هزليات السياسة الأسدية (33)

09 فبراير 2020
+ الخط -
باب رزق للمناحيس
لأول مرة منذ أصبحنا نعقد سهرات الإمتاع والمؤانسة يبادر صديقنا "أبو جهاد" لفتح سيرة تصلح للأخذ والرد والاسترسال.. قال في مستهل السهرة التي عقدت في منزله بمدينة إسطنبول: لا تواخذوني، أنا بالعادة باخد دور المستمع، ودائماً بستنى لتفتحوا إنتوا شي سالفة، وبعدين ممكن أعلق عليها، وممكن إبقى ساكت، لكني اليوم حاسس إنه "أبو الجود" بدو يكذب علينا كذبة كبيرة، منشان هيك حبيت إني أتدخل وإقطع عليه الطريق.. أبوي الله يرحمه كان يقلي يا إبني دير بالك، ترى الكذب بيقطع الرزق.

قال أبو الجود: كلام أبوك صحيح مية بالمية، أنا فعلاً بكذب، منشان هيك رزقي مقطوع، وطول عمري ما لقيت في جيبي خمسين ليرة، ودفتر الدين تبعي على طول مليان. وعلى فكرة، كان عندي صديق اسمه "محمد عبد الحي"، كان يستلف مصاري كتير من الناس، يعني متلي، وفاتح دفتر مسجّل فيه الديون بحسب تواريخها.. وعنده قاعدة ذهبية بتقول إنه الواحد لما بيوفّي ديونه لازم يبدا من الديون القديمة، يعني أول شي لازم يدفع الديون اللي مضى عليها أكتر من سنتين، وبعدها بيوفّي الديون الأحدث فالأحدث.. بس أنا خالفته بالرأي.

قال كمال وقد أعجبته نوعية الحديث: خالفتُه؟ ليش إنته أشو رأيك؟


قال أبو الجود: رأيي إنه الدين اللي مضى عليه أكتر من سنتين لازم ينشطبْ، وما يتسدد أبداً، لأنه أكيد صاحبه مرتاح، لو كان متضايق بتلاقيه كل يوم عم يدق عليك الباب ويبلش صراخ ومسبات ويقول: عيب عليك، ديون الناس في قلبك وإنته قاعد ومبسوط ولا على بالك! أنا مرة من المرات كنت عم أنَضّف غرفة أمين الشعبة، لقيت إنه واحد من الضيوف ناسي علبة سجاير (KENT) على الطاولة، أنا فوراً حطيتها بجيبي، لأني القاعدة الذهبية تبعي بتقول إنه الشي اللي بتلاقيه في أي مكان بيصير ملكك، وخاصة الأشياء المنقولة، متل علبة دخان، قداحة، خمس ليرات، كيس برتقان، حبة شوكولاته.. ومرة لقيت كيس في بقلبه سند تمليك منزل، ففكرت آخده وأروح ع مديرية المصالح العقارية وأسجل المنزل على اسمي، بعدين تذكرت إنه نقل الملكية بيحتاج لحضور المالك الأصلي قدام القاضي العقاري ولازم يقول للقاضي إنه متنازل عن العقاري ويمضي ويبصم، ولما تأكدت إنه ما إلي نفع بهالشغلة رحت لعند معلمنا وقلت له: أنا لقيت هالسند، وضميري صار يعذبني.. لازم نرجعه لصاحبه، فقال لي المعلم: برافو عليك يا أبو الجود إنته إنسان أمين!

المهم، يوميتها رحت ع الضيعة، وقعدت عند باب دكان ابن عمي سليم، وطلعت علبة سجاير الـ (KENT)، وتقصدت أخلي كل الموجودين يشوفوا العلبة الفاخرة.. وشعلت سيجارة، وصرت أدخن وأطلع الدخان من مناخيري، وما أشوف غير واحد اسمه "أبو أحمد" أجا من وراي، ومسك إيدي ورفعها لفوق وصار يقول للناس: شايفين هادا الواطي أبو الجود، ديون الناس عم تخبط في قلبه وهوي عم يشتري سجاير (KENT)، أبو الجود ابن أبو جواد المأنشح ما بيدخن غير أميركاني! ومد إيده على جيبي وطلع العلبة وصار يشقشقها قدام الناس، ويبربر ويقول: ديروا بالكم يا جماعة لا حدا يعمل خير. علي الطلاق هادا الحقير أبو الجود رباني وحرمني أعمل خير وأعطي سلفة لحدا. ومسك شفاتيري وقال لي: عم تشرب (KENT) يا كلب؟ وبعد هاي الحادثة صار كل يوم يدق باب داري ويصيح وينه الكلب أبو الكنت؟ وخلال تلات أيام كنت بايع الطنجرة اللي أم الجود بتعمل فيها محاشي ورجعت له المصاري تبعه. قلت لأم الجود: الطنجرة بالأساس ما لها لزوم، لإني نحن من وين بدنا نجيب تمن قرع وكوسا وباتنجان ولحمة لنعمل محشي؟

قال أبو ابراهيم: ترى إنتوا ضيعتونا. أبو جهاد كان بده يقطع الطريق على أبو الجود لأنه حس إنه بده يكذب علينا. بس ما عرفنا أبو جهاد من وين أجاه الإحساس إنه أبو الجود بده يكذب؟

قال أبو جهاد: حكى لنا أبو الجود إنه قائد الشرطة الرفيق أبو عزام صار صديقه، وإنهم صاروا يلعبوا شدة سَوَا، وأبو عزام كل يوم بيوصله ع الضيعة بسيارته. وآخر شي اتفقوا إنه ياخدوا موتوسيكلات مصادرة ويبيعوها ويربحوا مصاري بلا تعب. بهالحالة لازم تكون أحوال أبو الجود المادية تحسنت، وهادا كذب، لأنه بعمرها أحواله ما تحسنت. أنا بعرفه متلما بعرف حالي.

قال أبو الجود: أخونا أبو جهاد دقيق الملاحظة، لكن هوي ما روى القصة بشكل صحيح. أنا حكيت للعميد أبو عزام إني أخدت الموتوسيكل المصادر وبعته، وعشنا أنا ومرتي وولادي كم يوم ظراف، لأني يوميتها أنا صرت أكرم من حاتم الطائي. وأبو عزام عجبته الفكرة، وصار يفكر إنه هوي قاعد على كنز ومو منتبه. أنا سألته بوقتها: بأيش عم تفكر؟ فقال لي: عم فكر إني إستفيد من هالشغلة.

قلت له: شلون؟

قال لي: الشغلة بسيطة، نحن منصادر الموتوسيكلات ومنحطها في كراج الحجز، وأنا بعطي لواحد من الناس اللي بوثق فيهم ورقة (استثناء)، بياخدها وبيروح ع الكراج، بيستلم موتوسيكل وبيطلع، وبيبيعه، وبيجيب لي تمنه وبيقلي: تفضل يا معلم. وأنا بعطيه نسبة من تمنه. يعني إذا باعه بخمسة وعشرين ألف خلي هوي ياخد خمسة آلاف وأنا باخد عشرين ألف. وهادا الموتوسيكل بيصير طليق وما حدا بيعرف إني نحن صادرناه وأطلقنا سراحه لأنه هوي بالأصل مهرب، ما إله قيود ولا نمرة.

قلت له: طيب سيدي، أنا جاهز لكل شي.

لما قلت له هيك ضحك ضحكة خلت السيارة كلها ترجّ، ولولا ستر الله كنا تدهورنا، بعدين صف السيارة على يمين الطريق وقال:
- بتعرف إذا بشاركك يا منحوس شو بيصير؟ الله وكيلك من أول موتوسيكل منبيعه بيجينا تفتيش من الشام وبيكمشونا بالجرم المشهود. في حدا براسه عقل بيشارك إنسان منحوس؟!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...