أزمة اليورو تضرب تونس: تزايد مخاطر التعثر

14 يوليو 2022
الأزمات المالية تتراكم في تونس (فتحي بلايد/ فرانس برس)
+ الخط -

 تتزايد مخاطر تخلّف تونس عن سداد ديونها، مع هبوط قيمة اليورو مقابل الدولار، بسبب الارتفاع المتوقع للديون الخارجية والفوائد المستحقة. وتجمع غالبية مؤسسات التصنيف الدولي على أن البلاد تتجه نحو عجز عن إيفاء التزاماتها تجاه الدائنين عام 2023.

ويفاقم ضعف اليورو أزمات اقتصاد تونس العليل، في وقت تحاول فيه السلطات التوصل إلى اتفاق تمويل مع صندوق النقد الدولي بقيمة 4 مليارات دولار يسمح للبلاد بالخروج إلى السوق الدولية لتعبئة موارد لا تقل عن 12 مليار دينار لتمويل الموازنة لما تبقى من العام الحالي.

وتراجعت قيمة اليورو، الثلاثاء، ليبلغ دولاراً واحداً، في مستوى تاريخي لم تشهده العملة الموحدة خلال عشرين عاماً، وذلك في ظل المخاطر الناجمة عن قطع إمدادات الغاز الروسي على الاقتصاد الأوروبي. وبلغت قيمة اليورو 3.212 دنانير تونسية، بينما صعد الدولار إلى مستوى قياسي ببلوغه 3.172 دنانير وسط تحذيرات من موجة غلاء جديدة ومزيد من انفلات التضخم نتيجة ارتفاع قيمة الواردات من مواد الطاقة والحبوب ومواد التجهيز الأولية.

وأكد وزير التجارة السابق والخبير الاقتصادي محسن حسن أن تونس تحت تأثير أزمة اليورو وأن ارتداداتها ستكون مباشرة على الاقتصاد المحلي، مشيرا في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن تراجع قيمة العملة الأوروبية الموحدة يرفع آلياً خدمة الدين نظرا لتركيبة الدين العمومي التونسي، حيث تمثل العملة الصعبة منه 65 في المائة.

وأفاد حسن بأن جل التقارير المالية الدولية ترجّح تأخر تونس عن سداد أقساط من القروض الخارجية، لافتاً إلى أن الحكومة والبنك المركزي التونسي مطالبان بإحكام السياسة النقدية وتقييد واردات المواد الاستهلاكية من أجل الحفاظ على استقرار سعر صرف الدينار.

وبحسب بيانات حول ميزانية تونس لعام 2022، فإن حجم الدين العمومي للدولة سيرتفع مع نهاية 2022 إلى 114 مليار دينار مقابل 107 مليارات دينار في 2021، ما يشكل زيادة تفوق 6 مليارات دينار. وارتفعت ديون تونس بعملة اليورو لتشكل 54.79 في المائة بعدما كانت في حدود 21.55 في المائة عام 2021، بينما يحافظ الدين بالدولار على النسبة نفسها تقريبا عند 17.53 في المائة.

ويفضي ارتفاع أسعار صرف العملات الأجنبية مقابل الدينار بنسبة 1 في المائة إلى زيادة حجم الدين العمومي بنحو 766 مليون دينار، أي نحو 0.55 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بحسب البيانات الرسمية. واعتبر حسن أن بلوغ عجز الميزان التجاري مستوى قياسيا بقيمة 12 مليار دينار في نهاية يونيو/ حزيران الماضي يرفع العجز الجاري والضغوطات على ميزان المدفوعات، ما يعني المزيد من تراجع سعر صرف الدينار وارتفاع التضخم وتراجع المقدرة الشرائية للمواطنين والقدرة التنافسية للمؤسسات والاقتصاد الوطني عموما. وأضاف أن أغلب واردات تونس تتم أساسا باعتماد الدولار كوسيلة للدفع، وهو ما سيزيد من عجز الميزان التجاري رغم تحسّن عائدات تصدير الفوسفات والمواد المصنعة وعائدات القطاع السياحي.

ووضعت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش" تونس ضمن قائمة الـ17 دولة المهددة بالتخلّف عن سداد ديونها، مع انطلاق السلطات في مفاوضات مصيرية مع صندوق النقد الدولي، بينما تزداد الأوضاع السياسية تأزما بسبب توسع جبهة الرفض لمشروع دستور الرئيس قيس سعيد. ونشرت فيتش تقريرا تضمّن قائمة بالدول المهددة بالإفلاس أو المعرّضة للتخلف عن سداد ديونها، من بينها تونس ولبنان وسريلانكا.

وأعلنت فيتش عن تخفيض توقعاتها بشأن الديون السيادية، من "التحسن" إلى "الحياد"، مؤكدة أن الحرب الروسية في أوكرانيا والعقوبات المترتبة عنها أججت مشاكل على مستوى التجارة والنمو الاقتصادي وتدفق رؤوس الأموال والتضخم المالي.

واعتبر الخبير المالي آرام بالحاج، في تدوينة كتبها على صفحته الرسمية على "فيسبوك"، أن ارتفاع الدولار إلى مستويات قياسية واستمرار الاضطرابات في سوق المواد الأولية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية مع تواصل الضبابية السياسية وعدم وضوح الرؤية المستقبلية ستكون لها تداعيات كبيرة على المالية العمومية ونتائج جد كارثية على الوضعية الاقتصادية في تونس.

وتتواصل في تونس الأزمة السياسية مع الاقتراب من موعد الاستفتاء على الدستور الجديد المقرر يوم 25 يوليو/ تموز الحالي، حيث تتوسع رقعة المعارضة للدستور الجديد. وخصص مشروع الدستور التونسي الجديد عدداً من الفصول للشأن الاقتصادي، إلا أن الخبراء والمتابعين لمسار الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، لفتوا إلى أن البنود والفصول الاقتصادية في المشروع لا تلحظ حدة الأزمة التي تعيشها البلاد، فيما تغيب الرؤية الاقتصادية التي يمكن أن تنتشل البلاد من ركودها وتمنع تكرار المشكلات في المستقبل.

ويواصل التضخم والغلاء زحفه على مقدرات عيش التونسيين، حيث تأخذ نسبه مسارا تصاعديا لم يتوقف منذ أشهر. وخلال شهر يونيو/ حزيران الماضي واصلت نسبة التضخم اتجاهها صعودا لتبلغ مستوى 8.1 في المائة بعد تسجيل نسبة 7.8 في المائة خلال شهر مايو/ أيار و7.5 في المائة خلال شهر إبريل/ نيسان و7.2 في المائة خلال مارس/ آذار 2022، بحسب ما أورده المعهد الوطني للإحصاء الحكومي.

المساهمون