تتأهب شركات أجنبية وعربية لاقتناص الفرص المرتقبة في خطط إعادة إعمار ليبيا. وكشف مصدران من حكومة الوحدة الوطنية لـ"العربي الجديد" أنّ الحكومة تسعى إلى حصول جميع الأطراف الخارجية المتدخلة في ليبيا على عقود استثمارية وإعادة إعمار من أجل السلام، دون تحديد إجمالي المبالغ المطلوبة. وأكد المصدران أنّ التركيز حالياً على الكهرباء والنفط وبعض مشاريع البنية التحتية العاجلة.
وأوضح المصدران، اللذان رفضا ذكر اسميهما، أنّ هناك عقوداً مع دول بالمنطقة وأخرى صديقة للمساهمة في مشاريع التنمية، والتي تقدر في موازنة 2021 بقيمة 23 مليار دينار (الدولار = 4.48 دنانير) بالإضافة إلى إنشاء صناديق لإعادة الإعمار للمناطق المنكوبة.
الشركات الأجنبية في ليبيا
رجّح أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية، عبد الحكيم عامر غيث، أن يكون نصيب مشاريع التنمية للشركات الأجنبية، وبالنسبة للدول العربية ستُشغَل أيدٍ عاملة بالإضافة إلى بعض الاستثمارات. وصرح غيث لـ"العربي الجديد" أنّ التنافس حول مشاريع النفط والغاز، سيشمل شركة "توتال" الفرنسية التي ستدخل في صراع محتدم مع "إيني" الإيطالية من جهة، والشركات الأميركية والروسية وكذلك الصينية، من جهة أخرى.
من جانبه، قال المحلل الاقتصادي، أبو بكر الهادي لـ"العربي الجديد" إنّ كعكة الإعمار سوف تكون مكلفة جدا في ظلّ تدخل دول خارجية بالمشهد الليبي، خصوصاً أنّ هذه الدول تريد نصيبها من مشاريع التنمية.
ورأى الباحث في الاقتصاد السياسي، إبراهيم الشيباني، أنّ حكومة الوحدة الوطنية تريد إرضاء الجميع من دون وجود خطط وبرامج للتنمية مما يرهق البلاد مستقبلاً. وأوضح لـ"العربي الجديد" أنّ فرنسا لها دور أساسي في الصراع الليبي، وتسعى للحصول على نصيب من المشاريع بالتنافس مع إيطاليا الشريك التجاري الأول مع ليبيا في حقبة معمر القذافي، بالإضافة إلى الروس الذين يرغبون في توسيع نشاطهم الاقتصادي بليبيا. وأضاف: "عربياً، تحصلت مصر على 11 اتفاقاً ومذكرات تفاهم مع السلطة الجديدة، وتركيا حصلت على نصيب الأسد في مشاريع الإسكان والمرافق في عهد القذافي، وعيونها على مشاريع جديدة". وأشار إلى مساع تونسية وجزائرية للمساهمة في إعادة الإعمار.
وحول المعوقات، يقول رجل الأعمال طارق الباروني، لـ"العربي الجديد" إنّ البيئة الليبية طاردة للاستثمار في الوضع الحالي بسبب عدم الاستقرار الأمني بالبلاد، ومعظم الشركات الأجنبية التي لديها استثمارات في الكهرباء على سبيل المثال تطلب في ضمانات في ظل غياب الاستقرار السياسي بالبلاد وانتشار السلاح.
وتتقاطر الوفود الأجنبية من الاتحاد الأوروبي فرنسا وإيطاليا، بالإضافة إلى تركيا وروسيا ودول الجوار تونس ومصر والجزائر، بغرض توقيع اتفاقات التعاون الاقتصادي والحصول على نصيب من كعكة الإعمار. وبدأ هذا التنافس يظهر جلياً منذ تسلم الحكومة الليبية الجديدة مهامها رسمياً، في فبراير/ شباط الماضي. ولا تتوفر أرقام رسمية دقيقة عن قيمة مشاريع إعادة الإعمار المطلوبة لمعالجة الدمار الذي لحق بالبلاد، لكنّ مجلس التخطيط الوطني يقول في آخر تقرير له إنّ البلاد بحاجة إلى 100 مليار دولار.
منافسة عالمية في بيروت
مرت تسعة أشهر على انفجار مرفأ بيروت، الذي وقع في الرابع من أغسطس/ آب 2020، وحتى اليوم لم تبدأ أيّ مشاريع لإعادة إعمار المرفأ والمناطق المحيطة به. وتتنافس الشركات العالمية والدول في تقديم خطط إعادة الإعمار، إلا أنّ المشكلات بين الأحزاب السياسية تمنع تشكيل حكومة من جهة، وتقف عائقاً أمام أيّ اتفاق خاص بعملية الإعمار.
وقال مدير مرفأ بيروت بالوكالة باسم قيسي في تصريحات سابقة إنّ "الجميع مهتم بالمرفأ؛ الروس والصينيون والأتراك والفرنسيون والألمان. لكنّ الأمر لا يتخطى حتى الآن مجرد إعلان نوايا".
ولم يُتخذ أي قرار بشأن المرفأ حتى الآن. وتعمل إدارته حالياً، وفق قيسي، على وضع "خطة متكاملة جديدة تتضمن مشاريع عدة تتعلق بالسوق الحرة، والمستودعات والحاويات وغيرها" على أن تتقدم بها فور جهوزها إلى مجلس الوزراء.
وأعلنت شركات ألمانية عن مشروع ضخم تبلغ قيمته 30 مليار دولار لإعادة إعمار المرفأ والمناطق المتضررة في محيطه. وتطمح الخطة التي تمتد على نحو 20 عاماً، إلى إبعاد غالبية أنشطة المرفأ عن وسط المدينة، وتحويل الأجزاء الأكثر تضرراً فيه إلى منطقة سكنية تضم شققاً بأسعار مقبولة ومساحات خضراء وشواطئ.
كما وضعت شركة "سي أم أ - سي جي أم" الفرنسية العملاقة رؤيتها الخاصة أيضاً لمستقبل المرفأ، إذ اقترحت خطة من ثلاث مراحل هدفها أولاً إعادة إعمار ما تدمر في المرفأ ثم توسيعه وتطويره إلى أن يتحول إلى "مرفأ ذكي". وقدّرت الشركة كلفة المرحلتين الأولى والثانية بين 400 و600 مليون دولار.
إلا أنّ الشركات الفرنسية والألمانية اشترطت تنفيذ الإصلاحات وتحقيق الشفافية قبل المباشرة بالمشاريع، فيما يعيش لبنان على صفيح فساد مؤهل لابتلاع كلّ دولار يدخله من قبل غالبية الأحزاب التي تحكم قبضتها على السلطة.