ثياب البنات، نحن نتحدث عن 20 ألف دينار (180 دولاراً) كسعر أدنى، في وقت لا يتعدى متوسط أجور الجزائريين 30 ألف دينار (270 دولاراً)".
ويسأل المواطن وعلامات الحسرة في وجهه "هل يكفي المبلغ المتبقي من الراتب لإكمال الشهر، وهذا دون احتساب تكاليف حلويات العيد التي لا تقل عن 5 آلاف دينار (43 دولاراً)". ويضيف المتحدث ذاته لـ"العربي الجديد"، أن "رواتبنا لم تعد تصمد أمام غلاء المعيشة وتوالي المناسبات والالتزامات الموسمية".
وتسببت المصاريف الكثيرة التي أنفقتها العائلات خلال شهر رمضان في لجوء البعض منها إلى اقتراض بعض الأموال من الأهل والأصدقاء، من أجل إكمال الأيام الأخيرة من رمضان وشراء ثياب العيد لأطفالها والمواد الخاصة بحلويات العيد، فيما فضل بعض النساء وربات البيوت اختيار حل آخر وهو رهن مصوغاتهن الذهبية في البنوك لمساعدة أزواجهن على المصاريف المتعددة التي أثقلت كاهلهم.
يأتي ذلك، في ظل معاناة أصحاب الدخل الضعيف الأمرّين هذه الأيام، بسبب استحالة توفير المال اللازم لتغطية مصاريف العيد وارتفاع أسعار ملابس الأطفال من جهة وإنفاقهم جميع مدخراتهم خلال شهر رمضان من جهة أخرى.
وهو حال الموظف جمال الذي كشف لـ "العربي الجديد" أنه باع بعض مجوهرات زوجته من أجل توفير مبلغ مالي، فمصاريف رمضان التهمت كل ميزانية البيت، ولا يمكن أن أترك أبنائي الأربعة دون ثياب وأحرمهم من فرحة العيد، المعيشة أصبحت تكوي جيوب الجزائريين".
من جانبهم، التجار يبرئون ذمتهم من غلاء الأسعار، التي يعتبرون أنها تحصيل حاصل لما تعيشه الجزائر، وعملتها "الدينار" من تدهور في القيمة، وهو ما أثر على المعروض هذه السنة من حيث السعر.
ويقول محمد دالي، تاجر ملابس أطفال ونساء في سوق "باش جراح" في الجزائر العاصمة، إن "أسعار الملابس في العام الماضي كانت معقولة، أما هذه السنة فقد التهبت بنسبة تزيد أحيانا عن 150 في المائة، وهو ما لم يضرّ العائلات فحسب، بل أضر حتى التجار".
ويوضح هذه النقطة لـ "العربي الجديد" قائلاً: "في السابق كنا ننفق مثلاً 150 ألف دينار (نحو 1100 دولار) وهو مبلغ كان يكفينا لشراء كمية معتبرة من الملابس لعرضها أمام المستهلكين، والآن ننفق أكثر من 500 ألف دينار (4100 دولار) دون أن نشعر بأننا قد اشترينا شيئاً مهماً، لتراجع الدينار، وثانيا نقص الاستيراد الذي أثر أيضا على السعر".
وكان سعر صرف الدينار قد سجل، نهاية أبريل/نيسان المنصرم، 133.3 ديناراً مقابل الدولار الواحد، في تراجع هو ثاني أكبر تراجع من نوعه، في تاريخ العملة الجزائرية أمام العملة الخضراء، بعد التراجع المسجل في 12 مارس/ آذار حين سجل 134 دينارا للدولار، أما مقابل العملة الأوروبية الموحدة فسجل الدينار 163 مقابل اليورو الواحد وهو التراجع الأكبر أمام العملة الأوروبية الموحدة في تاريخ العملة الجزائرية.
وكان سعر العملة الأوروبية، اليورو، قد سجل في البنك المركزي الجزائري، في 15 ديسمبر/كانون الأول 2020، ارتفاعاً غير مسبوق أمام الدينار، بلغ 160.41 ديناراً لليورو الواحد للشراء، كذلك ارتفع الجنيه الإسترليني أمام الدينار، وبلغ 175 ديناراً للشراء. أما الدولار، فاستقر عند 132.22 ديناراً للشراء.
وقبلها، خسرت العملة الجزائرية أكثر من 4 دنانير أمام الدولار، مطلع إبريل/ نيسان 2020 مع بداية الجائحة الصحية، إذ بلغ سعر الصرف 127.02 ديناراً للدولار الواحد، بعدما كان عند 123 ديناراً، كذلك قفز اليورو من 135 ديناراً خلال مارس/ آذار 2020 إلى 137 ديناراً في إبريل/ نيسان.