قفزت أسعار العقارات في دول عربية مأزومة مالياً وتشهد أسواق الصرف فيها اضطرابات متواصلة دفعت بقيمة عملاتها الوطنية إلى التهاوي، ورصد مراسلو "العربي الجديد" ارتفاعا كبيرا في أسعار العقارات الفاخرة في 4 دول عربية وهي اليمن ومصر ولبنان والأردن رغم تأزم الأوضاع الاقتصادية والمالية والمعيشية بها، وزيادة معدلات الفقر ومعاناة المواطنين الحياتية وتآكل قوته الشرائية.
في مصر شهدت العقارات الفاخرة إنفاقاً كبيراً رغم الأزمات الاقتصادية والمالية التي تمر بها البلاد. كما شهد سوق العقار ارتفاعاً هائلاً في أسعار الوحدات السكنية والإدارية، مدفوعة بتراجع قيمة الجنيه، مقابل العملات الرئيسية، وارتفاع التضخم لأعلى مستوياته منذ عام 2017، وزيادة تكلفة مواد البناء وخامات التشغيل ونقص الأخشاب ومستلزمات التشغيل الواردة من الخارج.
صاحب تلك القفزة اتجاه مطورين عقاريين إماراتيين يعملون في السوق المصرية إلى بيع الوحدات الفاخرة في المدن الجديدة والساحلية، بالدولار أو ما يقابله بالجنيه المصري، عند حلول موعد سداد قيمة العقار والأقساط الدورية.
أسعار مرتفعة في مصر
طرحت وزارة الإسكان بيع أراضي المشروعات السكنية، في المدن الساحلية أمام المستثمرين الأفراد والشركات بسعر 200 دولار، للمتر المربع، بمدينة المنصورة الجديدة شمالي دلتا النيل، على ساحل البحر المتوسط، ووعدت بطرح 3 مناطق جديدة في القاهرة والمحافظات، أمام المصريين في الخارج، الشهر المقبل، لبيع أراض سكنية للعائلات بالدولار.
وصرح المدير التنفيذي لغرفة التطوير العقاري أسامة سعد الدين لـ "العربي الجديد" أن الزيادة في أسعار العقار شملت كافة المستويات، بخاصة الفاخرة وفوق المتوسطة، بسبب الارتفاع المستمر في مواد البناء ومدخلات الإنتاج التي تأتي عبر 72 صناعة مغذية للقطاع، تواجه هي الأخرى موجات تضخمية، يصفها بأن كثيراً منها غير مبرر.
وقال سعد الدين إن تغير أسعار السلع والتوريدات يوميا، جعل المطورين غير قادرين على تحديد سعر المتر المربع، في ضوء التعديلات التي تطرأ على قيمة السلع وسعر الدولار. وأكد مدير غرفة التطوير العقاري أن العقارات الفاخرة في مصر، ما زالت تمثل أقل من نصف قيمتها في الأسواق الموازية بخاصة دبي.
ويأتي الإنفاق الهائل على العقارات الفاخرة في وقت تعاني فيه مصر من ارتفاع كبير في معدلات الفقر في ظل موجات الغلاء المتواصل وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين.
ثراء فاحش في الأردن
اتسم سوق العقار في الأردن بالعديد من المتغيرات خلال السنوات العشر الماضية بحكم العديد من العوامل التي أثرت فيه وأعطته بعداً استثمارياً واقتصادياً متسارعاً أدى إلى اتساع دائرة المباني ذات الطراز المعماري الفاخر وتضاعف أسعار العقارات بشكل عام.
وبالنظر إلى الواقع العمراني الذي شهدته العاصمة عمّان والمدن الرئيسية بشكل خاص يتضح وفقاً لما قاله مختصون حجم الإنفاق الكبير على بناء المساكن الفاخرة وملاحقها المختلفة وبمبالغ خيالية نتج عنها حدوث طفرات مبالغ فيها بأسعار الأراضي والشقق السكنية والمنازل.
ولم يعد المواطن متدني الدخل وحتى من الطبقة الوسطى يستطيع التملك في مواقع معينة مثل أحياء عبدون ودير غبار وبدر والصويفية ودابوق وخلدا وغيرها. وباتت أحياء بأكملها مقصورة على الأغنياء وأصحاب الملايين.
وقال مستثمرون في قطاع العقار إن أسعار الأراضي والمساكن شهدت ارتفاعات خيالية في الأردن نتيجة اضطرابات المنطقة العربية وما نتج عنها من استقبال البلاد لعدد كبير من العرب الذين اختاروها للعيش فيها، بخاصة من الجنسية العراقية، ما رفع الطلب على العقارات عموماً، وشهدت أسعارها قفزات غير طبيعية، إذ تضاعف سعر المتر المربع الواحد عشرات المرات.
وحسب مستثمرين "هناك قصور وفلل ومزارع ضخمة تعود للأثرياء، سواء من الأردن أو جنسيات مختلفة كالعراقية والخليجية في عدة مناطق مثل العاصمة عمان والعقبة والسلط وشمال الأردن وخصوصاً في مدينة عجلون وغيرها وتكلفتها باهظة جداً".
وقال الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ"العربي الجديد" إن من العوامل التي أدت إلى حدوث طفرات في سوق العقار هو المضاربات والربيع العربي.
وأضاف أن ملاك الأراضي استفادوا من ارتفاع الأسعار حيث باعوها بأضعاف سعرها الحقيقي ونشأت أحياء جديدة بمظاهر فاخرة مثل مناطق بدر والأحياء الواقعة على طريق المطار جنوب العاصمة عمّان والأراضي في المناطق السياحية.
وبيّن أنه لم يعد مستغرباً أن تسمع عن بناء فيلا أو قصر يكلف 20 مليون دولار وأكثر، فيما بعضها كلف أضعاف هذا المبلغ وسط تساؤلات عن مصدر تلك الأموال وفيما إذا كان بعضها قد ينطوي على تعاملات غير مشروعة.
وقال إن الملاحظ أنّ عدداً من أصحاب العقارات الفاخرة قد يتعرض لمشكلات مالية ويضطر لبيع منزله الذي كلفة مبالغ ضخمة بأقل من نصف القيمة الحقيقة في ظل وجود حالة من الركود الاقتصادية تعمقت بسبب جائحة كورونا وتداعياتها كحال الاقتصاد العالمي.
وقال مصدر لـ"العربي الجديد" إن عمليات بيع وشراء العقارات بخاصة ذات القيمة المرتفعة تخضع لرقابة الجهات المختصة ومنها وحدة مكافحة غسل الأموال التابعة للبنك المركزي، إذ إن مدير دائرة الأراضي عضو في اللجنة العليا لمحاربة غسل الأموال.
وأشار إلى أن الشخص المستفيد من عمليات الشراء والبيع العقاري مطالب بالإفصاح عن مصدر الأموال.
وبينت وحدة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب أنها تلقت إخطارات من الجهات الملزمة بالتبليغ من مكاتب عقارية بالاشتباه بتعاملات 6 أشخاص وتبليغين من دائرة الأراضي.
وصدر عن دائرة الأراضي 8 طلبات ضمن التعاون الدولي بشأن شراء 3 قطع أراض، حسب التقرير السنوي للوحدة عن عام 2017.
حائزو الدولار والمغتربون في لبنان
بات قطاع العقارات في لبنان ولا سيما الفاخر محصوراً بالمغتربين وحملة الدولارات النقدية ومن يتقاضون العملة الصعبة.
وتراجعت أسعار العقارات بشكل كبير منذ بداية الازمة الاقتصادية في لبنان ولا سيما في مناطق خارج العاصمة بيروت، الأمر الذي جذب المغتربين اللبنانيين بالدرجة الأولى الذين يملكون الدولارات النقدية.
ويقول جان وهو مغترب لبناني، يعمل في أفريقيا، لـ"العربي الجديد" إنه اشترى العام الماضي شقة في مبنى سكني في منطقة جل الديب – قضاء المتن (محافظة جبل لبنان) بـ70 ألف دولار "فريش"، كانت مسعّرة قبل عام 2019، أي قبيل الأزمة الاقتصادية، بـ180 ألف دولار.
في السياق، يقول نقيب الوسطاء والاستشاريين العقاريين في لبنان، وليد موسى، لـ"العربي الجديد"، إن العقار كان ملجأ لإخراج المودعين أموالهم من المصارف، خصوصاً في وقت جرى التهويل عليهم بسياسة الـ"هيركات" (قضم الودائع)، الأمر الذي جعلهم يخشون على أموالهم ويتجهون صوب شراء العقارات، ما أدى إلى تسجيل ازدهار في النشاط العقاري لمدة سنتين تقريباً قبل أن يخف النشاط بعدما أصبحت أسعار العقارات بالدولار.
يضيف: "عملية الشراء باتت محصورة بحملة الدولارات، وهم طبعاً المغتربون ومن يتقاضون رواتبهم بالدولار النقدي، ومن المتوقع أن يتأثر كذلك السوق بفعل الضرائب الجديدة التي فرضتها موازنة عام 2022".
ويشير موسى إلى عدم وجود بناء جديد أو عقارات فاخرة تنشأ في لبنان حالياً، بل على العكس هناك هجمة للمستثمرين إلى الخارج، ولا سيما في دبي وقبرص وغيرهما من البلدان.
أموال مشبوهة في اليمن
استحوذت الأموال المشبوهة على جزء كبير من قطاع العقارات الفاخرة مع انقسام المؤسسات النقدية وتفكك منظومة العمل الخاصة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وفي الوقت الذي توجه فيه الاتهامات للمسؤولين الحكوميين بالتكسب غير المشروع من الصراع الدائر وشراء العقارات خارج اليمن، يأتي الحوثيون والمجلس الانتقالي الجنوبي على رأس الجهات المتهمة بتأسيس الأسواق السوداء في العقارات والأراضي والوقود وغيرها إذ تكونت فئات استفادت من الحرب في تكوين ثروات طائلة يشاهد جزء كبير منها في حركة العقارات وشراء الفلل السكنية والأراضي المنتشرة بازدهار لافت دون توقف في أغلب المناطق اليمنية.
الخبير المالي والاقتصادي أحمد شماخ، يكشف في تصريح لـ"العربي الجديد"، عن تصدر سوق العقارات قائمة القطاعات الجاذبة للأموال التي تدور خارج الإطار الاقتصادي والبنكي والمصرفي الرسمي في اليمن بنسبة يقدرها بحوالي 70%، في حين يرجح ارتفاع نسبة الأموال "القذرة" المتداولة في اليمن والتي تتراوح ما بين 55 و65%، وهي أموال دخلت البلاد من خارج الحدود أو تكونت بفعل الحرب والصراع القائم.
ويؤكد شماخ أن إجمالي الأموال المتداولة خارج الدورة المصرفية والبنوك في اليمن تصل إلى ما نسبته 90%، كثير منها يتم توظيفها في سوق العقارات في بيع وشراء الأراضي والمباني العقارية.
وتشهد صنعاء ومدن يمنية انتشارا واسعا للعقارات والمباني الجديدة، وهدما متواصلا للمباني القديمة وأعمالا إنشائية وبناء في كل شارع ومنطقة، في الوقت الذي بات فيه 19 مليون يمني بحسب تقارير أممية لا يجدون ما يقتاتون عليه مع انتشار الفقر والبطالة وتفشي بؤر الجوع مع انهيار الامن الغذائي.