المستثمرون يهربون من اليورو لحصاد انتعاش أميركي مرتقب

17 مارس 2021
روما باتت شبه مدينة مهجورة بعد العودة للإغلاق
+ الخط -

التقدم نحو محاصرة جائحة كورونا واستعادة النشاط الاقتصادي بات العامل الرئيسي في توجهات المستثمرين خلال العام الجاري 2021. إذ بينما كان رهان المستثمرين خلال العام الماضي وحتى يناير/كانون الثاني الماضي على أوروبا وتكالب المستثمرين على شراء أدوات الدين الرخيصة بمنطقة اليورو وشراء العملة الأوروبية من أذون وسندات خزانة، جاءت توقعات الانتعاش الأميركي القوي والسريع لتحدث انقلاباً كبيراً في التوجهات الاستثمارية العالمية.

ومنذ بداية فبراير/شباط، تواصل المصارف الاستثمارية الغربية الكبرى بتوصية زبائنها ببيع اليورو وشراء الدولار، في وقت تتزايد فيه الفجوة في النمو الاقتصادي بين جانبي الأطلسي ويرتفع فيه الفارق في العائد على السندات الحكومية بين أميركا ودول منطقة اليورو.
في هذا الشأن، دعا خبراء الصرف ببنك "أم يو أف جي" الاستثماري الياباني في لندن، في مذكرة لزبائنه يوم الاثنين، ببيع اليورو وشراء الدولار. وبرر المصرف هذه النصائح بالفجوة المتوقعة في السياسة النقدية والتقدم الذي يحدث في محاصرة كورونا وخطوات التطعيم السريع في أميركا مقارنة بأوروبا.
من جانبه، يرى مصرف "آي أن جي" الهولندي في مذكرة لزبائنه نشرت رويترز مقتطفات منها يوم الثلاثاء، تواصل الفارق في الفائدة على السندات وأدوات الدين الأخرى بين أوروبا وأميركا.
وحسب البيانات الأميركية ارتفعت فجوة العائد على السندات الحكومية أجل 10 سنوات في كل من أميركا وألمانيا إلى أعلى مستوياتها منذ فبراير/ شباط الماضي. ويذكر أن العائد على السندات الألمانية يتخذه المستثمرون كمؤشر قياس لحركة أدوات الدين في منطقة اليورو.
وفي ذات الشأن، قال مصرف "غولدمان ساكس" الاستثماري الأميركي في تقرير في بداية الأسبوع الجاري إنه لا يتوقع عودة النشاط الاقتصادي وفك تقييد حركة التنقل في أوروبا قبل حلول شهر مايو/ آيار.
ويتجه العائد على سندات الخزانة الأميركية للارتفاع بسرعة نحو نسبة 2%. وبلغ السعر أمس الثلاثاء في التعاملات الصباحية نسبة 1.62%، بينما يتراجع العائد على السندات الألمانية أجل 10 سنوات إلى 0.320 تحت الصفر، أي لايزال سالباً. وبالتالي فإن المستثمرين الكبار يسحبون أموالهم من أوروبا ليضعوها في الأسواق الأميركية، كما يواصل آخرون تسييل محافظهم الاستثمارية لحصد جولة أرباح جديدة من سوق المال الأميركية، إذ باتت مؤشرات بورصة سوق "وول ستريت" مرشحة لتحقيق ارتفاعات جديدة خلال العام الجاري. وتشير توقعات مصرفية، إلى أن الشركات الأميركية ربما تعود لتحقيق ربحية كبيرة من التشغيل في النصف الثاني من العام الجاري. خاصة وأن هنالك بيانات على أن حركة السفر في أميركا ستعود إلى طبيعتها خلال الصيف الجاري مع السرعة الحالية في عمليات التطعيم البالغة أكثر من مليون جرعة يومياً. وقد وعد جو بايدن بذلك.
في هذا الشأن، قال الاقتصادي بمصرف "يوني كريدت" الإيطالي، أريك نيلسون، "تتجه الولايات المتحدة للنمو الاقتصادي بمعدلات ما قبل الجائحة في العام المقبل، بينما لا توجد فرص واقعية للنمو الاقتصادي في أوروبا".

ويتوقع نيلسون في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز"، أن تؤدي حزمة الانعاش الاقتصادي البالغة 1.9 ترليون دولار وأجازتها الحكومة الأميركية إلى نمو في السيولة المتاحة للانفاق الاستهلاكي الأميركي بين 11 إلى 12% من حجم الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، بينما لا تتجاوز حزمة الانعاش التي أجازتها حكومات دول الاتحاد الأوروبي 750 مليار يورو،" نحو ترليون دولار" في العام الماضي، وتقدر نسبتها بنحو 6.6% من حجم الاقتصاد الأوروبي".
وفي ذات الصدد، ذكرت البروفسورة لوسيريزيا ريشيلين بجامعة "لندن بيزنس أسكول" أن الخلافات السياسية داخل دول الاتحاد الأوروبي تعيق وضع خطة انعاش ضخمة جديدة رغم حاجة الاقتصاد الأوروبي لذلك".
ومن المتوقع أن يؤكد مصرف الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" في اجتماعاته اليوم الأربعاء على قوة النمو المتوقعة في النمو الاقتصادي الأميركي. ويجد بنك الاحتياط الفيدرالي نفسه في وضع مريح مكنه من سحب بعض أدوات توفير السيولة "الريبو" من السوق.
في المقابل فإن الصعوبات تتزايد على البنك المركزي الأوروبي الذي بات يقع على عاتقه دعم الاقتصادات الأوروبية الفقيرة بالقارة، وقرر في اجتماعه يوم الخميس الماضي رفع مشتريات أدوات الدين في سندات الدول الأوروبية التي تئن تحت جائحة كورونا.
وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد، في أعقاب الاجتماع الذي ثبتت فيه الفائدة على اليورو دون تغيير لدى مستوى "ناقص 0.5%"، إنها سترفع حجم مشتريات السندات الحكومية لدى دول منطقة اليورو الضعيفة. ويبلغ برنامج معدل شراء السندات الحالي 1.85 تريليون يورو سنوياً، أي نحو 2.2 تريليون دولار. وتبلغ الديون السيادية في بعض دول الجنوب الأوروبي أكثر من 150% من إجمالي الناتج المحلي. وبالتالي فإن صعوبات منطقة اليورو ستتزايد خلال العام الجاري مع تأخر خروجها من إغلاق النشاط الاقتصادي ووتبعاً لذلك ستزيد من عجلة هروب المستثمرين من سنداتها.
على الصعيد المصرفي، تتوفر لدى المصارف التجارية الأميركية سيولة نقدية تقدر بنحو 3.2 تريليونات دولار تمكنها من تمويل دورة الانعاش الشرائية المقبلة في الولايات المتحدة، مقابل ارتفاع الافلاسات في أوروبا التي ترهق ميزانيات البنوك الأوروبية ومخاوف عدم السداد والديون المعدومة التي تمنعها من تمويل الشركات والأعمال التجارية.
ويتوقع تقرير اقتصادي نشرت صحيفة "فاينانشيال تايمز" مقتطفات منه تزايد فجوة النمو الاقتصادي بين أوروبا وأميركا. وأشار التقرير إلى أن الجائحة ستتفاعل في أوروبا لتضرب الطلب على استهلاك السلع والخدمات، وبالتالي تساهم في ارتفاع البطالة وتناقص القوة الشرائية المطلوبة للانتعاش الاقتصادي.
ومن المؤشرات الرئيسية على عودة الانتعاش للاقتصاد الأميركي الارتفاع الكبير في مبيعات المساكن في الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى منذ عام 2006 السابق لأزمة المال العالمية. ويشير تقرير نشره اتحاد الوكالات العقارية الأميركي، إلى أن أسعار المساكن ارتفعت بنسبة 10.8%خلال الربع الأخير من العام الماضي، وهو أعلى ارتفاع ربعي منذ عام 1992. كما أن الحصول على مسكن معروض للبيع بسعر يقل عن 250 ألف دولار بات عملة نادرة في السوق العقاري الأميركي.

وتعد المساكن من القطاعات الكبرى في تحريك الانتعاش الاقتصادي، لأنها لا تعني فقط شراء المنزل وإنما تعني كذلك زيادة مشتريات الأثاث والثلاجات والمستلزمات الأخرى التي ترفع من مستوى الانفاق الاستهلاكي المطلوب لإنعاش الدورة الاقتصادية.
على صعيد الإصابات بفيروس كوفيد 19، لاتزال الجائحة تستشري في أوروبا وتعيد عدة اقتصادات لإغلاق، حيث أعلنت إيطاليا يوم الإثنين العودة للإغلاق، كما تعرقل الإصابات المرتفعة عودة النشاط الاقتصادي في ألمانيا، إذ ارتفع معدل الإصابات بنسبة 20% خلال الأسبوع الماضي وفقاً لبيانات معهد "روبرت كوش" الألماني.
وتواجه الدول الأوروبية صعوبات كذلك على مستوى بعض اللقاحات، إذ انضمت ألمانيا يوم الإثنين لعدد من الدول التي قررت إيقاف التطعيم باستخدام لقاح أسترازينيكا المضاد لكوفيد-19، كما أعلنت السلطات الفرنسية تعليق استخدامه لمدة 24 ساعة. وحسب وكالة يورو نيوز، كانت حكومة المستشارة أنغيلا ميركل، تدافع قبل أيام عن اللقاح البريطاني-السويدي، ولكن وزارة الصحة الألمانية قررت تعليق استخدام هذا اللقاح. وبالتالي فإن أوروبا تواجه مرحلة من الفوضى في أسلوب احتواء الفيروس مقابل التقدم الثابت الذي يحدث في أميركا نحو محاصرة الفيروس. وهذا التآخر سيفاعل من مضاعفات الاقتصاد الأوروبي والتداعيات السلبية مقارنة بنظيره الأميركي.

المساهمون