بدأت سوق العقارات الفاخرة تنتعش في المغرب، لكنّها لم ترجع بعد إلى المستوى الذي سجل قبل الجائحة، في وقت يعتبر مراقبون أن ثمة هوامش واعدة لتعافي تلك السوق التي تراهن على الإفلات من الركود الذي طاول قطاع العقارات.
وفي التقرير الشهري حول مؤشر أسعار الأصول العقارية الصادر من قبل بنك المغرب والوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، ارتفعت أسعار الفيلات بنسبة 0.3 في المائة في الربع الثالث من عام 2022، غير أنها شهدت زيادة على مستوى عدد عمليات البيع بنسبة 92.7 في المائة، مقابل 61.7 في المائة للشقق.
ويشير وكيل عقارات في الدار البيضاء إلى أن الزيادة التي يمكن أن تسجل على مستوى المبيعات، لا يجب أن تخفي أنها جاءت بعد سنتين سجلتا تراجعا حادا لسوق العقارات في المغرب.
عقارات المغرب الفاخرة
وعمدت الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين في المغرب، التي تضم المستثمرين في القطاع، في العام الماضي إلى تنظيم الدروة الثانية من معرض العقارات الفاخرة الذي توقف على مدى عامين بسبب الأزمة الصحية.
فقد قدم حوالى 30 منعشا عقاريا في يونيو/ حزيران الماضي بالدار البيضاء العروض التي يقترحونها بعدما جرى تخفيف التدابير الاحترازية التي فرضها كوفيد.
ولم تسلم سوق العقارات الفاخرة من تداعيات الأزمة الصحية التي عرفها المغرب في العامين الماضيين. فقد دفعت تلك الأزمة بعض الأسر في مراكز مدينة الدار البيضاء التي تحتضن شققا فاخرة إلى البحث عن بدائل في مراكز سكنية صاعدة في الضواحي مثل دار بوعزة وبوسكورة التي شهدت انتعاش الطلب.
وكانت سوق العقارات الفاخرة قد انتعشت في السنوات الماضية، بعدما تأثرت بتداعيات الأزمة العالمية 2009، وهو الانتعاش الذي سهلته عودة المشترين الأجانب والمغاربة، في سياق اتسم بتنافس الشركات في تقديم عروض أرادتها مستجيبة لجميع الانتظارات.
ويعتبر رئيس قطب الدينامية الجهوية بالفيدرالية المغربية للمنعشين العقاريين عادل بوحاجة، في تصريح لـ "العربي الجديد" أن سوق العقارات الفاخرة لم يعد للمستوى الذي كان عليه قبل الجائحة، غير أنه يؤكد أن الطلب بدأ ينتعش.
ويشير إلى أن الطلب على العقارات الفاخرة يختلف، حسب المدن، إذ تختلف تلك التي تقدمها مدينة داخلية مثل مراكش، عن تلك التي تقترحها مدن ساحلية مثل طنجة أو أغادير.
ويؤكد أن الأسعار تتراوح بين 1200 دولار و3000 دولار للمتر المربع الواحد، إذ يتحدد السعر، حسب نوعية الخدمات التي تقدمها بعض الشركات التي تعرض ذلك الصنف من العقارات. ولا يحصل المستثمرون في العقارات الفاخرة بالمغرب على تحفيزات كبيرة عبر الجباية أو تحفيزات أخرى مغرية، إذ يلاحظ بوحاجة أنّ بعض البلدان قد تقترح منح الجنسية لمن يستثمرون في العقارات الفاخرة.
ويساهم المغتربون المغاربة كذلك في الطلب على العقارات الفاخرة. فقد كان استطلاع خلص إلى 13 في المائة منهم يهتمون بشراء عقارات تتراوح قيمتها بين 120 ألف و200 ألف دولار، بينما يستثمر 21 في المائة منهم أقل من 30 ألف دولار في المساكن الاقتصادية.
ويعتبر الاقتصادي المغربي، إدريس الفينا، في تصريح لـ"العربي الجديد" أن العقارات الفاخرة تعتبر استثمارا أكثر أمانا بالنسبة للشركات والأفراد، فالأموال توظَّف فيها من أجل جني مرودية مجزية بعد ذلك.
ويري الفينا المتخصص في قطاع العقارات، أن هذا الوضع يتجلى أكثر في المغرب، حيث ترتفع المردودية التي توفرها الاستثمارات في العقارات الفاخرة، فتتراوح بين 5 و10 في المائة من إجمالي العقارات. ويشدد على أن الاستثمار في العقارات الفاخرة يأتي من المغاربة، غير أنها تشكل مجال جذب للأجانب، ويؤكد على أن حوالي ثلث الاستثمارات الأجنبية المباشرة توجه للعقارات.
ويؤكد المستثمرون في العقارات أن سعر الأراضي مرتفع في المدن الساحلية، كما أن بعض أسعار مواد البناء تضاعفت، ما دفع الفيدرالية الوطنية للمنعشين العقاريين إلى الاحتكام لمجلس المنافسة لمعرفة ما إذا كان هناك اتفاق بين الموردين، بما ينافي قانون حرية الأسعار والمنافسة.
شبهات في تونس
لم تسمح طبيعة سوق العقارات التونسية بتطور سوق العقارات الفاخرة التي ظلت منحصرة في حدود 10 في المائة من مجموع العرض الإجمالي رغم تغيير أغلب المطورين العقاريين وجهتهم نحو هذه الصنف من الاستثمارات.
وعلى امتداد عقود من الزمن مثلت المساكن الشعبية والاجتماعية العمود الفقري لسوق العقارات التونسية، حيث كان تركيز أغلب مشاريع المطورين بالقطاعين الخاص والعام موجها نحو الطبقات المتوسطة الدخل التي توفر لها الدولة امتيازات بهدف تحقيق حق السكن.
لم تعرف تونس إلى حدود 2010 تطورا كبيرا لسوق العقارات الفاخرة على غرار بلدان عربية أخرى في ظل تواصل القيود على تمليك الأجانب وأصحاب القدرة الإنفاقية العالية من السياح والمستثمرين قبل أن تبرز نوعية جديدة من الأحياء والبناءات الفاخرة في العاصمة تونس والمدن الساحلية تحوم حولها شبهات غسل الأموال.
ويقول الخبير العقاري نور الدين شيحة إن ضعف الطلب على العقارات الفاخرة لم يسمح لهذه السوق بالتطور في تونس، حيث تظل المبيعات منحصرة في البناءات المخصصة للسكن العائلي رغم تسجيل تحسن كبير في نوعية هذه البناءات التي باتت أكثر رفاهية.
ويؤكد شيحة في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "سوق العقارات التونسية موجهة أساسا لأصحاب الدخل المتوسط وجزء من التونسيين في الخارج إلى جانب طبقة التجار وأصحاب الأعمال الحرة الذين برزوا في السنوات العشر الماضية".
ويضيف الخبير العقاري أن المشاريع التي تبنى في تونس لا تستجيب في أغلب الأحيان إلى معايير المباني الفاخرة التي توجد في دول أخرى على غرار دول الخليج وتركيا وغيرها لعدم توفر زبائن من أصحاب المحفظة المالية الكبيرة.
ويقدر شيحة حجم سوق العقارات الفاخرة في تونس بنسبة لا تتعدى الـ10 في المائة من المبيعات، مؤكدا أن ضعف الطلب يحول دون تطور هذه السوق رغم تخلّي أغلب المطورين العقاريين عن الاستثمار في مشاريع المساكن الاقتصادية والاجتماعية.
ويؤكد المتحدث في سياق متصل أن أغلب مشتري العقارات حاليا هم من التونسيين في الخارج أو أصحاب الأعمال الحرة وهي فئة جديدة برزت خلال السنوات الأخيرة قادرة على تمويل شراء العقارات دون قروض مصرفية.
ورغم إقرار المهنيين بدخول قطاع التطوير العقاري في أزمة هيكلية خلال العقد الأخير فإنّ الفترة ذاتها سجّلت أحياء جديدة فائقة الفخامة والمنازل الشاطئية والمنازل الفاخرة إلى جانب مركبات تجارية تحوم حولها شبهات تبييض الأموال.
وعام 2018 كشف تقرير للجنة التحاليل المالية التابعة للبنك المركزي التونسي أن شركات التجارة الدولية غير المقيمة والقطاع العقاري وقطاع الذهب من الأدوات والقطاعات ذات المخاطر العليا لاستعمالها في جرائم غسل الأموال.
وقال التقرير قطاع العقارات يعتبر أحد أهم الملاذات التقليدية لغسل الأموال، فهو من الخيارات المتميزة لدمج وإخفاء مبالغ مهمة متحصّل عليها بطرق غير شرعية.
ويؤكد الخبير الاقتصادي خالد النوري، أن حجم التمويلات المصرفية لشراء العقارات في تونس لا يتجاوز 300 مليون دينار، موضحا أن ضعف هذا المبلغ لا يسمح بتطوير هذا النشاط الاقتصادي وإنجاز استثمارات توجه نحو ذوي الملاءة المالية العالية.
وأفاد النوري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن تمليك الأجانب من جنسيات غير مغاربية يخضع لتعقيدات إدارية كبيرة وهو ما يحرم قطاع التطوير العقاري من شريحة حرفاء قادرة على الإنفاق في شراء العقارات الفخمة.
ويعدّ الليبيون من بين أكثر الجنسيات الأجنبية إقبالا على شراء العقارات في تونس حيث قدر تقرير لجنة التحاليل المالية عدد أملاك الليبيين في تونس بحوالي 200 ألف مسكن في 2015 أي ما يقارب 6 في المائة من عدد المساكن الجملي" في البلاد.
ويسمح القانون التونسي للأجانب باقتناء العقارات شرط ألا تكون ذات صبغة فلاحية أو صناعية أو سياحية ويجيز القانون التونسي بيع عقارات سكنية للأجانب شرط الحصول على ترخيص مسبق من الوالي.
وخصّت تونس مواطني 3 دول مغاربية هي دول ليبيا، والجزائر، والمغرب بامتيازات قانونية إذ أجازت لهم شراء عقارات سكنيّة دون الحصول على رخصة الوالي، وذلك بموجب اتفاقيات ثنائية تم توقيعها في ستينيات القرن الماضي.