التقنين يخنق العراق: أزمة الكهرباء تتجدد مع ارتفاع الحرارة

18 يونيو 2024
فوضى إمدادات الكهرباء في بغداد، 17 يوليو 2021 (صباح قرار/ فرانس برس)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- ارتفاع درجات الحرارة في العراق يفاقم أزمة التقنين الكهربائي، مع فشل الحكومة في تحقيق تحسن ملموس رغم محاولات الربط الكهربائي مع دول مجاورة وافتتاح محطات جديدة.
- البنية التحتية المتهالكة والعجز الذي يصل إلى أكثر من 14 ألف ميغاواط يعيقان توفير طاقة مستقرة، مع تفاقم الأزمة بسبب سوء شبكات النقل والتوزيع.
- تحذيرات من تفاقم الأزمة بسبب سوء التحضيرات، مع تزايد اعتماد المواطنين على المولدات الأهلية. خبراء يؤكدون أن الحل يكمن في إنشاء محطات توليد ضخمة وتطوير البنية التحتية.

تزايد التقنين بشكل ملحوظ في بغداد وباقي المحافظات العراقية مع ارتفاع درجات الحرارة خلال موسم الصيف. وعلى الرغم من إعلان حكومة بغداد معالجة مشكلة الكهرباء من خلال الربط الكهربائي مع الأردن ودول الخليج، إلا أن مشكلة الطاقة أصبحت عصيّة ولم تُعالج، خاصة مع ارتفاع الحرارة خلال فصل الصيف إلى 50 درجة مئوية.

وعلى الرغم من الوعود الحكومية المتكررة بتحسين الخدمات الكهربائية، إلا أن الواقع يعكس استمرار المشكلات والتحديات التي تحول دون توفير طاقة مستقرة للسكان منذ عقود، يأتي هذا بعد إعلان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني افتتاح وتشغيل 200 محطة كهربائية في عموم مناطق العراق ومدنه.

وبلغ إنتاج العراق من الكهرباء العام الماضي 24 ألف ميغاواط، بينما يبلغ حاليا 25 ألف ميغاواط، وعلى الرغم من أن الإنتاج الحالي أكبر من إنتاج العام الماضي، إلا أن التجهيز أسوأ بكثير، ويعزو مختصون سبب ذلك إلى الزيادة السنوية في معدل حجم الاستهلاك السنوي. خطط الحكومة المتحدث باسم وزارة الكهرباء، أحمد موسى، قال إن وزارته تدرك حجم المشكلة التي تواجه قطاع الكهرباء اليوم في مختلف المناطق العراقية، وهناك حلول لجأت إليها الوزارة بشكل عاجل، إلا أن هذه الحلول لا تعالج المشكلة بشكل كامل.

وأوضح موسى، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة العراقية رسمت خريطة طريق لمعالجة نقص إنتاج الطاقة ومشكلات النقل والتوزيع والتحول إلى الإنتاج والتوزيع الأرضي، الذي يعتبر إحدى الوسائل الآمنة لنقل الطاقة، في ظل الارتفاع الكبير في درجات الحرارة. وأضاف أن البنية التحتية وشبكات النقل والتوزيع في العراق قديمة، وتسبب ذلك في عودة أزمة الكهرباء وزيادة في ساعات التقنين، وأن وزارة الكهرباء تعمل على إدامة ساعات التجهيز بأفضل صورة ممكنة.

وأشار موسى إلى أن وزارة الكهرباء لا تعد بمعالجة الأزمة بشكل جذري، لأن ذلك يحتاج إلى وقت طويل، خاصة أن العجز يصل إلى أكثر من 14 ألف ميغاواط، فضلاً عن الحاجة إلى محطات تحويل وشبكات توزيع جديدة، في ظل الطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية.

وأكد أن المشكلة الرئيسية المسببة لتدهور قطاع الكهرباء في العراق هي سوء شبكات النقل والتوزيع، لأن جزءاً كبيراً منها قديم ولا يتحمّل درجات حرارة عالية، وجزء آخر يعاني من زخم وأحمال زائدة تفوق قدرته، بالإضافة إلى التجاوزات الحاصلة على شبكات النقل والتوزيع.

تفاقم أزمة التقنين

في السياق، حذّرت لجنة الكهرباء والطاقة في البرلمان العراقي من تفاقم أزمة الكهرباء خلال الشهرين المقبلين؛ بسبب سوء التحضيرات لكوادر وزارة الكهرباء، خلافاً للوعود التي أطلقتها الوزارة للموسم الصيفي الحالي، مبينة أن اللجنة حدّدت الأسباب الحقيقية التي تقف خلف انخفاض معدل ساعات التجهيز في مختلف المناطق العراقية.

وقالت عضو اللجنة، سهيلة السلطاني، في حديث صحافي، إن التحضيرات التي وعدت بها وزارة الكهرباء لموسم الصيف الحالي لم تكن دقيقة، إذ تكررت ذات المشكلات التي كانت في العام السابق والأعوام التي سبقته. وبيّنت أن اللجنة حددت الأسباب الحقيقية وراء الفشل في تحقيق ساعات التجهيز من خلال عمليات الإنتاج والنقل والتوزيع، وبالخصوص قضية عدم توفير المغذيات الكافية التي تتحمّل الضغط الكبير على الطاقة الكهربائية.

وحذرت السلطاني من تفاقم الأزمة خلال الشهرين المقبلين، حيث تشهد المنطقة ارتفاعاً عالياً في درجات الحرارة سنويا، مؤكدةً أن لجنة الكهرباء والطاقة تواكب مراقبتها ومتابعتها مع كوادر الوزارة رغم تمتعها بالعطلة التشريعية لتذليل الصعوبات ومواجهة درجات الحرارة العالية التي تواجهها محافظات العراق خلال الشهرين المقبلين.

ساعات التجهيز

يقول المواطن محمد فارس، من بغداد، إن ساعات تجهيز الطاقة الكهربائية الوطنية لا تتعدى ساعتين متواصلة، وإن هناك ازدواجية في التعامل مع تجهيز الكهرباء بين منطقة وأخرى، إذ تشهد المناطق التي يسكنها المسؤولون ومكاتب الأحزاب استمراراً في التغذية بالكهرباء، بينما المناطق الشعبية الأخرى تعاني سوء التجهيز.

ويلفت فارس، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن واقع الكهرباء في العراق بات مرضاً مزمناً يتفاقم مع حلول فصل الصيف، وأن المواطنين يعتمدون على المولدات الكهربائية الأهلية التي لا غنى عنها، وأصبحت بديلاً موثوقاً به بدلاً من الوعود الحكومية التي اعتاد عليها العراقيون في ملف الكهرباء. وينفي وجود أي تحسن في المنظومة الكهربائية، إنما الواقع أصبح يتجه للأسوأ، ولغاية الآن لا توجد معالجة فعلية لهذه المشكلة، على الرغم من الأموال الطائلة التي صُرفت على المشاريع والمحطات، على حد تعبيره.

بدوره، يؤكد الخبير في مجال الطاقة كوفند شيرواني أن أزمة الكهرباء في العراق متواصلة ولا يمكن أن تتحسن ما دامت مفاصلها الأساسية المتمثلة بتوليد الطاقة الكهربائية والنقل والتوزيع تعاني من الإهمال وعدم التطوير وإعادة الصيانة منذ سنوات.

ويضيف، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن واقع الأزمة يشير الى وجود عجز كبير في الطاقة الكهربائية المجهزة. ويفيد شيرواني بأن أغلب مشاريع الكهرباء في السنوات السابقة ركّزت على الصيانة وتأهيل المنظومات القديمة من الدور البسيط الى الدور المركب للحصول على قدرات إضافية بحدود 15 في المائة، إلا أن هذه المشاريع استنزفت جزءاً كبيراً من الموارد التي كان يمكن أن يتم استثمارها في بناء محطات توليد للطاقة الكهربائية بقدرات كبيرة.

وعن إجراءات الربط الكهربائي مع الخليج العربي والأردن، يشير شيرواني إلى أن الربط مع مجلس التعاون الخليجي جيد نسبياً، لأنه يعالج جزءاً من العجز الموجود في محافظات جنوب العراق، إلا أنه يواجه عقبات إدارية وروتينية حالت دون إكماله. ويضيف أن الربط مع الأردن يبدأ بـ 500 ميغاواط، وربما يصل الى 1000 ميغاواط، وهذه الكمية قليلة ولا تتناسب مع حجم الحاجة ومستوى العجز، إلا أنها يمكن أن تغطي مناطق محاذية للحدود الأردنية في محافظة الأنبار.

ويختم تصريحه بأنه لا يمكن حل الأزمة ما لم يتم إنشاء محطات توليد ضخمة تعمل بالغاز الطبيعي، بدل استهلاك الموارد في عمليات الصيانة والتأهيل للمنظومات القديمة، واستخدام الغاز الطبيعي وفق جدوى اقتصادية وبيئية تتناسب مع الوضع العراقي، ويمكن استثماره بشكل مباشر بدلاً من استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من دول الجوار بقيمة تتجاوز خمسة مليارات دولار سنوياً.

المساهمون