صوت جديد: مع نواف رضوان

19 ابريل 2024
نواف رضوان (تصوير: أحمد سلامة)
+ الخط -
اظهر الملخص
- الشاعر والكاتب الفلسطيني يعبر عن قلقه تجاه الوضع في فلسطين ويصف كيف أثرت الأحداث على إنسانية الناس، محولة إياهم إلى تماثيل بلا مشاعر.
- يرى نفسه جزءًا من جيل أدبي يسعى لتحدي القواعد السائدة، مستخدمًا السخرية كدفاع ضد الواقع المؤلم، ويتحدث عن شعوره بالانفصال عن الأجيال السابقة.
- يشارك تجربته الأدبية من بداياته وحتى الآن، مؤكدًا على أهمية الكتابة بلغته الأم ويكشف عن عمله على إصدارات جديدة تعكس تجربته الشخصية.

تقف هذه الزاوية من خلال أسئلة سريعة مع صوت جديد في الكتابة العربية، في محاولة لتبيّن ملامح وانشغالات الجيل العربي الجديد من الكتّاب. "سلبَنا اعتيادُنا مشهدَ الإبادة إنسانيّتَنا وحوّلنا إلى تماثيل"، يقول الشاعر والكاتب الفلسطيني.



■ ما الهاجس الذي يشغلك هذه الأيام في ظل ما يجري من عدوانِ إبادةٍ على غزّة؟

- أكثر ما أفكّر فيه هو الصمتُ الذي نعيشه في أراضي فلسطين المُحتلّة عام 1948 بعد أكثر من ستّة أشهر على الإبادة الجماعيّة المستمرّة في غزّة. لقد سلبَنا اعتيادُنا المشهدَ إنسانيّتَنا. ها نحن ننام على مجزرة ونستيقظ على أُخرى، والمجزرة الجديدة تُنسينا المجزرة التي سبقتها، بينما نجلس في أماكننا مثل تماثيل رخاميّة ضجرة، مشاعرنا متبلّدة، وأحجار عيوننا تتنقّل أمام كلّ هذه الدماء الواضحة في الشاشات عالية الدقّة. ما يشغلُني بالفعل هو أن يُصبح الموت جنباً إلى جنب مع فنجان القهوة الصباحيّة وجلسة الأصدقاء أو حتّى دخول الحمّام، أن يتحوّل كلّ هذا الخراب إلى تفصيل آخر صغير ضمن يوميّاتنا، وأن نتحوّل إلى مُتفرّجين، وحتّى هذه اللحظة نحن متفرّجون بالفعل، مجرّد حطام لهذا العدوان المُستمرّ، وإذا كان أكثر من 34 ألف شهيد و100 ألف جريح ومليوني نازح لم يوقظونا حتّى الآن من غفلتنا، فلا أعرف ما الذي يُمكنه أن يفعل ذلك.


■ كيف تفهم الكتابة الجديدة؟

- الجديد توأم القديم، وما بينهما خلاف دمويّ على إرث الأب الضالّ. ربّما لا أميل إلى الخوض في مفهوم الكتابة الجديدة فيما يتعلّق براهنيّتها زمنيّاً، بقدر ما أُفضّل النظر إليها كمحاولة مُستمرّة تسعى إلى خلخلة وتحطيم كلّ ما هو سائد ومُهيمن، هذا جوهرها الذي أُؤمن به، وهو أن يكون لديها الوعي والقُدرة على دفع حدود الأدب إلى أقصى المُتخيّل والمُمكِن، وتحويله إلى لُعبة خطرة دائمة وخلق مناطق تعبير مجهولة، وإحداث تغيير جذريّ في التجربة المعيشة وأساليب التعبير عنها.


■ هل تشعر نفسك جزءاً من جيل أدبي له ملامحه وما هي هذه الملامح؟

- كلّ جيل ضحيّة هواجسه وأزماته ومساعيه للإفلات والهرب منها، وإذا كان بإمكاني الحديث عن هذا الجيل الذي أنتمي إليه فهو بلا شكّ جيلُ التِّيه والضياع وحُفَر اليأس المُظلمة، لا على المستوى الأدبيّ فحسب، وإنّما على المستوى المعيشيّ. نحن جيلُ الثورات العربيّة المُكدّسة في الأقفاص والزنازين والمقابر الجماعيّة، جيل الذكاء الاصطناعيّ والغباء الاصطناعيّ والخوارزميّات التي تطحن فينا ليل نهار، والأدب بطبيعة الحال، ليس إلّا امتداداً لما نحن عليه، أو ما نحاول أن نكونه.

ربّما أنتمي إلى جيل أدبيّ اتّخذ من السخرية متراساً أخيراً كآليّة دفاعيّة لكي لا نُصاب بالجنون والعته، وسط كلّ هذه الجدّية والعجز والخذلان المُحيطَين بنا من كلّ جانب.

أنتمي إلى جيل أدبيّ اتّخذ من السخرية متراساً أخيراً

■ كيف هي علاقتك مع الأجيال السابقة؟

- أشعرُ أنّ ارتباطي بالأجيال السابقة يُشبه إلى حدّ ما لعبة شدّ الحبل بين التمرّد على التقاليد والتشبُّث بها! علاقة مُتوتّرة تشوبُها الكراهية والحبّ والاحترام والحقد الدفين، إنّهم أشباح الماضي التي تُطاردني دائماً، وأنا أقف على أكتافهم مثل طفل فاسق في مدينة مَلاهٍ هائلة.


■ كيف تصف علاقتك مع البيئة الثقافية في بلدك؟

- بشكل عامّ، لا شكل محدّداً لها. لا أصف نفسي نشطاً ثقافيّاً، ربّما أميل إلى التقوقع على ذاتي مثل سلحفاة كئيبة وسط أرانب الأدب النشيطة. ربّما هو الكسل، وربّما أنّني لا أُحسن التعامل مع البيئات الجماعيّة والصورة الكبرى بقدر ما أميل إلى الأفراد كأفراد، بعيداً عن أيّ اعتبارات أُخرى، لكنّني بشكل عام موجود ضمن المساحات الصغيرة والضيّقة في أماكن إقامتي في حيفا وبرلين وعمّان. هذه المساحات التي تُشبهني وأُشبهها، وأرغب في إبقائها صغيرة وحقيقيّة.


■ كيف صدر كتابك الأول وكم كان عمرك؟

- هذه مفارقة أحبُّها. صدرت مجموعتي الشعريّة الأولى أثناء سنوات دراستي الأُولى في كليّة الآداب في "الجامعة الأردنيّة"، كنتُ حينها في الثانية والعشرين من عمري، حيث دفعتْ أستاذة في الكليّة بالمجموعة إلى الناشر، وخلال الفصل الدراسيّ، اختيرت قصيدة منها ضمن مادّة النقد الأدبيّ، والتي درستها إلى جانب زملائي. الغريب أنّني حصلتُ على علامات متدنّية! كانت فضيحة جميلة في ذلك الوقت!


■ أين تنشر؟

- مجموعتي الشعريّة الأُولى "الصلاة الأخيرة على باب الكنيسة"، نُشرت في "المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر" ببيروت، والكتاب الثاني "حقيبة مليئة بالضحك" نُشر في "منشورات المتوسّط" بميلانو، أمّا الكتاب الثالث "حفلة الديك" فقد قرّرتُ نشره ذاتيّاً والخوض في هذه التجربة ضمن "منشورات الغرفة" بدعم من "المورد الثقافيّ". أنشرُ بين الحين والآخر بعض النصوص المتفرّقة في مجلّة "فُسحة" الفلسطينيّة و"القدس العربي" وبعض المنصّات الأُخرى.


■ كيف تقرأ وكيف تصف علاقتك مع القراءة: منهجية، مخططة، عفوية، عشوائية؟

- بشكل عامّ أقرأ بوتيرة يوميّة، خصوصاً في الأدب والشعر والرواية. قد تحدُث بعض الانقطاعات التي تمتدّ لأشهر، لكن بطبيعة الحال، ثمّة قراءة منهجيّة تتعلّق بالمواضيع أو أعمال كُتّاب معيَّنين، وهناك قراءات أُخرى عفويّة وعشوائيّة تنتمي إلى اللحظة الراهنة، الأمر كلّه يرتبط عندي بالمُتعة. دائماً ألتقط ما يلفت انتباهي.


■ هل تقرأ بلغة أخرى إلى جانب العربية؟

- أحياناً بالإنكليزيّة، إذ أقرأ بها ما يتعلّق في مجال السينما والدراما وسيناريوهات الأفلام، أو ما لا يُمكن تحصيله بالعربيّة، لكنّ معظم قراءاتي بالعربيّة، أمّا الألمانيّة فقد ابتعدتُ عنها منذ سنوات، وآمل العودة لها قريباً.


■ كيف تنظر إلى الترجمة وهل لديك رغبة في أن تُتَرَجم أعمالُك؟

- ربّما كان لديّ هاجس الترجمة قبل عدّة سنوات. بعض كتاباتي تُرجمت بشكل فرديّ إلى الإنكليزيّة والفرنسيّة والبرتغاليّة، لكن الآن، لا أظنّ أنّني مهتمّ بهذا الأمر، ولا أعرف ما الذي ستُضيفه الترجمة إلى نصوصي. إذا لم أكُن مقروءاً بلُغتي، فلماذا أستحقّ أن أكون مقروءاً بلغات أُخرى؟ لا قيمة في ذلك بالنسبة لي! انظُر إلى غزّة، ها نحن نكتُب ونُترجم ونصرُخ بكلّ لغات العالَم، منذ أكتوبر الماضي ونحن نحاول أن نثبت أنّنا نموت، ولا أحد سوى الفلسطينيّ في العالَم مطلوب منه أن يُثبِت أنّه ميّت، وللسخرية، على هذا الإثبات أن يكون مترجماً! أعتقد أنّني تحرّرتُ من هذا الوهم خلال السنوات الأخيرة. لا أسعى إلى الترجمة، ولا أعترض عليها. ببساطة، لم يعُد هذا الأمر يعنيني.


■ ماذا تكتب الآن وما هو إصدارك القادم؟

- في الوقت الحاليّ أعمل على أكثر من إصدار، الأوّل رواية متخيّلة أعمل عليها منذ سنتين بعنوان "أولاد شيكونيم" حول الجريمة المنظّمة التي تشكّلت في أراضي فلسطين المحتلّة عام 1948، وتمتدّ أحداثها منذ عام 1987، ومن المخطّط لها أن تصدر في العام المُقبل، وهناك أيضاً مجموعة شعريّة تُراوح مكانها منذ فترة طويلة، فالشعر بطبعه أنانيّ لا يقبل المشاركة مع أيّ شيء آخر، بالإضافة إلى العمل على كتابة فيلم طويل.



بطاقة

شاعر وكاتب فلسطينيّ من مواليد الطيرة عام 1990، يعيش بين حيفا وبرلين. حاصل على إجازة في الأدب العربيّ من "الجامعة الأردنيّة". نشر ثلاث مجموعات ما بين الشعر والنثر، هي: "الصلاة الأخيرة على باب الكنيسة" (2013)، و"حقيبة مليئة بالضحك" (2018)، و"حفلة الديك" التي صدرت هذا العام بشكل مستقلّ عن "منشورات الغرفة".

وقفات
التحديثات الحية
المساهمون