ذكرى ميلاد: محمد الجموسي.. نجمٌ أضاء ثلاثة عقود وخبا

ذكرى ميلاد: محمد الجموسي.. نجمٌ أضاء ثلاثة عقود وخبا

12 يوليو 2023
نصب تذكاري لمحمد الجموسي، بتوقيع الفنان علي البرقاوي، في المحرس قرب صفاقس (ويكيبيديا)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها، في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. تصادف اليوم، الثاني عشر من تموز/ يوليو، ذكرى ميلاد المغنّي والملحّن التونسي محمد الجموسي (1910 ــ 1982).
 

مثل العديد من مجايليه من الفنانين العرب، جاء محمد الجموسي إلى الموسيقى والغناء من باب الدين، حيث حفظ القرآن صغيراً وأتقن التجويد والترتيل، قبل أن يخطو نحو الإنشاد والموشّحات، التي سيكتشف في أدائه إياها قدراته الصوتية ومتعةً في إطراب المستمعين، بينما كان موظّفاً شابّاً في الشركة الوطنية التونسية للسكك الحديدية، في العاصمة، مطلع ثلاثينيات القرن الماضي.

وفي السنوات القليلة اللاحقة، سيصبح الجموسي، الذي تصادف اليوم ذكرى ميلاده (1910 ــ 1982)، واحداً من أبرز المشتغلين في الغناء والموسيقى بتونس خلال منتصف القرن الماضي، ومن أكثرهم شهرةً، ولا سيّما بعد أدائه دوراً أساسياً في فيلم "مجنون القيروان" (1939)، أول الأفلام العربية المنتَجة في تونس.

هكذا، اختار الممثّل الشاب الفن بدلاً من العودة إلى حضن العائلة، في صفاقس، كما طلب منه أبوه الذي كان رافضاً لفكرة اتخاذ ابنه من الغناء والتمثيل على الشاشة مهنة له، مفضّلاً عليهما الأناشيد الدينية والمالوف الشعبي، الذي كان والده يدندن مقطوعاته ويحضر جلساته في صفاقس.

لن يدوم بقاء الجموسي طويلاً في بلده، حيث سينتقل إلى باريس ليقضي عدّة سنوات سيغنّي خلالها أعمالاً تطفح حنيناً للأرض، مثل "بلادي يا بلادي، محلاكِ يا بلادي"، قبل أن يعود إلى تونس بُعيد اندلاع الحرب العالمية الثانية، لينتقل بعد سنوات إلى القاهرة، التي سيبدأ فيها تجربةً توجّه فيها إلى جمهور عربي أوسع، إن كان في أغانيه وحفلاته، أو في الأفلام التي شارك فيها، مثل "ناهد" لمحمد كريم (بطولة يوسف وهبي).

خلال هذا الوقت، كان الراحل على صلة مستمرة مع الكتابة والتأليف، إن كان في تدوين القصائد الفصيحة والعامّية، أو في تلحين أعمال لمغنّين عرب، مثل وردة الجزائرية التي غنّت من اشتغالاته بينما كانت في بداياتها، والمغنّي السعودي طلال مدّاح، الذي أدّى له "طوّل يا ليل واسهر يا عيني"، وهي مقطوعةٌ غنّاها أيضاً الجموسي بنفسه في العديد من حفلاته.

ورغم هذا الحضور الملحوظ حتى عربياً خلال نحو ثلاثة عقود، بين منتصف الثلاثينيات ومنتصف الستينيات، إلّا أن نجم الفنان التونسي سيخبو مع الوقت، ليعرف فنّه تلقّياً لاحقاً أقلّ حظوةً وأقلّ انتشاراً في الثقافة الشعبية مما عرفه، مثلاً مواطنه ومجايله الهادي الجويني (1909 ــ 1990). 

وربما كان للاختلاف في خياراتهما الموسيقية دورٌ في الفرق بين إرثيهما، حيث مال الجويني إلى مقامات لطالما كانت أقرب من روح المستمعين وذائقتهم وقدرتهم على تردادها والترنّم بها، مثل "تحت الياسمينة بالليل"، أو "لاموني اللي غاروا منّي"، في حين بقيت اشتغالات الجموسي وفيّة لرصانة موسيقية ورخامة صوتية سادت حتى خمسينيات القرن الماضي من دون أن تترك أثراً عميقاً في الأجيال اللاحقة من المستعمين العرب.

أيّاً يكن، فإن حضور محمد الجموسي ما زال قائماً، وإن بصوَر مختلفة، على الأقل في إطلاق اسمه على شوارع ومجمّعات ثقافية في بلده، أو إصدار طابع بريديّ يحمل اسمه، وإن كان قد مضى على هذه الخطوات أكثر من عقدين من الزمن.

المساهمون