"العربي الجديد"... بصمة مميزة في عالم الصحافة الاقتصادية

02 سبتمبر 2024
عمِلنا بجد في العربي الجديدعلى "أنسنة" الاقتصاد (حسين بيضون)
+ الخط -
اظهر الملخص
- **رؤية "العربي الجديد" الاقتصادية:** ركزت على "أنسنة" الاقتصاد، بمعنى رصد العلاقة الحياتية بين المواطن والاقتصاد وتأثير المواضيع الاقتصادية على حياة الفرد مثل الأسعار، الدخل، الصحة، وفرص العمل.

- **أولويات التغطية الاقتصادية:** أعطت أولوية للاقتصاد الشعبي والمجتمعي، وركزت على تأثير القرارات السياسية والاقتصادية على حياة المواطن، تكاليف المعيشة، وفرص العمل، مع التركيز على دعم السلع الأساسية والخدمات العامة.

- **التغطية السياسية والاقتصادية:** تميزت بتغطية ملف الاقتصاد السياسي، معبرة عن مطالب رجل الشارع وثورات الربيع العربي، وركزت على حقوق المواطن في ثروات بلاده، مخاطر الاقتراض، وتداعيات حرب غزة.

قبل انطلاق النسخة الورقية من "العربي الجديد" في مثل هذه الأيام قبل 10 سنوات مضت، كنا في قسم الاقتصاد بالصحيفة والموقع لدينا رؤية واضحة ومحددة، وهي أن المواطن العربي البسيط، وليس الحكومات، يجب أن يكون محور اهتمامنا اليومي والرئيسي، وأن المواد الصحافية المنشورة يجب أن تدور حول ذلك المواطن، حياته اليومية ومعاشه وسكنه وصحته ودخله وفرص العمل المتاحة أمامه، وحركة أسعار السلع والخدمات الأساسية من حوله، تطلعاته وأحلامه.

عمِلنا بجد على "أنسنة" الاقتصاد، أي رصد العلاقة الحياتية بين المواطن والاقتصاد، والتعامل مع الاقتصاد من منطق علاقة فروعه وأنشطته ومؤشراته بحياة الفرد والمواطن البسيط، وليس مجرد أرقام جافة صماء يتم رصّها داخل موازنات وإحصاءات غير مفهومة، أو يتم تدريسها لطلبة الاقتصاد داخل أروقة الجامعات، أو مجرد صفقات لرجال أعمال وشركات محلية ومتعددة الجنسيات، أو مجرد مكاسب يجنيها رجال البزنس.

ولذا أعطينا أولوية قصوى للاقتصاد الشعبي أو المجتمعي، اهتممنا بـ "اقتصاد الناس" اللصيق بحياة المواطن. صحيح أننا لم نهمل الأنواع الأخرى من فروع الاقتصاد، وفي مقدمتها الاقتصاد السياسي، بل كنا الأكثر تسليطا عليه بحكم طبيعة وسياسة الصحيفة التحريرية، ولم نتجاهل الاقتصاد الكلي رغم أنه الساحة الرئيسية التي تلعب فيها كل وسائل الإعلام العربية، لكن الإنسان كان محورنا الأول.

أعطينا أولوية قصوى للاقتصاد الشعبي أو المجتمعي والأسواق وحركة الأسعار، اهتممنا بـ "اقتصاد الناس" اللصيق بحياة المواطن البسيط

عندما كانت السلطات الحاكمة تُصدر قرارا سياسيا أو اقتصاديا كنا بسرعة نسأل أنفسنا: ما انعكاسات القرار على حياة المواطن، وحركة الأسعار في الأسواق، وعلى تكاليف المعيشة ونمط الحياة؟ هل سيعقّد القرار حياة المواطن ويزيد الأعباء الحياتية، أم ييسرها للأفضل؟

نسأل أنفسنا قبل كتابة التقارير الصحافية: هل القرارات الصادرة عن الحكومات تساعد في زيادة دخل الفرد، وترفع من قدرته على تلبية احتياجات أسرته، ومساعدته في الادخار والتحوط للزمن، ومنحه فرصة لتعليم أولاده بشكل أفضل والاهتمام بصحة أسرته؟ هل تأكل القرارات أمواله أم تنمّيها وتحافظ عليها؟ هل تقوّي عملته المحلية أم تساعد في تهاويها مقابل الدولار؟

هل تزيد الأزمات الاقتصادية والمعيشية، وفي مقدمتها الفقر والبطالة والعشوائيات والفروقات الاجتماعية، أم أنها تعيد توزيع الثروات داخل المجتمع بشكل عادل، وتمنع مظاهر تهريب الأموال والاحتكارات والطبقية واللصوصية والسطو على المال العام والتهرب الضريبي وغسل الأموال والتجارة الحرام بما فيها تجارة البشر؟

عندما كنا نكتب عن الموازنة العامة الجديدة لدولة ما، كانت أعيننا تذهب بسرعة إلى بنود الإنفاق العام على دعم رغيف الخبر والسلع الغذائية والتموينية والبنزين والسولار وأنبوبة الطهي والصحة العامة والمستشفيات والتأمين الصحي والتقاعد والأجور والرواتب.

نسأل بعضنا البعض داخل قسم الاقتصاد: كم ستخصص الموازنة الجديدة من أموال لإقامة دور رعاية صحية ومدارس وجامعات ومعاهد جديدة؟ كم ستخصص الدولة لتحقيق الرفاهية للمواطن وتحسين مستوى الخدمات الأساسية من شبكات كهرباء ومياه شرب وصرف صحي واتصالات؟ كم ستخصص لتطوير البنية التحتية؟ هل سيتم فرض ضرائب ورسوم جديدة على المواطن، أم سيتم تخفيف الأعباء الضريبية والجمركية؟ كم مصنعا ستتم إقامته؟

عندما كانت دولة ما تحصل على مزيد من القروض الخارجية كنا ننبه صانع القرار إلى أن المواطن هو من يدفع كلفة تلك الأموال والأعباء وليس الحكومات، وأن الأجيال المقبلة هي من تتحمل وحدها ارهاق الدولة ماليا وعبء العجز في الموازنات العامة الناتج عن التوسع في الاقتراض الخارجي والمحلي، وأن بعض الحكومات المقترضة لا يهمها إن كان العجز سيزيد أم لا، المهم هو أن تواصل السفه في الاقتراض حتى لو على حساب مستقبل الدولة وأمنها الاقتصادي.

رصد تحركات أسعار الأدوية ورغيف الخبز أهم ألف مرة من الجري وراء مؤشرات أسواق المال وحركة أسعار المعادن النفيسة والبورصات، واللهث وراء قفزات أسعار الأسهم

على مستوى متابعة الاقتصاد الكلي لدول المنطقة، كانت أعيننا ترصد حركة الإنتاج والتصدير والاستثمارات المباشرة والمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر داخل المجتمع وفرص العمل المتاحة، وعدد المصانع والمشروعات التي يتم إضافتها وتساهم في الحد من البطالة، خاصة بين الخريجين الجدد وجموع الشباب، وتلبي احتياجات الأسواق المحلية والسلع بأسعار مقبولة للمواطن.

بالنسبة لنا، كان تناول تحركات أسعار الأدوية ورغيف الخبز أهم ألف مرة من الجري وراء مؤشرات أسواق المال وحركة أسعار المعادن النفيسة والبورصات، واللهث وراء قفزات أسعار الأسهم والتحليل الفني، وأخبار شركات القطاع الخاص وصفقات رجال الأعمال وكبار المستثمرين. كان اهتمامنا لكل تلك المتابعات ينصبّ على زاوية أهم وهي كم توفر تلك المؤشرات من فرص عمل وتحسين في الأجور ومعاشات التقاعد والتأمينات.

عندما كنا نرصد حركة زيادة أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية، كان التركيز ليس على الأموال التي ستحصدها الحكومات بسبب تلك الزيادة، بل على انعكاس الزيادة على أسعار مشتقات الوقود من بنزين وسولار وغاز، وعلى كلفة المواصلات العامة وحركة نقل الأفراد وشحن البضائع.

حتى المفردات الاقتصادية تميزنا في طرحها، فلم نغرق مثلاً في تعريفات التضخم والمنفعة الحدية واحتكار القلة وأذون الخزانة وأدوات الدين والتحليل الفني للبورصات وأسواق المال ورصد حركة البلاتينيوم وغيره من المعادن النفيسة، وشرح النظريات الاقتصادية، والفارق بين الاقتصاد المختلط والاقتصاد الموجه أو الاقتصاد الجزئي، بل ركزنا على ما يرتبط بمعيشة الفرد. بسطنا تلك المصطلحات لأبعد الحدود حتى يفهم الكافة وليس الشخص المتخصص.

وحتى عندما تطرّقنا لمؤشرات الاقتصاد ابتعدنا عن المصطلحات المعقدة التي لا يفهمها العامة واستخدمنا المصطلحات البديلة، فالتضخم عندنا هو الغلاء وارتفاعات الأسعار، والركود والكساد يعنيان شلل الأسواق، وأهم مؤشر في معدل النمو هو توليد فرص العمل، والعجز في الميزان التجاري هو الفارق بين الصادرات والواردات، والمخاطر الجيوسياسية تعني زيادة في سعر الوقود والطاقة والذهب وهروب الأموال والاستثمارات الساخنة من دول المنطقة.

ببساطة، لم نغرق في رصد الأرقام الجافة والبيانات الحكومية المحنطة التي تعبّر فقط عن الجهة الصادرة عنها. اختلفنا عن الصحافة الاقتصادية التقليدية التي تجري وراء أخبار ومواد معظمها غير مرتبط برجل الشارع. بل ينفر منها بسبب صعوبة فهمها.

تميزنا في تغطية ملف الاقتصاد السياسي وعبّرنا بدقة عن مطالب رجل الشارع وثورات الربيع. سلطنا الضوء على جرائم استخدام المال السياسي في دعم الثورات المضادة والانقلابات

تميزنا في تغطية ملف الاقتصاد السياسي وعبّرنا بدقة عن مطالب رجل الشارع وثورات الربيع العربي وفي مقدمتها "عيش، حرية، عدالة اجتماعية وكرامة إنسانية". سلطنا الضوء على جرائم استخدام المال السياسي في دعم الثورات المضادة والانقلابات العسكرية. أكدنا على حقوق المواطن في ثروات بلاده وأحقيته في معرفة مصير الضرائب والرسوم والأموال الضخمة التي يدفعها للدولة.

تطرّقنا لقضايا خطيرة هي النهب المنظم للثروات وإهدار المال العام من قبل بعض الحكومات العربية طوال السنوات الماضية، ومخاطر السفه في الاقتراض وإقامة مشروعات لا علاقة لها بالمواطن وليس لها مردود على الاقتصاد والأسواق، واخضاع الاقتصاد الوطني لوصايا الدائنين الدوليين وفي مقدمتهم صندوق النقد والبنك الدوليين.

موقف
التحديثات الحية

ببساطة، الاقتصاد من وجهة نظرنا بات لصيقاً جداً بحياة المواطن، هو السهل الممتنع، هو الرئة التي يتنفس بها المواطن في شكل سلع وخدمات وضرائب ودخول وغيرها، والفصل بين الاقتصاد والسياسة بات صعباً، فهناك تداخل كبير بين الملفين، وهو ما كشفته الأزمات العنيفة التي مرت بها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة، وقبلها الثورات العربية التي اندلعت لأسباب اقتصادية بالدرجة الأولى، وفرضت واقعا اقتصاديا وسياسيا جديدا، وبات المواطن رافضاً لكل أنواع الاستبداد والظلم الاقتصادي والغبن الاجتماعي والفساد والمحسوبية وهيمنة مجموعة من المحتكرين واللصوص على الحياة الاقتصادية.

ولأننا نؤمن بأن القضية الفلسطينية هي قضية كل العرب، فقد كان لنا حضور لافت ومميز في متابعة التداعيات الاقتصادية لحرب غزة، وتسليط الضوء على المعاناة اليومية لأهالي القطاع وحصارهم وتجويعهم وتعطيشهم من قبل الاحتلال على مدى ما يزيد عن عشرة شهور. وكان لنا السبق والتميز في تسليط الضوء على الأزمات العنيفة التي يعاني منها الاقتصاد الإسرائيلي منذ انطلاق الحرب على غزة، والتكاليف الهائلة التي تتحملها دولة الاحتلال جراء تلك الحرب الإجرامية.

"العربي الجديد" ستظل هي صوت المواطن العربي البسيط، وستظل كذلك معبرة عن مشاكله وتطلعه نحو حياة أفضل، رغم العثرات التي تمر بها دول المنطقة، وقبلها ثورات الربيع.

المساهمون