هزليات السياسة الأسدية (18)

08 يناير 2020
+ الخط -
وَرَدَتْ إلى مجموعة الواتس أبّ التي ضمت مجموعةَ الأصدقاء الذين يحضرون جلسات "الإمتاع والمؤانسة" رسالةٌ من الأستاذ كمال يقول فيها: ذَكّرُوني في السهرة حتى أحكي لكم عن عضو مجلس الشعب الأهبل المدعو نديم شَفَلَّحْ.

حينما التقينا مساءً في منزل الصديق "أبو ماهر" قال أبو إبراهيم:
- بعتقدْ إنه الأستاذْ كمالْ راحْ يحكي لنا حكاية منعرفْها. لأن عضو مجلس الشعب نديم شَفَلَّحْ لما حكى عن ضرورة التصدي للإرهابيين بالطبلْ، والزمرْ، والدبكة على أنغام ميج يابو الميج يابو الميجانا.. في ناسْ صوروه، ونَزَّلُوا الفيديو تبعه على اليوتيوب، وأجوا بعدينْ الناشطينْ تَبَعْ الفيسبوكْ وطَرَشُوا الفيديو على معظم الصفحاتْ، وعملوه مضحكة ومسخرة للي بيسوى واللي ما بيسوى. وبالمناسبة نديم شَفَلَّحْ بيستخدم كلمة (الإرهابيون) في حالات الرفع والنصب والجر. وبيقول: يجب علينا أن نتصدى للإرهابيون. أنا أكرهُ الإرهابيون!

قال أبو ماهر: اللي صوروه ونشروا فيدوهاته ما عملوه مضحكة ومسخرة، هوي مضحكة ومسخرة من المعمل تبعه، يعني من الوكالة.


قلت مخاطباً "أبو ماهر": كلامك صحيح يا أخي أبو ماهر، نعم، هوي نصف أجدب، وبالأصحّْ مسطولْ خلقة الله. لاكنْ إنته بتعرفْ هالإنسان الأجدب المسطول قديش معه مصاري؟

كان أبو الجود متكئاً فاستوى جالساً وقال:
- مصاري؟ إنته أشو عم تحكي يا أبو مرداس؟ هادا نديم شَفَلَّحْ اللي بيبقى بنطرونه زاحل، وقميصه مفتوح من تحت، ولما بيحكي بيظهر وكأنه ممغوص، معه مصاري كتير؟
قلت: نعم سيدي معه. والحقيقة أنا ما بعرف شقد معه بالضبط، بس خلينا نقول معه ملايين الدولارات، وإذا كان القياسْ بالليرة السورية فيني أقلك إنه معه عشراتْ الملياراتْ من الليرات.
قال أبو الجود: أنا نصف أجدبْ ومسطول أكترْ منه، ومع هيك إذا بتفرمني ع الفرامة، وبتدقّني في جرنْ الكبّة متل هبرة الخاروف ما بتلاقي معي ألف ليرة سورية. بقى مليارات؟

قال أبو جهاد: خلينا نميّز بين واحد نص أجدبْ ومسطول ومحظوط متل نديم شَفَلَّحْ، ونصف أجدب ومسطول لاكنْ منحوس، متلك إنته يا أبو الجود، يا ملك المناحيس.

قال كمال: أنا ما راحْ أعيدْ عليكم الكلامْ اللي قالُه نديم شَفَلَّحْ في مجلس الشعب. كنت مفكّرْ إني إحكي لكم قصته من بدايتها.

قال أبو محمد: هادا هوي المطلوب. يعني بدك تحكي لنا شي ما منعرفُه.

قال كمال: نعم. هادا يا سيدي نديم شَفَلَّحْ من مواليد مدينة حلب، كان عايش في حارة شعبية اسمها (الجورة)، وكان والدُه إنسانْ فقير ومعيلْ، عندُه شي ست صبيان وخمس بنات، وأمه وأبوه عايشين معه في نفس الحوش (الدار).. ولحتى يتغلبْ المرحوم والدُه على ظروف الحياة الصعبة أجبر كل واحد من أولاده الصبيان على الشغل بصفة أجير عند واحد من المعلمين تبع المهن الحرة، والبنات صاروا يشتغلوا بالخياطة، والأم كانت تقوم بشؤون البيت. وبالنسبة لنديم طلع نصيبه إنه يشتغل أجيرْ عندْ صاحبْ محلّْ سندويتش في "عَبَّارة الأوقاف"، واشترى له أبوه موتوسيكلْ ماركة فيسبا، وصار يوصّلْ سندويش السجق والبسطرمة والكبة والخاروف على الموتوسيكل للزباينْ، وعلى حسب ما حكوا لي رفقاتُه إنه من هديكه الأيام بيكرهْ (الإرهابيون)، ولما كان معلمه يعطيه أمر بأن يوصل سندويشة لواحد من الإرهابيون كان يتلجلجْ ويماطلْ ويعملْ متل التغلبي اللي بيقول عنه الشاعرْ جرير:
والتغلبيُّ إذا تنحنحَ للقِرى
حكَّ استَه وتَمَثَّلَ الأمثالاَ

ولما كان معلمه يشوفُه عم يتلجلج ويحك استه كان يغضب منه، ويليحُه بالكف ويقول له:
- تضرب في شكلك، يا نديم شَفَلَّحْ، شكل التيسْ، ولاكْ يا بهيم يا طَشَنة، أنا بعرف أنك بتكره الإرهابيون، ولكن هادا الشغلْ تبعنا بابْ رزقْ، فإذا واحدْ ما بدنا نبيعُه صندويش لأنه بعثي، وواحد ناصري، وواحد ديمئراطي، وواحد من الإرهابيون، معناتها منسكّرْ الدكانة ومنروح منبركْ ع بابْ جامعْ سيدي زكريا جنب القلعة ومنمدّْ قدامنا خرقة ومنقول (لله يا محسنين، كرامة للرسول عطونا شي من مال الله)، يا إما منطلع صباحية العيد ع التربة (المقبرة)، ومنمشي بين القبورْ ومنشحدْ من الناس اللي بيطلعوا ليعيدوا الأموات.. المهم، بطل حكايتنا نديم شَفَلَّحْ، بعدما كان يجيه الكفّ من معلمه على خلقته كان يركب موتوسيكل الفيسبا ويوصّلْ الصندويشة للإرهابي، وبعد ما يناوله إياها كان يقله في قلبه: إن شاء الله بتاكل سليماني وسم السقطلي اللي بيهري مصارينك يا إرهابي الكلب!

قال أبو جهاد: يعني كمان نفسه ذليلة.

قال كمال: طبعاً. وأنا بصراحة ما بعرف كيف طلع من هالوحلة (الطابوسة) اللي كان واقع فيها، لأنه اللي بيشوفُه بهديكه الأيام كان يقول لحاله إنه هادا الإنسان ميئوس منه. هون أنا بدي أوضح شغلة. وهيي إنه اللي بيبدا حياته العَمَلية صانعْ أو أجيرْ عند معلم، بيوصَلْ في النهاية إلى إنه يصير عنده محل أو دكان، ويصير هوي المعلم، وبيصير عنده عمال وصناع.. أما اللي بيشوف نديم شَفَلَّحْ فكان يقول: الله أعلم إنه هالولد قد ما كبر راح يبقى أجير وصانع بالمياومة وبيوصل سندويش على موتوسيكل الفيسبا.. والسبب هوي الغباء الشديد اللي بيتمتع فيه.

قال أبو الجود: أستاذ كمال إنته عم تزيد حيرتي، وأنا لولا الحيا لإمشي في شوارع إسطنبول وإحكي مع حالي متل المجانين. يا أخي إذا نديم شَفَلَّحْ عندُه كل هالغباء وكل هالجحشنة شلون صار معه ملايين ومليارات؟ وشلون صار عضو مجلس الشعب؟

قال كمال: الحكاية تبعه إلها علاقة بالسندويش وبالطبل والزمر و(الإرهابيون)، هلق بعدما نتناول العشا بمعيتك بحكي لك إياها بالتفصيل الممل.

(للحكاية بقية)
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...