هزليات السياسة الأسدية (6)

12 ديسمبر 2019
+ الخط -
بعد انتهاء الساهرين من تناول العشاء، عَلَّقَ الأستاذ كمال على الحكاية التي رواها "أبو الجود" في بداية السهرة بقوله:
- نعم سيدي. هاي القصصْ ما بتصيرْ غيرْ عندنا في سورية. بالنسبة للناس غير السوريين إذا سمعوا هيك حكاياتْ من حَقّهُمْ يقولوا: كدبْ.. هالشي مو ممكنْ يحصلْ في أي مكانْ منْ العالمْ.. وإذا صَدَّقُوا حكاياتْنا لازمْ نتشكرْهم على سعة صدرهمْ. تصوروا يا جماعة، إنسانْ فقيرْ ومشَحَّرْ ومنحوسْ متلْ أخونا "أبو الجود" بتطلَعْ روحُه لحتى يعثرْ على وظيفة آذنْ (عامل بوفيه) في شعبة الحزبْ، ومع هيك بيجـوا لعندُه أهلْ ضيعتُـه وبيطلبوا منه يساعدهـم فـي أمورْهُـم المستعصية. هادا لإنه الناسْ آخدينْ فكرة إنُّه حتى الآذنْ في الحزبْ بيحلّْ وبيربُطْ وبيقطَعْ وبيوصِلْ، وهاي الفكرة صحيحة بالمناسبة.

ضحك أبو الجود وقال:
- إنته يا أستاذْ كمالْ مفكّرْ الأمورْ المستعصية الي صاروا الناسْ يطلبوا مساعدتي منشانْها هيي تأمينْ أسطوانة غازْ، أو ليترين زيتْ نباتي من شركة التجزئة، أو الحصولْ على عشرْ أكياسْ شمينتو من مؤسسة العمرانْ بالسعرْ المخَفَّضْ.. بتصدّقْ إذا بقلَّكْ إنه في واحدْ من ضيعتنا كان مفكّرْ يصيرْ عضو مجلسْ الشَعْبْ، وأجا لعندي وطلب مني أساعدُه في هالموضوع؟


كان أبو جهاد متكئاً، وفجأة جلس، وقال بلهجة عامرة بالتهكم والسخرية:
- وإنته يا أبو الجودْ قلبكْ طيبْ، وبتحبّ أولادْ ضيعتك، ومستحيل تخليه يخجلْ. أكيدْ نَزَّلْت إسمُه بقائمة الجبهة وعينوه عضو مجلسْ الشعبْ.

قال أبو الجود: نصّ الحكي اللي حَكَاهْ أبو جهادْ صحيحْ، ونصه التاني غَلَطْ. أولْ شي عضو مجلسْ الشعبْ بيصيرْ بالانتخابْ مو بالتعيينْ. وتاني شي أنا بالفعل ساعدتُه للرجل، وإذا بتحبوا بحكي لكم قصته بالتفصيل.

قال أبو زاهر: طبعاً منحبّْ تحكي لنا قصته، بس إنته لازم تصلح معلوماتك عن مجلس الشعب، عم تقول إنه بيصير بالانتخابْ؟

قال كمال: أبو الجود عم يحكي صحْ. من حيثْ المبدأ وبحسب القانون السوري نعم، الإنسان ما بيكتسبْ عضوية مجلس الشعب إلا بالانتخابْ، أما اللي بيحصل على أرض الواقع شي تاني، وهاد الأمر منعرفه كلياتنا. تفضلْ يا مسيو أبو الجود، كَمّلْ حكايتك.

قال أبو الجود: ضيعتنا في الأساس ما طلعْ منها مسؤولْ في الحزبْ، ولا في الحكومة، ولا في الدولة.. لاكن من مدة أحدثوا فيها بلدية، وعينوا ابن حارتي الأستاذ نزارْ رئيسْ للبلدية. وإذا بتتذكروا أنا حكيتْ لكمْ عَ الدبكة اللي دبكناها قدامْ البلدية يومْ الافتتاحْ. أما بالنسبة للأستاذ نزارْ، فهادا الشابْ كان في الأساسْ معلم ابتدائي، ومنتسبْ لحزبْ البَعْثْ.. لما فتحوا المدرسة كانْ فيها تلاتْ صفوفْ، صف أول وصف تاني وصف تالتْ، وكان هوي المعلمْ الوحيدْ في المدرسة، كان يعلمْ الصفوفْ التلاتة، وبنفس الوقت كان هوي المديرْ وهوي الآذنْ. أنا شفته أكتر من مرة عم يعبَي مازوت للصوبْيَة وعَمّْ يكنّسْ واحد من الصفوف بالمكنسة. لاكنْ لما كان حدا بيسأله: حضرتك أشو بتشتغلْ؟ كان يقولْ: أنا مدير المدرسة! حتى لما تزوجْ صارتْ مرته تقعد بين نسوان الضيعة وتقول أنا مَرْتْ المديرْ!

قال أبو ماهر: يعني على عكس أبو الجود، اللي إذا حدا بيسأله أيش بتشتغل بيقول: آذِنْ في شعبة الحزبْ.

قال أبو الجود: مو بس بقولْ آذنْ، كمان بشرح للي بيسألني شلونْ بغلي الشاي والقهوة والمليسة والزهورات، وشلون بجلي الكاسات وبنضف صحون السيجارة، لاكنْ أختكم أم الجود متل زوجة الأستاذ نزار، إذا سألوها أيش بيشتغلْ أبو الجود بتقولْ: مفرغ في شعبة الحزب! خلونا نرجع للأستاذ نزار. جماعة الحزب في إدلب عملوا الأستاذ نزار على قولة المتل (دَفْعْ القَضَا ورَدّْ البَلَا)، لما كان بدهم رئيسْ بلدية عينوه، ولما قرروا يعملوا انتخابات لمجلس المحافظة طلبوا منه يترشحْ. وهوي جاهز ع الندهة. تْرَشَّحْ. بس ما نجح. المهم عجبته هالشغلة، وصار يفكر إنه القعودْ في هالضيعة التعبانة ما بيجيبْ نتيجة، ولازمْ يطلعْ باتجاه مدينة إدلب، أو الشامْ بأي تَمَنْ. وبوقتها فَكَّرْ بمجلسْ الشَعْبْ، وطَلَبْ مقابلتي.

عاد أبو جهاد إلى التهكم فقال: أنا محسوبكم متل زوجة الأستاذ نزار والأخت أم الجود، إذا حدا سألني: كَمْ مسؤول طلع من ضيعتك، بقول: تنين، الأستاذ نزار والرفيق أبو الجود!

قال أبو إبراهيم ممازحاً: استقبلتُه للأستاذ نزارْ في المكتبْ؟ ولا في الأنتريه؟

قال أبو الجود: بصراحة؟ أنا ما عندي مكانْ في البيتْ بيصلحْ إني إستقبلْ فيه ضيوفْ. كنا واقفينْ أنا وهوي في الشارعْ وقال لي (بدي شوفك). في بحارتنا حَجَرْ كبيرْ كنا نقعد عليه لما كنا زغارْ، ولما نوقفْ تصيرْ على مؤخرتنا بقعة ترابْ أبيضْ، عزمته لنقعدْ عَ الحجر، قام هوي ضحك وقال لي: تعال نقعد في البلدية. ولما رحنا ع البلدية قال لي تعال نفوت ع البوفيه ونظبّطْ فنجانين قهوة. قلت له بشرط: قال لي: أشو الشرط؟ قلت له: أنا زهقان حياتي من غلي الشاي والقهوة اعملها إنته. قام ضحك وقال لي: الحق معك. المهم، عمل فنجانين قهوة، وقعدنا أنا وهوي، وحكى لي عن رغبته بأنه يصير عضو مجلس الشعب، وطلب مني أساعده. قلت له: شوف يا أستاذ، أنا ما فيني أساعدك ولا أساعد غيرك، لأني إذا أنا كبرتْ أو زغرتْ بتبقى وظيفتي آذن. لاكن من خلالْ وجودي في الشعبة طول هالمدة صرتْ بعرفْ شلون بتمشي هاي الشغلات. خيو، بالعربي، بدك تدفع مصاري. قال لي ع السريع: (بدفع بدفع. بس قلي شلون بدي ادفعْ ولمين؟)ـ قلت له: اترك لي الموضوعْ، أنا بكرة خلالْ الدوامْ بجس نبض الرفاق في الشعبة وبردّ عليك جواب.

قال أبو محمد: قسماً بالله هالقصة حلوة. أي وأشو صار بعدين؟

قال أبو الجود: القهوة اللي عمل لي ياها الأستاذ نزار بهداكا اليومْ بشعة كتير.. إذا هلق بتعملوا لنا قهوة سورية طيبة، منشرب وبحكي لكم القصة بالتفصيل.

(يتبع)..
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...