هل حدث في البلد انقلاب؟
من القصص المضحكة التي لم أعد أذكر أين قرأتها أو سمعتها منسوبة، كالعادة، إلى مؤلف مجهول، واحدة تتحدث عن شخص يعيش "في إحدى الدول" ذات النظام الشمولي الاستبدادي، هذا الشخص مخلص للذين عينوه (كالكلب في حفاظه للود، وكالتيس في مقارعة الخطوب!!)، والذين عينوه، بدورهم، يلقون إليه بفتات موائدهم، ويسمحون له، في الوقت نفسه، أن يمارس ما يشاء من عنجهية على الناس، باعتبار الناس، في تلك الدولة، ذبابات من حق أي تيس أن يهشهنَّ بذنبه.
وذات مرة صعد ذلك الشخص إلى حافلة تعمل على أحد خطوط المحافظات، وهو مدجج بالسلاح كأنه عائد للتو من معركة مظفرة، نظر إلى الناس (الذباب) الجالسين على مقاعد الحافلة نظرة الاحتقار التي تليق بمقامهم، ولكز المعاون في صدره، ورفسه على مؤخرته، والتفت نحو السائق وقال له:
- اسمع أنت أيها الحقير، أنا نعسان وأريد أن أنام، والمطلوب منك أن تسوق برفق وهدوء، وتشغيل الراديو أو المسجلة ممنوع، وقل لركابك البهائم أن يخرسوا ويقطعوا الصوت، وخذ، هذه بصقة في وجهك على نية التيسير!
ارتعب الركاب المساكين من وجود هذا المجرم العتليت بينهم، وتعوذوا بالله على هذا النهار غير المارّ على خير، والتزم السائق والمعاون والركاب بتعليماته الواضحة بعد أن مسحوا رذاذ البصاق عن وجوههم.
بعد أقل من نصف ساعة استيقظ ذلك العتليت، وقدم وصلة ردح وتوبيخ للجميع، وعاد إلى النوم، وبعد نصف ساعة استيقظ، وقبل أن يقول جملة واحدة تلقاه أحد الركاب، وهو رجل شجاع يمتلك قوة بدنية خارقة، ولكمه على وجهه لكمتين قويتين، وثَلَّـثَ بواحدة على فمه جعلت الدم ينشب منه، ثم بطحه على أرض الحافلة وشرع يدوس عليه حتى استغاث بالأنبياء والمرسلين، وبالمعاون والسائق والركاب الذين بصق في وجوههم قبل قليل.
وساد الصمت في الحافلة وقد امتلأت قلوب الركاب بالغبطة والفرح والهناءة. وشرعوا ينظرون بطرف ألحاظهم إلى الشخص العتليت الذي مشى بصعوبة إلى حيث يجلس أحد الركاب، جلس بجواره، وسأله وهو مسبل رأسه إلى الأسفل، بلهجة هامسة:
- أخي، بودي أن أسألك، حينما كنت أنا نائماً، هل حدث في البلد انقلاب؟!