الحرية صحافةً وثقافة

02 سبتمبر 2024
جناح جريدة العربي الجديد في معرض الدوحة للكتاب
+ الخط -
اظهر الملخص
- **اللغة كملاذ للحرية:** اللغة تمثل الحرية للكاتب العربي، حيث تمكنه من التعبير في مواجهة القيود القمعية، مما يجعله يشعر بالحياة ويخدم وطنه بفعالية.
- **دور الجريدة في الثقافة:** الجريدة تتيح حرية التعبير للكتاب والصحافيين، وبدونها تتحول إلى أداة بيد الأنظمة القمعية، مما يقتل الإبداع ويهمش الأفكار الجديدة.
- **مشروع "العربي الجديد":** في الذكرى العاشرة لإطلاقها، تبرز "العربي الجديد" كمنصة رائدة تتيح حرية التعبير، وتهدف لبناء هوية عربية منفتحة تحتضن التنوع والاختلاف.

قد تكون اللغة المُلك الوحيد الحقيقي الذي يتمتّع به الكاتب العربي اليوم، بالمعنى الثقافي العميق للكلمة. تأخذ هذه اللغة شكل الرئة الثانية التي يتنفّس من خلالها الحرية التي عملت المؤسّسات الثقافية العربية والإعلامية السائدة على خنقها. إن لم يتكلّم هذا الصحافي، أو يكتب ذاك الكاتب، بحريّة، فإنّه يبدو وكأنّه لا يتنفّس، بل يتحرّك في سجنَين خانقَين: سجن الخارج؛ الذي تتكفّل الأنظمة العربية بحراسته؛ وسجن الداخل، ذلك السجن الأكثر مرارة، خصوصاً عندما يشعر الكاتب بعدم وجود مكان حرّ يستطيع فيه أن يعبّر عن صوته.

والسؤال هنا هو: كيف يمكن لصحافي أو كاتبٍ يعيش في حالة سجن متواصلٍ أن يفيد وطنه وقضاياه المصيرية ومؤسّساته المختلفة وثقافته؟ في أحسن الأحوال، لن يستطيع أن يقدّم لهذا الوطن إلّا أعنف حالات الاختناق وأقسى ندوب القيد.

تُشكّل الجريدة، عامةً، المكان الأكثر نشاطاً وتميّزاً لممارسة هذه اللغة- المُلك، مقالات وحوارات وتغطيات وتفاعلاً وإبداعاً وآراء ونصوصاً وتحقيقات. من دون ذلك، تتحوّل الجريدة إلى وسيلة إعلان استهلاكي، أو إلى تنويع آخر على جرائد المؤسسات العربية السائدة التي تعمل وتخطّط وتفكّر من أجل تحويل الثقافة العربية إلى هيكل ضخم من الكلام الذي يحرسه جنود الرقابة. أعني هنا مؤسّسات أنظمة الطغيان، حيث يُصبح للكلام عن السياسة حدودٌ، وللكلام عن الثقافة حدود، وللكلام عن الدين حدودٌ، ويصبح الرأي المختلف مرفوضاً، والفكرة الجديدة مُهمّشة؛ وكذا الأمر عن العائلة، والجنس، والمجتمع، والفنّ، والآخر المختلف، والكتابة الحرّة التي تُزلزل أسس الطغيان. 

فرصةٌ لظاهرة رائدة وفريدة في الصحافة والثقافة العربية

صار من نافلة القول إنّه يتعذّر التأسيس لمشروع صحافي حديث إلّا استناداً إلى مشروع فكري حديث ومعرفة جديدة. ويتعذّر كذلك تحقيق هذين المشروعين إلّا في إطار ثقافة قائمة بشكل أساسي على قاعدة الحرية، وقبول المختلف، والمُعارض، والجديد. 

وفي ظلّ الثقافة العربية السائدة التي اعتادت أن تقدّم فكرة واحدة عن كلّ شيء - فشعرنا واحدٌ، وفلسفتنا واحدة، وسياستنا واحدة، وقائدنا واحدٌ، وصورتنا واحدة، وثقافتنا واحدة-، تملك تجربة موقع وجريدة العربي الجديد الإمكانيات والمؤهّلات والفرص كي تخلق ظاهرة رائدة وفريدة في الصحافة والثقافة العربية على السواء، بحيث تشيّد نموذجاً جديداً يقوم على قاعدة الثقافة الحيّة التي تعترف بك أنت الذي تعارض أفكار غيرك، وتعترف به هو الذي يعارض أفكارك أنت.

كلُّ ذلك خارج ثقافة التخوين والاصطفافات الحزبية والأيديولوجية ولغة التآمر، خارج الأطر والبنى والعقليات القديمة التي عملت مؤسّسات وصحف عربية تقليدية على ترسيخها، منتجةً بذلك "صحافيين" و"كتّاباً" و"نقّاداً" كتبوا كلاماً كثيراً حول مشكلات معظمها وهمي أو ثانوي، وأهملوا الكتابة عن الجوهر: الإنسان الذي يكتب الكلمة الحرّة التي تزلزل أسس الطغيان الثقافي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي كلّها؛ الإنسان الذي يناضل من أجل الحرية بالمعنى العميق للكلمة.

اليوم، في الذكرى العاشرة لإطلاق جريدة العربي الجديد الورقية (سبقها إطلاق الموقع الإلكتروني في ذكرى "يوم الأرض" 30 آذار/ مارس 2014)، يعيش المشروع تحديات عديدة، ولا سيّما في ظلّ الأزمات الكثيرة التي تجتاح البلدان العربية، وعلى رأسها حرب الإبادة الجماعية. من جهة، وبعد عقد على التأسيس، ريادة وترسيخ بنية معرفية جديدة في العالم العربي أساسها حرية الكلمة، فاسحة المجال أمام الكتّاب والصحافيين جميعهم للتعبير عن أفكارهم وآرائهم بما يخدم قضايا الوطن العربي وعلى رأسها فلسطين، ومؤسِّسة بذلك لهوية عربية منفتحة تحتضن الأضداد. وهي مهيّأة لذلك. 

ومن جهة ثانية، يجب أن تظلّ، ثقافياً، مختبراً تتحرّك فيه الآراء والنصوص الأدبية العربية المتناقضة والمختلفة والجديدة. من دون ذلك لا تكون الجريدة، أيّة جريدة، إلّا تنويعاً آخر على كثير من الجرائد التي تملأ الحياة العربية بالكلام الفارغ الذي يُرسِّخ ثقافة الواحد ويحرس البنى والعقليات التقليدية الصحافية والثقافية.

يُسعدني أن أكون من فريق القسم الثقافي في موقع وجريدة العربي الجديد الذي استعاد تلك الكلمة المُنعزلة والمُنزوية في القواميس العربية: الحرّية، ومارسها واستخدمها، صحافة وكتابةً ورؤية وثقافةً.
 

المساهمون