سورية الأكثر دماراً عربياً: الأسد عائق أمام الإعمار ودور سلبي لروسيا وإيران

10 مايو 2021
كلفة كبيرة لإصلاح ما دمرته الحرب (فرانس برس)
+ الخط -

منذ عام 2014، بدأ الحديث بقوّة عن إعادة إعمار سورية، ولكن منذ ذلك الحين وحتّى الآن، تضاعف الدمار الذي شهدته البنى التحتية السورية نتيجة الحملات العسكرية العشوائية التي حدثت بين عامي 2015 و2019.
وتشهد سورية منذ نهاية عام 2019 ما يشبه حالة الجمود السياسي، فالمعارك شبه متوقّفة من جهة، ولكن دون حل سياسي يفضي إلى فتح ملف إعادة الإعمار، الذي يبدو أنّه يواجه تحدّيات قد تؤجّله لسنواتٍ طويلة.
تتلخّص أبرز تحديات إعادة إعمار سورية في الجانب السياسي، حيث ما زال النظام السوري يحكم البلاد في غياب المشروعية الدولية، إذ تشترط الدول الكبرى امتثال الأسد للحل السياسي بموجب قرار مجلس الأمن رقم ٢٢٥٤ الذي ينص على إعداد دستور للبلاد وتأليف هيئة حكم انتقالي بصلاحيات واسعة تنتهي برحيل الأسد ثم إجراء انتخابات يشارك فيها السوريون تحت مظلة الأمم المتحدة.
فضلًا عن ذلك، حصلت روسيا وإيران على استثمارات مؤجّلة، من شأنها أن تضمن نفوذها في البلاد على المدى البعيد، وهو ما يعقّد آلية الاتفاق على إعادة تأهيل البنى التحتية السورية.

تكاليف هائلة
حتّى الآن، اختلفت الجهات البحثية المتعددة حول كلفة إعادة إعمار سورية، إلا أن الأمم المتحدة قدّرت في أيلول/سبتمبر 2020 إجمالي الخسائر المالية التي مُني بها الاقتصاد السوري بعد ثماني سنوات من الحرب فقط بنحو 442 مليار دولار، ما يعني أن إجمالي الخسائر أكثر من ذلك بكثير. وفي نفس الوقت، فإن عملية الإعمار سوف تكلّف أعلى من هذا الرقم.
 

 

هذا الرقم يشهد اختلافًا بين من يرفعه إلى 600 مليار دولار ومن يخفّضه إلى 300 مليار، إلّا أن الثابت في الأمر هو أن طريقة واتساع نطاق إعادة الإعمار يحدّدان التكلفة، فإذا كان هذا الإعمار عبارة عن تأهيل البنى الضرورية بأيدي المدنيين أنفسهم فإنه يتطلّب فقط الاستقرار العسكري والمواد الأولية بأسعار معقولة وهذا لن يكلف كثيرًا، حسب ما يشير إليه الباحث الاقتصادي يونس الكريم في حديث لـ "العربي الجديد".

رحيل الأسد أولاً
منذ سنوات الثورة السورية الأولى وحتّى الآن، يفرض المجتمع الدولي ولا سيما الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية عقوباتٍ اقتصادية على النظام السوري لارتكابه انتهاكات جسيمة ضد المدنيين.
تتكوّن العقوبات الأوروبية من خمسة بنود، تشمل منع شراء النفط السوري، ومنع تزويد النظام السوري بالمعدات التي من الممكن أن تستخدم في القمع، إضافةً إلى المعدات التي من الممكن أن تستخدم في إعادة الإعمار، إذ ترى هذه العقوبات أن إعادة إعمار سورية في ظل وجود النظام السوري لا تشكّل حلًا سياسيًا شاملًا.
أما العقوبات الأميركية فتتمثّل في "قانون قيصر لحماية الحياة المدنية"، والذي سنّته الولايات المتحدة الأميركية لمنع الدول والكيانات والأفراد من التعامل مع النظام السوري اقتصاديًا.
يقول المحامي السوري، عبد العزيز العلي: "أكبر عوائق إعادة الإعمار حاليًا هو وجود الأسد، لأن إعادة الإعمار لا يمكن أن تتم من دون مساهمة الدول والشركات الكبرى، وبما أن العقوبات الدولية المفروضة على النظام السوري لا تزال سارية، وفي نفس الوقت لم تتوقّف الأسباب التي أدّت إلى فرض هذه العقوبات ولم تتم محاسبة مجرمي الحرب فإن إعادة الإعمار لا تزال شبه مستحيلة في الوقت الراهن".

ويشرح العلي، أن الدول الكبرى تنظر إلى أن تسهيل إعادة الإعمار في ظل وجود النظام السوري المسؤول عن مقتل نحو نصف مليون مدني وتشريد نصف الشعب السوري يعني شرعنة هذه الانتهاكات وهذا لن يحدث، لافتًا إلى أن الأسد أقام مؤتمرًا لعودة اللاجئين وقام بعدّة محاولات لاستعادتهم من أجل وضع المجتمع الدولي تحت الأمر الواقع من مبدأ أن إعادة الإعمار أصبحت حلاً لا بديل له لاستيعاب العائدين، ولكن هذه الخطة أيضًا لم تنجح من جراء حقيقة أن اللاجئين لم يستجيبوا لدعوات الأسد.

دور سلبي لروسيا وإيران
الباحث الاقتصادي السوري، يونس الكريم، اعتبر أنّه في ظل التركيبة السياسية والأمنية الحالية لا يوجد أي تنافس عالمي على إعادة الإعمار في سورية في الوقت الحالي.
وأرجع الكريم السبب إلى أن الروس والإيرانيين سيطروا على نسبة كبيرة من الاستثمارات السيادية الرئيسية في البلاد، إضافةً إلى انعدام الأمن والصراع الشرس بين أجنحة النظام السوري على تقاسم الثروات والاستثمارات، ما جعل المستثمرين يخافون من الدخول في أي عملية "غير محسوبة" في إعادة الإعمار.
وقال: "هذا هو الواقع بالرغم من أهمية إعادة إعمار سورية بالنسبة لجميع الدول، على اعتبار أن ذلك سيمثّل بوابة لإعادة إعمار العراق، وتنشيط الحركة الاقتصادية الإقليمية".

يقسّم الكريم عملية إعادة الإعمار في سورية إلى ثلاث مراحل، تتكوّن الأولى من "الحد الأدنى" وهدفها إعادة تأهيل البنى التحتية الضرورية لتمكين الناس من الاستقرار والمعيشة، وهذا من المفترض أن تقوم به الدولة الخارجة من الحرب نفسها، بمساعدة الجهات المانحة، إذ تكون البنية التشريعية لإعادة الإعمار غير واضحة بعد، ما يجعل الاستثمار صعبًا ومكلفًا وقد يقود لخسارة الشركات كونه وقتا مبكّرا.
أما المرحلة الثانية ففيها تترسّخ القوانين الخاصة بالإعمار والاستثمار، وتبدأ عملية تأهيل واسعة النطاق بمشاركة الشركات الأجنبية التي تدخل بقوّة وتتنافس على الحصص في البلاد، في حين أن المرحلة الثالثة تتكوّن من بدء عملية التنمية وتأهيل البنى الإنتاجية والثانوية بحسب الكريم، الذي لفت إلى أن شكل هذه المراحل يعتمد أيضًا على شكل النظام الاقتصادي بعد الحرب فيما إذا كان اقتصادًا حرًّا أم يخضع لتنظيم الدولة.
وفي ما يخص الدور الإيراني والروسي قال الباحث: "ثمّة ثلاثة أسباب تجعل دور روسيا وإيران سلبيًا في إعادة إعمار سورية، أولها التنافس والاستقطاب العسكري الحاد، ثم السيطرة على المشاريع الاستراتيجية كالنفط والفوسفات والموانئ وغيرها، ما يعرقل قوة قرار الدولة ويضعفها، وأخيرًا عدم جدوى بقية المشاريع لأن المشاريع المهمة أصبحت بأيادٍ روسية - إيرانية".

المساهمون