لم تشهد المحافظات العراقية التي دمرها احتلال تنظيم "داعش" الإرهابي" صيف عام 2014، ومعارك التحرير التي انتهت منتصف العام 2017، تحركا فعليا بشأن ملف إعمارها وإعادة الحياة لها.
ولم يستطع عدد غير قليل من الأهالي النازحين العودة، بسبب ذلك الدمار أحيانا، ولأسباب أخرى لعل منها الإرادات السياسية التي توغلت في هذا الملف الإنساني، وبدأت تحقق مكاسب منه.
ويعد ملف الإعمار في العراق من الملفات الشائكة والمتداخلة، والتي تتضارب المصالح السياسية والاقتصادية والأجندات الحزبية فيها، الأمر جعل الملف يراوح مكانه، ولم يحرز أي تقدم واقعي فيه، فيما لم يبد أهالي تلك المحافظات أي تفاؤل بإعادة الحياة لمناطقهم التي أجبروا على النزوح منها.
ولا توجد أرقام واضحة ورسمية بشأن الكلف التي تحتاجها تلك المحافظات لإعادة إعمارها، فيما قدر البنك الدولي في وقت سابق كلفة إعمار المناطق المدمرة بنحو 88.2 مليار دولار، ولعل محافظة نينوى التي شهدت نسبة خراب تصل الى 80 بالمائة، هي المحافظة الأبرز في هذا الملف تليها محافظات الأنبار، وصلاح الدين، وديالى، وأطراف بغداد.
ووفقا لمسؤول حكومي، فإن "ملف الإعمار في عموم المحافظات المدمرة، دخل نفق السياسة، إذ إن هناك عراقيل كبيرة اعترضت طريقه منذ سنوات، وما زالت تعترضه، ولعل من أبرزها سيطرة الفصائل المسلحة على المناطق كبيرة والعمل على منع إعادة أهلها النازحين، من إعمارها أو التحجج بحجج أخرى منها أمنية"، موضحا لـ"العربي الجديد"، أن "تلك الفصائل تريد تحقيق أهداف سياسية وأجندات معينة، كما تريد أيضا تحقيق مكاسب مالية من ملف الإعمار".
وأشار المسؤول، الذي رفض ذكر اسمه، إلى أن "هناك عدم جدية من الكثير من الأطراف في إنهاء هذا الملف، وأن القوى البرلمانية الكبيرة، أعاقت رصد مبالغ في الموازنة المالية للعام الحالي تخص ملف الإعمار، بعدما احتسبت موازنة المحافظات وفقا للنسب السكانية، ولم يكن هناك تخصيصات خاصة للإعمار، بل تجد أحيانا أن موازنات بعض المحافظات التي لم تشهد أي خراب، أكبر من موازنات المحافظات المدمرة بعدة أضعاف".
وشدد، "إذا لم يتم إبعاد الملف عن الأجندات السياسية، فإن ملف الإعمار لن يشهد أي عمل فعلي"، مؤكدا "لا توجد جدية بهذا الملف".
النائب حسين عرب، عد الفساد من أكبر معوقات التأثير على ملف الإعمار، وقال لـ"العربي الجديد"، إن "الكلف للمناطق المحررة تتفاوت سنويا وهي غير محدودة وغير واقعية، وحتى المبالغ التي يتم الحديث عنها هنا وهناك، غير منطقية، وتهدف أحيانا لتحقيق أرباح كبيرة من الملف"، مؤكدا أن هناك متاجرة بالملف، وأن بعض الجهات والمنظمات تتربح منه، وهي جهات داخلية، اعتاشت على الفساد، كما أن بعض المنظمات الدولية متربحة أيضا، وتريد أن تستعطف بعض الدول حتى تحقق استفادة وأرباحا من الدول بحجة الإعمار".
واستبعد وجود "تأثير من بعض الدول على الملف، لكن هناك سوء إدارة له"، مشددا: "نحتاج الى إعادة الإعمار للخلاص من أزمة النزوح ومعاناتها، والتي أصبحت منفذا للفاسدين الذين يريدون الاستفادة من استمرار الأزمة".
رئيس لجنة الخدمات البرلمانية، النائب وليد السهلاني، حمل الحكومة مسؤولية هذا الملف، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، "عدم وجود سياسة حكومية واضحة في إدارته وأن المبالغ المخصصة ليست بمستوى الطموح"، موضحا أن "الموازنة المالية الاتحادية بشكل عام قد وزعت على المحافظات، وعلى ضوء النسبة السكانية فيها، وأن المحافظات المحررة شملتها ببعض المشاريع، منها المستشفيات من قبل صندوق الإعمار الذي يعد داعما لها وفيه نوع من المرونة من قبل منظمات المجتمع المدني والأمم المتحدة في دعم ومساندة إمكانيات الصندوق".
وأكد أن "هناك تنافسا من قبل شركات كبيرة للحصول على مشاريع في تلك المحافظات، وبالتأكيد أن تلك الشركات مدعومة من بعض الدول، ومنها شركة جنرال إلكتريك، وشركات ألمانية وغيرها، لكن كواقع حال لم نلحظ وجود سياسة واضحة لوزارة الكهرباء مثلا، تثبت بها طريقة التعامل مع الشركات المتنافسة، والحال ينسحب على الوزارات الأخرى".
وعدّ تنافس الشركات "طبيعيا وخطوة جيدة"، مشيرا الى "عدم وجود إعاقة لملف الإعمار من أي دولة، وهناك مؤسسات كثيرة كالأمم المتحدة والدول الصديقة من أجل الدعم، وأن الملف الأساس هو ملف الخدمات وهو أولوية بتلك المحافظات، وطالبنا بإعطائه أولوية".
النائب عن محافظة الأنبار، يحيى المحمدي، بدا غير متفائل بإعادة إعمار تلك المحافظات، وعزا ذلك إلى "قلة التخصيصات المالية"، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن "المؤسسات الدولية تساعد، لكن لا يكفي ذلك لإعادة الإعمار، لأن الحاجة الفعلية لهذا الملف كبيرة، ولا توجد إحصائية ورقم محدد لها".
وأكد أن "مناطق كثيرة مدمرة بالكامل في محافظات الأنبار، وديالى، وصلاح الدين، ونينوى، وأطراف بغداد، وغيرها، وهي تحتاج لمبالغ كبيرة جدا، وأن المخصصات الحكومية لها لا تغطي إلا نسبا قليلة من الملف"، مشيرا الى أن "منظمات المجتمع الدولي تعمل بالعراق وهناك دول عربية وأوروبية أيضا، وتم تقديم منح لكن لم تحقق إلا القليل".
ورعت الكويت عام 2018 مؤتمرا دوليا لإعادة إعمار العراق، بمشاركة أكثر من سبعين دولة، تعهدت بتقديم مبالغ مالية ضخمة يصل مجملها إلى 30 مليار دولار، فضلا عن استثمارات ومشاريع إعمار ودعم للمناطق المدمرة، إلا أن الغالبية العظمى من الدول لم تف بالتزاماتها وتعهداتها في المؤتمر، بسبب إصرار جهات سياسية بالعراق على تسليم المبالغ بشكل مباشر إلى الحكومة، ومن ثم تُحال إلى شركات استثمارية، ما يجعلها عرضة للنهب.