يركّز الفنان الياباني تسويوشي أنزاي في أعماله التركيبة على وجود العناصر التي تكوّن حياتنا اليومية وكيفية تمثّلها في الوعي الإنساني، وطريقة تفكيرنا في جوهرها وليس في مظهرها الخارجي، فغاية الفلسفة التمييز بين العرَض والجوهر، وفقاً لـ"كهف أفلاطون"؛ المثل الذي تناوله الفيلسوف الإغريقي في كتابه "الجمهورية".
ويبحث أنزاي في منظور الفن للموضوع باعتباره مادة عالقة في مكان ما بين الواقع والوهم، متكئاً أيضاً على النزعة التجريبية عند الفيلسوف الإنكليزي جون لوك الذي نظّر لإمكانية الوصول إلى المعرفة من خلال الحدس والاستدلال، والاعتماد على الحواس وليس العقل وحده.
"معرفة تامّة" عنوان معرضه الجديد الذي افتُتح في "بيت الفنانين ـ بيثانين" ببرلين في الأول من الشهر الجاري، ويتواصل حتى الرابع والعشرين منه، ويضمّ أعمالاً تمّ تركيبها من أشياء تتواجد داخل المنزل والمطبخ وأدوات العدّة والأثاث وقطع البلاستيك وغيرها.
يقارب أنزاي مفهوم الحركة في الفن منذ أن حاول الانطباعيون محاكاة الواقع في لوحاتهم خلال القرن التاسع عشر، وتنبّهوا باكراً إلى إعادة إنتاج الإحساس والحركة التي عاشها الإنسان في لحظة معينة بصورة فورية أو انطباعية، والتركيز على تأثير هذا الإحساس أو تلك الحركة.
حين تجتمع كلّ هذه الأشياء في تسلسلها وتراكبها الذي افترضهما الفنان، بصورة تعادل التعقيدات المتشابكة في إحساسنا بها في عالمنا المعاصر، فإنه يغدو من الصعب التمييز بين الموضوع وبين الشيء بحسب تنظيرات ديكارت.
يواجه الزوّار عبوات وقطع يجدها المرء عشوائياً في العديد من الأماكن العامة، والتي يثبتها على أرضية القاعة، حيث تملأ التماثيل الحركية الهجينة المكونة من الإسفنج والفرش وأدوات التنظيف وأشياء أخرى مساحة معرضه، وكأنهم يمثّلون كائنات حيّة تحاصر المكان الموجودة فيه وتسعى إلى مهاجمته، بعد أن زوّدهم أنزاي بمحركّات تتسيح لهم التنقّل في المكان وإطلاق أصوات في أرجائه.
أين يمكن الفصل بين الواقع والخيال، بين الحقيقة والوهم؟ سؤال أساسي يعيد التفكير فيه إلى ثيمة المعرض بأن إحساسنا إو إدراكنا للعالم من حولنا عبر حواسنا، هو الطريق الوحيدة إلى إدراكها، وبمعنى أدقّ فإن إنزاي يدعو المشاهد لإعادة النظر في العالم والتفكير بالأشياء؛ أي منها يبقى إلى الأبد وأي منها إلى زوال.