هروب الكفاءات بعد الحرب يدفع اقتصاد الاحتلال للانهيار

12 يوليو 2024
مصنع في مدينة عسقلان بجنوب إسرائيل في 14 نوفمبر 2023 (فاضل سينا/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **تأثير الحرب على هجرة العقول والكفاءات:** رئيس الوزراء الأسبق نفتالي بنيت حذر من تأثير هجرة العقول على الاقتصاد الإسرائيلي، خاصة في قطاعات التقنيات المتقدمة والسايبر.

- **زيادة الهجرة وتأثيرها الاقتصادي:** صحيفة "ذر ماركر" ذكرت زيادة الهجرة بنسبة 150% بعد الحرب، وحذرت شيرا جرينبرغ من انهيار الاقتصاد إذا استمرت "الطبقات القوية" في تحمل عبء الحرب والضرائب.

- **وجهات الهجرة المفضلة وأسبابها:** اليونان وألمانيا تعتبران وجهات مفضلة للإسرائيليين بسبب انخفاض تكاليف المعيشة والأمان، وانتقدت ياسمين ليفي سياسات الحكومة التي تشجع الهجرة.

 

رغم إدراكه حجم تأثير ما كتبه على معنويات جمهور المستوطنين في دولة الاحتلال، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق نفتالي بنيت، لم يتردد في إبراز خطورة دور الحرب على غزة، في دفع المزيد من أصحاب الخبرات والكفاءات الذين تعتمد عليهم صناعات التقنيات المتقدمة والسايبر إلى الهجرة ومغادرة الكيان الإسرائيلي.

ففي منشور كتبه مؤخرا على صفحته ب،"فيسبوك"، قال بينت، الذي ينتمي إلى التيار الديني القومي المتطرف، إن محادثة أجراها مع مهندسة برمجيات "شهيرة وذات قدرات فائقة"، جعلته يشعر بقلق كبير إزاء تداعيات هروب العقول من الاحتلال بسبب الحرب، بعد أن أبلغته هذه المهندسة أنها قررت المغادرة إلى الخارج.

بينت تحديدا، الذي جمع ثروة تفوق الملياري دولار، بفعل تدشينه وترؤسه عددا من شركات السايبر في إسرائيل والولايات المتحدة قبل التحاقه بالعمل السياسي، يدرك خطورة تأثير هجرة العقول وأصحاب الكفاءات والمهارات.



الهروب من قطاعات عديدة

بينت أبلغ متابعيه بأنه لم يعد يشعر بالراحة، بعد أن تأكد أن قطاعات واسعة من العقول التي يعتمد عليها الاقتصاد الإسرائيلي ستغادر. وختم منشوره قائلا: "نحن في حاجة ماسة لكل أصحاب الكفاءات الذين يعملون بإخلاص وتفان من أجل شعب إسرائيل حتى نخرج من الحضيض الذي علقنا فيه".

وما جعله يسلط الأضواء على هذه الظاهرة، يرجع إلى عمق إدراكه خطورتها وتأثيرها الفادح على الاقتصاد الإسرائيلي، لا سيما وأن عوائد مداخيل الخزانة العامة من الصناعات القائمة على التقنيات المتقدمة والسايبر وأمن المعلومات، تمثل ربع الإيرادات من التصدير بشكل عام.
وانضم وزير الاتصالات السابق يوعاز هندل إلى بينت، محذرا من خطورة هجرة العقول في أعقاب الحرب، حيث نشر مقالا مطلع الأسبوع الجاري في صحيفة "يسرائيل هيوم" حث على عدم الهجرة.
وجاء فيه: "كل من يغادر فإنه يمس بقدرتنا على إصلاح شأن الدولة ويضر بالجهود الهادفة إلى ضمان بقائها وازدهارها، الهجرة من الدولة لن يسفر عنها أي شيء جيد".
وعلى الرغم من عدم توفر معطيات دقيقة حول عدد الذين هاجروا من إسرائيل بعد اندلاع الحرب، على اعتبار أن حكومة بنيامين نتنياهو غير معنية بتسليط الأضواء على هذه الظاهرة، لأنها تكشف عن أحد مظاهر فشلها في الحرب، إلا أن بعض وسائل الأعلام قدمت معطيات تشي بخطورتها.



زيادة الهجرة من بنسبة 150%

فقد ذكرت صحيفة "ذر ماركر" الاقتصادية في عددها الصادر أمس الخميس، أن زيادة بنسبة 150% طرأت على عدد الإسرائيليين الذين هاجروا بعد الحرب وأبلغوا السلطات في تل أبيب بأنهم لا ينوون العودة مقارنة بعام 2022.
لكن الصحافية لي يرون، التي أعدت التقرير، لاحظت أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين الذين يهاجرون ولا ينوون العودة إلى إسرائيل لا يحرصون في العادة على إبلاغ السلطات المختصة بعدم نيتهم في العودة.
وعلى الرغم من تحذير النخب السياسية من خطورة الهجرة العكسية، فإن كل المؤشرات تؤكد أن الحرب أججت الدافعية للهجرة. فقد ذكرت قناة "12" الإسرائيلية، الثلاثاء الماضي، أن النقاش بين الإسرائيليين على مواقع التواصل الاجتماعي حول الهجرة إلى الخارج ارتفع بنسبة 100%.

وتحاجج شيرا جرينبرغ، التي شغلت في الماضي منصب كبيرة الاقتصاديين في وزارة المالية في دولة الاحتلال بأن السبب الرئيسي الذي يدفع أصحاب الكفاءات والخبرات، الذين تسميهم "الطبقات القوية" للتفكير بالهجرة إلى الخارج يتمثل في حقيقة أنهم مطالبون بتحمّل عبء تغطية تكاليف الحرب، من خلال خدمتهم المباشرة في الميدان وعبر تعاظم وطأة الضرائب المفروضة عليهم كأصحاب شركات ومبادرين أو كموظفين في هذه الشركات، في وقت لا تتردد الحكومة في توجيه موازنات لصالح الطبقات التي لا تسهم في سوق العمل ولا تؤدي الخدمة العسكرية، وتحديدا أتباع التيار الديني الحريدي.



مخاطر انهيار اقتصاد الاحتلال

في مقابلة أجرتها معها صحيفة "كالكلست" الاقتصادية مطلع الأسبوع الجاري، حذرت جرينبرغ من مخاطر "انهيار" الاقتصاد الإسرائيلي، في حال واصلت "الطبقات القوية" تحمّل عبء الخدمة العسكرية إلى جانب عبء تمويل نفقات الحرب، مما سيعمق التوجه نحو الهجرة إلى الخارج.
وأعادت جرينبرغ إلى الأذهان حقيقة أن حكومة نتنياهو تشجع أتباع التيار الديني الحريدي، الذي يسجل أعلى معدلات نمو طبيعي، على عدم الإسهام في سوق العمل من خلال عدم إلزام مدارسهم بتعلم المواد الأٍساسية، وتحديدا الرياضيات، والعلوم، واللغة الإنجليزية، مما يمثل عائقا أمام حصولهم على مؤهلات علمية تسمح لهم بالانخراط في سوق الصناعات المتقدمة وغيرها من الصناعات التي تسهم بشكل كبير في مداخيل خزانة الكيان من العمل الصعبة.

إلى جانب ذلك، تشير الاقتصادية الإسرائيلية إلى أن الحكومة تشرع قوانين تهدف إلى إضفاء شرعية على إعفاء الشباب الحريدي من الخدمة العسكرية، وهذا ما يفاقم الإحباط لدى المنتمين إلى "الطبقات القوية".



وجهة اليونان

وتعدّ اليونان من الوجهات الرئيسية للهجرة التي يفضلها الإسرائيليون كوجهة للهجرة، بسبب تدني قيمة العقارات فيها وانخفاض الأسعار فيها إلى حد كبير.
وأشار تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" الأسبوع الماضي إلى أنه في الوقت الذي يبلغ متوسط سعر شقة سكنية في منطقة تل أبيب، حوالي أربعة ملايين شيكل (نحو 1.1 مليون دولار)، فإن متوسط سعر شقة سكنية بظروف ممتازة في العاصمة اليونانية أثينا ومحيطها 250 ألف يورو (نحو 275 ألف دولار).
ويعبّر أحد المستوطنين الذين تركوا الاحتلال بعيد انتهاء الحرب عن عمق رضاه عن العيش في اليونان بسبب انخفاض الأسعار، حيث قال: "الحياة هنا غير مكلفة"، كما أبلغ الصحيفة.
ولفتت الصحيفة إلى أن التقديرات تشير إلى هجرة آلاف الإسرائيليين، تحديدا من الذين يعملون في مجالات التقنيات المتقدمة والصناعات الدقيقة إلى اليونان بعد اندلاع الحرب، حيث إن نسبة كبيرة من المهاجرين قررت البقاء في اليونان ولا تنوي العودة إلى إسرائيل، حتى لو انتهت الحرب.
لكن ألمانيا، وتحديدا العاصمة برلين، تظل على رأس الوجهات المفضلة للشباب الإسرائيلي الذي يفكر في الهجرة، وتحديدا من أولئك من أصحاب الكفاءات والخبرات في مجال التقنيات المتقدمة، كما ذكرت صحيفة "هآرتس" في تقرير نشرته الأسبوع الماضي. وحسب الصحيفة، فإن الإسرائيليين يعدون "برلين" المدينة الأكثر أمانا في العالم بالنسبة لهم.



فساد السلطة

وترفض الكاتبة ياسمين ليفي، الدعوات التي تطلقها جهات رسمية أو أوساط ذات توجهات أيدلوجية لعدم الهجرة، حيث أشارت إلى أن الحكومة تتجه، تحديدا وقت الحرب، إلى عمل كل ما من شأنه أن يعزز الدافعية للهجرة.
وفي تحليل نشرته صحيفة هآرتس، مطلع الأسبوع الجاري، رأت ليفي أن أصحاب الكفاءات من الشباب الذين يهاجرون أو يفكرون في الهجرة، إنما يعبرون عن رفضهم لفساد السلطة الحاكمة التي تحابي التيار الديني الحريدي الذي لا يسهم في سوق العمل ولا يؤدي الخدمة العسكرية، عبر تحويل مخصصات مالية ضخمة له ولصالح المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية من دون مراعاة لتكلفة الحرب، ما أدى إلى ارتفاع مستويات غلاء المعيشة.

ترفض الكاتبة ياسمين ليفي، الدعوات التي تطلقها جهات رسمية أو أوساط ذات توجهات أيدلوجية لعدم الهجرة، حيث أشارت إلى أن الحكومة تتجه، تحديدا وقت الحرب، إلى عمل كل ما من شأنه أن يعزز الدافعية للهجرة


وقد رفض يونتان إيلان، أستاذ الإعلام في جامعة "بارإيلان"، دعوة إلى الشباب الواعد وأصحاب الطاقات والخبرات بالبقاء في دولة الاحتلال، حيث أشار إلى أن الواقع الذي تعيشه إسرائيل يدفع الكفاءات إلى المغادرة. وفي مقال نشره في موقع "زمان يسرائيل" الأحد الماضي، أكد أنه وزوجته التي تعمل مديرا عاما في شركة دولية يفكران في المغادرة إلى لندن.
لكن الحرب لم تسهم فقط في تعاظم معدلات هجرة العقول والكفاءات، بل إنها تحفز على هجرة الأموال وسحب الودائع من البنوك المحلية إيداعها في بنوك بالخارج. وقد أسهم تهاوي مستوى ثقة المستثمرين المحليين والأجانب في النخبة السياسية الحاكمة في تل أبيب، في تشجيع التوجه لسحب الأموال والودائع إلى الخارج.
وقد نقل موقع "زمان إسرائيل" عن جلعاد ألطشولر، مؤسس ومدير عام شركة الاستثمار "ألطشلور شاحام"، أنه في حال أسفرت الانتخابات القادمة عن تشكل حكومة تحمل نفس التركيبة الأيدلوجية للحكومة الحالية، فإنه لن يمكن تصور حجم الودائع والأموال التي سيتم سحبها ونقلها إلى بنوك بالخارج.

المساهمون