أسواق العيد في ليبيا بنكهة الأزمات: لا ملابس جديدة
لا تزال الأزمة الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على السوق الليبي، فلم تنته بعد أزمة غلاء أسعار السلع الغذائية وتزايدها خلال شهر رمضان، ليتداخل معها موسم حاجيات وملابس العيد.
وما فاقم من الأوضاع الاقتصادية هو حرب إغلاقات حقول النفط وتجدد الانقسامات واشتعال الصراع على الإيرادات المالية بين فرقاء السلطة، الأمر الذي انعكس سلباً على حياة المواطنين.
ودفعت هذه الأزمات وتدهور القدرة الشرائية الكثير من الليبيين إلى الاستغناء عن شراء ملابس ومستلزمات العيد هذا الموسم.
وفي هذا السياق، يقول سالم العربي، مواطن من طرابلس: "بِتُّ حقاً أفكر في مصارحة أبنائي باحتمال تأجيل شراء ملابس وألعاب العيد، ولا أعتقد أنني أملك الشجاعة الكافية لذلك، وما زلت أنتظر، لعل الفرج قريب".
يتابع سالم قائلاً لــ"العربي الجديد": "الحال اختلف هذا العام، فعيدنا بنكهة الأزمة الاقتصادية".
ويضيف المواطن الليبي: "كنا ننشغل عادة بأمر احتياجات العيد كل عام، ونتدبر أمورنا رغم صعوبة الأوضاع، أما هذا العام فقد سحب النصف الأول من رمضان جلّ ما نملك بسبب الارتفاع الكبير لأسعار الغذاء، وما تبقى يكاد يطعم العائلة إلى حين استلام المرتب".
لا يختلف حال سالم عن كثيرين، فـ"لو دخلت عقول أرباب الأسر، لوجدت أغلبها منشغلاً بتدبير أموال لشراء لوازم العيد، والشكوى هي ذاتها ارتفاع الأسعار، وقلة الحيلة"، كما يقول سالم.
أما محمد جاب الله، أحد تجار الملابس، فيقول: "نحن أيضاً ما بيدنا حيلة في ارتفاع الأسعار، فالأزمة عالمية"، مضيفا في حديث لــ"العربي الجديد": "الملابس لا تُصنَّع محلياً، وإن كانت فهي نادرة جداً، واستيراد الملابس بات مكلفاً بسبب ارتفاع أسعارها من المصدر، وزيادة مصاريف الشحن، هذا بالإضافة لشرائها بالعملة الصعبة، ولا يخفى على أحد حال الدينار الليبي أمام العملات الأجنبية".
وشهد الدينار الليبي انخفاضا كبيرا خلال السنوات الأخيرة بسبب السياسة التي انتهجتها حكومة الوفاق الوطني سابقاً مع البنك المركزي، حيث تم تغيير السعر الرسمي من 1.4 مقابل الدولار إلى 4.7 دنانير بحسب آخر بيانات المصرف المركزي.
ويختلف السعر الرسمي عن أسعار السوق الموازية التي يقررها تجار العملة والذهب، وقد كانت الأسعار في حدود 4.9 دنانير للدولار الواحد، ولكنها ارتفعت فجأة على وقع أخبار بدء إغلاق حقول نفطية والتلويح بالإغلاق الشامل، ليتخطى السعر حاجز 5 دنانير خلال الفترة الأخيرة، ما يرفع أسعار السلع وخاصة أن معظمها مستورد، ويضيّق أكثر على المواطنين، حسب مراقبين.
وتعتبر ليبيا دولة ذات اقتصاد ريعي بامتياز، يعتمد بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز دون إنتاج آخر يُذكر، وقد عانت البلاد خلال السنين العشر الأخيرة من إقفال متكرر للنفط كلّف الدولة حتى عام 2017 خسائر بقيمة 160 مليار دولار، بحسب تصريحات سابقة لمحافظ البنك المركزي.
وكان البنك المركزي قد استقبل قبل 4 أيام 6 مليارات دولار مُحوّلة من حساب مؤسسة النفط في المصرف الخارجي كإيرادات نفطية للإنفاق العام، الأمر الذي دفع لتلويح مناصرين لحكومة جديدة كلّفها البرلمان وتريد استلام السلطة (حكومة هشام باشاغا) بإيقاف إنتاج وتصدير النفط في مناطق سيطرتها.
ويرى أستاذ الاقتصاد بالجامعات الليبية، عبد السلام زيدان، أن هذا الأمر سيكون بالغ الأثر في قدرة حكومة الوحدة الوطنية على الوفاء بالتزاماتها، خاصة التأثير المباشر على الناس ولا سيما مع اقتراب عيد الفطر.
ويعتقد زيدان أن الحكومة "بالغت كثيراً في الإنفاق، هذا بالإضافة لشبهات فساد كثيرة حامت حولها". ووفق قوله لـ"العربي الجديد": "قد تقودها سياسة تجفيف المنابع التي يتّبعها خصومها إلى ما لا تحمد عقباه، والثمن الأكبر يدفعه البسطاء عادةً وبكل أسف".
ومن أبرز الالتزامات الحكومية التي يشير إليها زيدان علاوة الزوجة والأبناء، حيث تصرف الدولة الليبية شهرياً للزوجة غير العاملة 150 دينارا، وللأولاد دون الثامنة عشرة، والبنات العازبات 100 دينار.
وكانت الحكومة قد أصدرت تعليمات لوزارتي المالية والشؤون الاجتماعية بصرف الشهور التسعة الأولى من العام الحالي لإعانة الأسر على الأزمة، وتم صرف الأشهر الثلاثة الأولى بداية رمضان، ولا يزال محدودو الدخل ينتظرون وعوداً بصرف 3 أشهر أخرى قبيل العيد.
ويعاني الليبيون من موجات تضخم متصاعدة، إذ أفادت مجلة "غلوبال فايننس" العالمية المتخصصة في مجال الاقتصاد والبنوك، بأن ليبيا في المركز الـ11 عالميًا من حيث أعلى معدلات التضخم في العالم، إذ وصلت النسبة إلى 21.1% في عام 2021 مقارنة بـ2.8% فقط في العام قبل الماضي، و0.2% في عام 2019.