02 سبتمبر 2024
هزليات السياسة الأسدية (17)
روى الأستاذ كمال، خلال السهرات السابقة، سلسلةً من الحكايات الطريفة، نقلها لنا، كما قال، عن سيدة حلبية ظريفة اسمها أم أيمن، فقدت زوجَها الظريفَ الفكه على أثر لعبة مخابراتية قذرة، إذ استخدموه كما لو أنه "الطُعْم" في عملية مداهمة لمنزل تختبئ فيه مجموعة من تنظيم الطليعة المقاتلة، فقُتل أثناء العملية دون أي ذنب. وقد حصل ذلك بعدما سجنوه عشرين يوماً بتهمة سخيفة هي أنه تقاعس عن القيام بواجبه القومي، إذ لم يهرع إلى مركز الاستفتاء ليقول نعم لحافيييظ، وسجلوا، بعد ذلك، في إضبارته عبارة "حيادي سلبي".
قال أبو زاهر: سجلوه حيادي سلبي؟ إن شا الله رَبّْنَا يسجلْهُمْ عندُه من الأشقياءْ. يا أخي مفهومْ "الحيادي" في الأساس معناه إنه الإنسانْ بيكون بعيدْ عن الانخراطْ في أي قضية، يعني لا هو إيجابي، ولا سلبي. بقى شلون ركب معهم اصطلاح "حيادي سلبي"؟ وزفر زفرة طويلة وقال: والله العظيم أنا كلما بتأملْ بحقارة نظامْ الأسدْ بحس إنه عقلي بده يطقّْ، وإني ممكنْ إطلع عالصآء وأنا شايلْ راديو متل المجنون "أبو الكيلة" اللي عرفتُه إدلب في الستينات.
قال أبو ماهر الحموي: مجنونْ وبيشيلْ راديو؟ إنتوا أهلْ إدلب الحكايات تبعكم عن جد غريبة.
قال أبو زاهر: كلامك صحيح أخي أبو ماهر. لاكن الحكايات الغريبة ممكن تنوجد في كل مكان، مو بس في إدلب. المهم، الراديو أولْ ما دَخَلْ عَ بلادنا كان يشتغلْ ع الكهربا. لذلكْ ما كنتْ تلاقي حدا عندُه راديو غير الأغنياء "الآغوات"، لأنهم كانوا يشتركوا بالكهربا اللي كانت تبيعها شركاتْ قطاعْ خاصّْ. وكان حجم الراديو كبير، يعني بيطلع بحجم التلفزيون 17 بوصة اللي عرفناه بوقتْ لاحقْ. لاكن بعد فترة اخترعْ الغرب راديو أزغر شوي، وبيشتغل عالبطاريات. بتفتح الراديو من الخلف وبتحط فيه أربع بطاريات كبار، وبتشغله بيشتغل. وهاد صاحبنا المجنون "أبو الكيلة" كان مولع بالراديو من الأساسْ، طولْ النهارْ بتلاقيه راكضْ عَ مضافات الأغوات، بيدخل عالمضافة، ومن دونْ ما يسلّمْ ع الموجودين بيروحْ لعند الراديو، وبيلزقْ إدنُه في مكان خروج الصوت (الهَابِّرْيُون)، وبيصغي، فإذا كان الراديو عم يبث أغنية بتلاقيه عم يهز راسه وبيتمايلْ من شدة الطرب، وإذا عم يبثّْ أخبارْ بتلاقيه صافنْ، وساهمْ، وآخدْ وضعية المفكرْ المتأملْ، وفي لحظة من اللحظات وهوي عم يسمع النشرة الإخبارية بيقول: أي هه. هلق فهمنا شي. وبيترك المضافة وبيطلعْ رَكْضْ من دون ما يسلم، والناس اللي قاعدين في المضافة بيفرطوا من الضحك.
قال أبو محمد: وأيش صار مع أبو الكيلة لما اخترعوا راديو ع البطارية؟
قال أبو زاهر: الحقيقة إنه أبو الكيلة مجنون من النوع الهادئ اللي ما بيضرُبْ ولا بيسب، ولا بيئذي، لاكن لما شافْ الراديو اللي بيشتغل ع البطارية زادتْ عندُه نسبة الجنون، ورَكَضْ ع بيت أمه وأبوه، ومن دون ما يسلّمْ عليهم طلعْ على الأريكة "الصوفاية" ورفع إيده حتى وصل للرف اللي بتحطّْ عليه والدتُه صحون زجاجية، شالْ صحن وطبشه بالأرض، فانكسر وصار مسحوق زجاجي. وقبلما يمد إيده وينزّلْ الصحنْ التاني حتى يكسره مسكه أبوه وقال له: وَقّفْ وَقّفْ، لا عادْ تكسر شي. قلي لأشوف، أشو بدك؟ بتحب نجوزك؟ فضحك أبو الكيلة وقال لوالده: بدك تجوزني؟ طيط! ومين هالمجنونة اللي بتقبل تتجوزني وهيي بتعرفني مجنون مهسترْ؟ قالت له أمه اللي زعلت كتير ع الصحن المكسور: أكيد ما في عاقلة ولا مجنونة بترضى تتجوزك. منعرف هالشي. لاكن بتحسن تفهمني ليش كسرت الصحن؟
قال أبو الكيلة: بدي راديو.
علق كمال على الحادثة قائلاً: واضح إنه الجنون تبع أبو الكيلة عقلاني. إذا اشتروا لُه راديو بيتوقف عن التكسيرْ.
قال أبو زاهر: وهادا اللي صار، ومن يومها كانوا الناس يشوفوا أبو الكيلة ماشي في الشوارع، وساند الراديو على كتفه، بحيث يجي الهابريون على إدنُه، وصافنْ، وعم يهز راسه... وهلق، وحتى ما تقولوا إني أنا دخلتكم بمتاهة، راحْ أذَكّرْكُمْ إني جبت سيرة أبو الكيلة وأنا عم أعقب على حكاية السيدة أم أيمن اللي سجلوا جوزها "حيادي سلبي" وقتلوه بدون ذنب، متلما هالنظام المجرم قَتَلْ ناسْ كتيرين، ولَوَّعْ ناس كتيرينْ بدون ذنب.
قال أبو جهاد: كويس إنك رجعتنا لسيرة أم أيمن. تفضل أستاذ كمال.
قال كمال: وبعد ما مضي شي خمسطعش سنة على مقتل أبو أيمن، استعادتْ أم أيمنْ حيوتها، وصارتْ تمزح وتنكت وتعمل مقالب بالآخرين، متلْما كانتْ تعملْ لما كان زوجْها على قيد الحياة. ولما صار استفتاء جديد لحافظ الأسد عملت مقلب لازم يتسجل في التاريخ على قد ما هوي جميل.
قال أبو محمد: بالله؟ أيش عملت؟
قال كمال: مع أنها كانت متجاوزة سن الستين، تمكيجت، ولبست أحلى تياب عندها، ولفت على كتافها شال متل شال رندلى اللي كتب لها سعيد عقل أجمل القصائد، وراحتْ ع مركز الاستفتاء، وقالت لأعضاء اللجنة:
قال أبو زاهر: سجلوه حيادي سلبي؟ إن شا الله رَبّْنَا يسجلْهُمْ عندُه من الأشقياءْ. يا أخي مفهومْ "الحيادي" في الأساس معناه إنه الإنسانْ بيكون بعيدْ عن الانخراطْ في أي قضية، يعني لا هو إيجابي، ولا سلبي. بقى شلون ركب معهم اصطلاح "حيادي سلبي"؟ وزفر زفرة طويلة وقال: والله العظيم أنا كلما بتأملْ بحقارة نظامْ الأسدْ بحس إنه عقلي بده يطقّْ، وإني ممكنْ إطلع عالصآء وأنا شايلْ راديو متل المجنون "أبو الكيلة" اللي عرفتُه إدلب في الستينات.
قال أبو ماهر الحموي: مجنونْ وبيشيلْ راديو؟ إنتوا أهلْ إدلب الحكايات تبعكم عن جد غريبة.
قال أبو زاهر: كلامك صحيح أخي أبو ماهر. لاكن الحكايات الغريبة ممكن تنوجد في كل مكان، مو بس في إدلب. المهم، الراديو أولْ ما دَخَلْ عَ بلادنا كان يشتغلْ ع الكهربا. لذلكْ ما كنتْ تلاقي حدا عندُه راديو غير الأغنياء "الآغوات"، لأنهم كانوا يشتركوا بالكهربا اللي كانت تبيعها شركاتْ قطاعْ خاصّْ. وكان حجم الراديو كبير، يعني بيطلع بحجم التلفزيون 17 بوصة اللي عرفناه بوقتْ لاحقْ. لاكن بعد فترة اخترعْ الغرب راديو أزغر شوي، وبيشتغل عالبطاريات. بتفتح الراديو من الخلف وبتحط فيه أربع بطاريات كبار، وبتشغله بيشتغل. وهاد صاحبنا المجنون "أبو الكيلة" كان مولع بالراديو من الأساسْ، طولْ النهارْ بتلاقيه راكضْ عَ مضافات الأغوات، بيدخل عالمضافة، ومن دونْ ما يسلّمْ ع الموجودين بيروحْ لعند الراديو، وبيلزقْ إدنُه في مكان خروج الصوت (الهَابِّرْيُون)، وبيصغي، فإذا كان الراديو عم يبث أغنية بتلاقيه عم يهز راسه وبيتمايلْ من شدة الطرب، وإذا عم يبثّْ أخبارْ بتلاقيه صافنْ، وساهمْ، وآخدْ وضعية المفكرْ المتأملْ، وفي لحظة من اللحظات وهوي عم يسمع النشرة الإخبارية بيقول: أي هه. هلق فهمنا شي. وبيترك المضافة وبيطلعْ رَكْضْ من دون ما يسلم، والناس اللي قاعدين في المضافة بيفرطوا من الضحك.
قال أبو محمد: وأيش صار مع أبو الكيلة لما اخترعوا راديو ع البطارية؟
قال أبو زاهر: الحقيقة إنه أبو الكيلة مجنون من النوع الهادئ اللي ما بيضرُبْ ولا بيسب، ولا بيئذي، لاكن لما شافْ الراديو اللي بيشتغل ع البطارية زادتْ عندُه نسبة الجنون، ورَكَضْ ع بيت أمه وأبوه، ومن دون ما يسلّمْ عليهم طلعْ على الأريكة "الصوفاية" ورفع إيده حتى وصل للرف اللي بتحطّْ عليه والدتُه صحون زجاجية، شالْ صحن وطبشه بالأرض، فانكسر وصار مسحوق زجاجي. وقبلما يمد إيده وينزّلْ الصحنْ التاني حتى يكسره مسكه أبوه وقال له: وَقّفْ وَقّفْ، لا عادْ تكسر شي. قلي لأشوف، أشو بدك؟ بتحب نجوزك؟ فضحك أبو الكيلة وقال لوالده: بدك تجوزني؟ طيط! ومين هالمجنونة اللي بتقبل تتجوزني وهيي بتعرفني مجنون مهسترْ؟ قالت له أمه اللي زعلت كتير ع الصحن المكسور: أكيد ما في عاقلة ولا مجنونة بترضى تتجوزك. منعرف هالشي. لاكن بتحسن تفهمني ليش كسرت الصحن؟
قال أبو الكيلة: بدي راديو.
علق كمال على الحادثة قائلاً: واضح إنه الجنون تبع أبو الكيلة عقلاني. إذا اشتروا لُه راديو بيتوقف عن التكسيرْ.
قال أبو زاهر: وهادا اللي صار، ومن يومها كانوا الناس يشوفوا أبو الكيلة ماشي في الشوارع، وساند الراديو على كتفه، بحيث يجي الهابريون على إدنُه، وصافنْ، وعم يهز راسه... وهلق، وحتى ما تقولوا إني أنا دخلتكم بمتاهة، راحْ أذَكّرْكُمْ إني جبت سيرة أبو الكيلة وأنا عم أعقب على حكاية السيدة أم أيمن اللي سجلوا جوزها "حيادي سلبي" وقتلوه بدون ذنب، متلما هالنظام المجرم قَتَلْ ناسْ كتيرين، ولَوَّعْ ناس كتيرينْ بدون ذنب.
قال أبو جهاد: كويس إنك رجعتنا لسيرة أم أيمن. تفضل أستاذ كمال.
قال كمال: وبعد ما مضي شي خمسطعش سنة على مقتل أبو أيمن، استعادتْ أم أيمنْ حيوتها، وصارتْ تمزح وتنكت وتعمل مقالب بالآخرين، متلْما كانتْ تعملْ لما كان زوجْها على قيد الحياة. ولما صار استفتاء جديد لحافظ الأسد عملت مقلب لازم يتسجل في التاريخ على قد ما هوي جميل.
قال أبو محمد: بالله؟ أيش عملت؟
قال كمال: مع أنها كانت متجاوزة سن الستين، تمكيجت، ولبست أحلى تياب عندها، ولفت على كتافها شال متل شال رندلى اللي كتب لها سعيد عقل أجمل القصائد، وراحتْ ع مركز الاستفتاء، وقالت لأعضاء اللجنة:
- مرحبا يا شباب. أنا بدي إنتخبْ، عني وعن زوجي أبو أيمن الله يرحمه.
ضحك رئيس المركز وقال لها: يا أختي إشبك؟ عم تقولي الله يرحمه، شلون بدك تنتخبي عنه؟
قالت: أنا بعرف إنه الانتخاب ما بيصيرْ للأمواتْ، بس هاي وصيتُه يا عين خالتك، واللي بيكون مأمَّن على وصية وما بينفذها ربنا بيقصف عمره. بتريد إنته إنه ربنا يقصف عمري؟
قال: لا والله يا خالتي. بعيد الشر عنك.
قالت: جوزي أبو أيمن، الله يرحم أمواتك ويرحمه، كتير كان مبسوط بالعيشة في هالبلاد اللي رئيسها حافييظ.. ولما كان على فراش الموتْ حَطّ إيدُه على راسي وقال لي: أمانة برقبتك يا أم أيمن، إذا هالزلمة رَشَّحْ حالُه مرة للرئاسة بتروحي على مركز الاستفتاء وبتنتخبيه، عنك وعني!! حتى بالأمارة قال لي: ولولا بعرفك بتخافي من منظر الدم كنت قلت لك انتخبيه بالدم! وتمتمت بينها وبين نفسها (الله يحرق نفسه ويغمق له).. قال رئيس اللجنة: عفواً شو قلتي؟
قالت: الله يرحمه ويسامحه. قصدي أبو أيمن زينة الرجال.
ضحك رئيس المركز وقال لها: يا أختي إشبك؟ عم تقولي الله يرحمه، شلون بدك تنتخبي عنه؟
قالت: أنا بعرف إنه الانتخاب ما بيصيرْ للأمواتْ، بس هاي وصيتُه يا عين خالتك، واللي بيكون مأمَّن على وصية وما بينفذها ربنا بيقصف عمره. بتريد إنته إنه ربنا يقصف عمري؟
قال: لا والله يا خالتي. بعيد الشر عنك.
قالت: جوزي أبو أيمن، الله يرحم أمواتك ويرحمه، كتير كان مبسوط بالعيشة في هالبلاد اللي رئيسها حافييظ.. ولما كان على فراش الموتْ حَطّ إيدُه على راسي وقال لي: أمانة برقبتك يا أم أيمن، إذا هالزلمة رَشَّحْ حالُه مرة للرئاسة بتروحي على مركز الاستفتاء وبتنتخبيه، عنك وعني!! حتى بالأمارة قال لي: ولولا بعرفك بتخافي من منظر الدم كنت قلت لك انتخبيه بالدم! وتمتمت بينها وبين نفسها (الله يحرق نفسه ويغمق له).. قال رئيس اللجنة: عفواً شو قلتي؟
قالت: الله يرحمه ويسامحه. قصدي أبو أيمن زينة الرجال.