ترتسم خريطة عقارية جديدة في اليمن، وسط توسع الأثرياء الجدد المحسوبين على طرفي الصراع في ضخ أموال كبيرة في القطاع، لتشهد صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين ازدهاراً في البناء، يقابله نشاط كبير في عدن التي تتخذ منها الحكومة عاصمة مؤقتة، بينما تشهد مناطق أخرى مثل حضرموت حضوراً واسعا للمغتربين، الذين يبحثون عن ملاذات آمنة لاستثمار أموالهم.
وتستمر دائرة الأثرياء الجدد بالتوسع في الدولة التي تركز فيها الصراع خلال العامين الماضيين في الجانب الاقتصادي والموارد العامة، وسط تمدد الأعمال المشبوهة والأموال القذرة. ويعتبر خبراء اقتصاد سوق العقارات من أكثر القطاعات جذباً لغاسلي الأموال والسيولة الدائرة خارج الإطار المصرفي الرسمي.
يقول الخبير الاقتصادي أحمد شماخ في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن سوق العقارات يتصدر قائمة القطاعات الجاذبة للأموال التي تدور خارج الإطار الاقتصادي والمصرفي الرسمي بنسبة يقدرها بحوالي 70%، مشيراً إلى أن نسبة كبيرة من هذه الأموال التي يصفها بـ"القذرة" إما دخلت البلاد من خارج الحدود أو تكونت بفعل الحرب والصراع القائم.
ويؤكد شماخ أنّ "معظم هذه الأموال يجرى توظيفها في سوق العقارات عبر بيع وشراء الأراضي والمباني العقارية، لاسيما في ظل تعدد الحكومات وعدم قدرة الدولة على السيطرة على آلية السوق وتلاشي الاقتصاد الرسمي وصعود الاقتصاد الخفي غير الأخلاقي الذي لا يخضع لقانون العرض والطلب".
وتشهد صنعاء ومدن يمنية انتشارا واسعا للعقارات والمباني الجديدة، وهدما متواصلا للمباني القديمة وأعمالا إنشائية وبناء في كل شارع ومنطقة، في الوقت الذي بات فيه 19 مليون يمني بحسب تقارير أممية لا يجدون ما يقتاتون به مع انتشار الفقر والبطالة وتفشي بؤر الجوع وسط انهيار الأمن الغذائي.
ويرى مختصون في اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، أن هناك أهمية لاستشعار خطورة هذه الجرائم على الاقتصاد الوطني وتدريب وتأهيل الكوادر العاملة في مختلف الجهات والقطاعات بما يمكنها من التعرف على وسائل وطرق غسل الأموال وتطوير اساليب مواجهة هذه الجرائم التي تستمر بالتمدد والانتشار في استغلال واضح لمآلات الصراع في الفترة الأخيرة.
ويأتي ازدهار العقارات التي تسيطر عليها فئة قليلة في الوقت الذي تظهر بيانات صادرة عن الجهاز المركزي الحكومي للإحصاء اطلعت عليها "العربي الجديد"، أن نحو 68% من اليمنيين لا يمتلكون مساكن خاصة بهم.
وفي مقابل ازدهار سوق العقارات في صنعاء، يلاحظ استمرار تمدد ظاهرة بسط النفوذ على الأراضي والبناء العشوائي في عدن بوتيرة عالية، توحي بأنها منظمة ويقف خلفها عسكريون ومتنفذون، وفق خبراء في القطاع العقاري.
والوضع نفسه قائم في تعز التي بادرت سلطتها المحلية مطلع يناير/ كانون الثاني الماضي، للمطالبة بإزالة كافة الاستحداثات العشوائية والمباني والعقارات غير المرخصة والأعمال الإنشائية المخالفة وضبط المعتدين على أراضي الدولة وإحالتهم إلى النيابة.
ويقدر الخبير الهندسي والمقاول، نجيب العديني، في حديث لـ"العربي الجديد" تكلفة بناء عقار مكون من 4 طوابق على مساحة تقدر بحوالى 100 متر، بنحو 550 ألف دولار، وهو ما يعادل 300 مليون ريال يمني بسعر الصرف المتداول في صنعاء و600 مليون ريال في عدن ومناطق إدارة الحكومة اليمنية.
وأدى الصراع المتواصل إلى تعميق الاختلالات المالية والمؤسسية وتوسع أعمال الكسب غير المشروع وتراجع قيمة الريال اليمني إلى مستويات قياسية.
وبينما تشهد عقارات صنعاء وعدن نفوذاً واسعاً للأثرياء الجدد المحسوبين في الغالب على طرفي الصراع والمستفيدين منه، تشهد مدن مثل إب (وسط اليمن) وحضرموت (جنوب) ازدهاراً أيضاً في الاستثمارات العقارية، لكن عبر أموال المغتربين الذين يبحثون عن ملاذات آمنة لمدخراتهم.
وفي ظل هذا التوسع غير المخطط للعقارات تتسع رقعة العشوائيات في الدولة التي مزقها الصراع. ويقول مؤيد هاشم وهو مالك مكتب عقاري، لـ "العربي الجديد" إنّ تأخر إنزال المخططات في أطراف صنعاء وعدن وإب وغيرها من المدن اليمنية أسهم في تكوين بؤر عشوائية تحولت إلى مشكلة كبيرة تحتوي على كتل هائلة من السكان.
وأشار هاشم إلى الارتباك الذي يسود سوق العقارات خصوصاً في مدن شمالي اليمن بسبب قرارات الحوثيين بفرض الجبايات وربط هذا السوق بما يسمى بالأمناء الشرعيين.
وتصل نسبة السكان الحضريين في اليمن، ممن يعيشون في أحياء فقيرة أو مستوطنات غير رسمية أو مساكن غير ملائمة إلى نحو 64%، وفق تقرير صادر، عام 2021، عن قطاع الدراسات والتوقعات الاقتصادية الحكومي.