هزليات السياسة الأسدية (13)

29 ديسمبر 2019
+ الخط -
الحكاية التي رواها الأستاذ كمال عن الرجل الحلبي "أبو أيمن" الذي يعمل في صَبِّ البيتون كانت أكثر من رائعة. أبهرتنا تفاصيلُ الحوار الذي دار بين "أبو أيمن" وضابط الأمن الذي التقاه بعد عشرين يوماً من الاعتقال بغية إطلاق سراحه، وطلب منه كتابة تقارير بحق رفاقه وأهل حارته وعماله، تكفيراً عن تقصيره في الذهاب إلى مركز الاستفتاء والإدلاء بصوته لـ حافيييظ الأسد"، فتملص أبو أيمن من هذا العمل المخجل بذكاء عندما أفهمه أنه لا يجيد عملاً غير صب البيتون، ويخشى أن يكتب تقارير ويسبب للوطن، بسبب جهله، مشاكل هو في غنى عنها.  

قال أبو زاهر: على كلْ حالْ عَدَمْ ذهابْ الرجلْ لمركزْ الاستفتاءْ أهونْ بكتير من الاحتمالاتْ التانية.

قال أبو محمد: أشو هالحكي اللي عم تحكيه يا أبو زاهر؟ الزلمة ما ارتكبْ أي ذنبْ أو جريمة، ويمكنْ يكونْ نسي إنُّه في استفتاءْ في البلدْ، أو يمكنْ في الأساسْ ما عنده خبرْ بكل هالشغلة، ومع هيك حبسوه عشرين يوم، وأذلوه، وأهانوه، وطلبوا منه يصير مُخْبِرْ، ولسه بتقلي إنه في احتمالات تانية؟

قال أبو زاهر: طبعاً، وبأكدْ لك إنه الاحتمالات التانية كلها أصعبْ من يلي صار مع أبو أيمن. طيب أيش رأيك لو كان أبو أيمن راحْ عَ المركزْ وكَتَبْ عَ ورقة الاستفتاءْ (غير موافق) على حافيييظ الأاسد؟ 

قال أبو ماهر: غريبْ هادا الاحتمالْ. على علمي إنه ما كانْ في بسورية ناسْ بيسترجوا يروحوا عَ مركز الاستفتاء ويكتبوا (غير موافق)..

قال أبو زاهر: مبلى في. والدليل إنه نتيجة الاستفتاء ولا مرة طلعت 100%. دائماً كانت تطلع 99% وكسور. يعني من كل مئة شخص، أو من كل ألفْ شخصْ، في واحد بيسترجي يكتب إنه هوي غير موافق على إنه يصير حافيييظ رئيس لسورية!   

قال أبو ماهر: شو هالجرأة الغريبة؟ هيك بيكتب "غير موافق" علناً؟

قال أبو زاهر: اللي بيكتبْها علناً بيكونْ انتحاري طبعاً. وهادا بيتمّ اعتقالُه أثناءْ مغادرتُه مركزْ الاستفتاءْ دونْ ترددْ أو تأخيرْ. وطبعاً ما حدا من المخابرات مستعدّ يضيّعْ وقتُه ويحبسه عشرين يوم متلما عملوا مع أبو أيمن.. شو عشرين يوم يا زلمة؟! أصلاً هادا مو اعتقال. هادا اسمه "شَدّة إدن". بعدين الأستاذ كمال عم يقول إنه الست أم أيمن هيي اللي روتْ لُه القصة والتفاصيلْ، يعني كانت بتعرف وين كان زوجها، وبتعرف أيشْ صارْ معه، وممكنْ تكونْ حطت له واسطة لحتى أخلوا سبيله. أما اللي بيدخلْ على مركز الاستفتاء، وبيظهِرْ العين الحَمْرَا، وبيكتب "غير موافق" عينك عينك هادا وضعه مختلف، ولما بيعتقلوه بيصير خارج نطاق الخدمة، أو في خبرْ كانَ على قولة الفنان نجيب الريحاني.. ما حدا بيعرفْ وين دخلْ، ولا من وين طلعْ، ولا وين صارْ، ولا قديش بده يطوّلْ جوة، ولا حدا بيعرفْ إذا كان بده يطلع من المعتقل في يوم من الأيام ولا راح يبقى مسجون مدى الحياة، ويا ترى راحْ يبقى عايشْ ولا راح يصفّوه؟..

قال أبو محمد: بتعرف؟ أنا بعمري ما رحتْ على هاي الأماكن، والحمد لله إنه رغم هالشي ما صارْ معي متلما صارْ مع هادا أبو أيمن. بس أنا حاببْ تجاوبوني على هالسؤال: هلق إذا الواحدْ ما قالْ (غير موافقْ) علناً، كيف ممكن يقولْها لكانْ؟

قال أبو زاهر: يا سيدي، أول شي ممكنْ الواحدْ يقول (غير موافق) عن جهل وقلة خبرة. صارتْ في بعض مراكز الاستفتاء بعضْ الحالاتْ اللي فيها التباسْ، مثلاً، بيدخلْ مواطنْ وبيوقّفْ قدامْ اللجنة، وبيشطُبْ عبارة "غير موافق" المكتوبة ضمن الدائرة السودا.. بيشطبها لأنه بيعتقد إنه لازم يشطب العبارة الزائدة، وبيقولْ لواحدْ من الموظفين: مو هيك صح أستاذ؟ ولأنه الموظفين تَبَعْ المراكزْ أغلبْهم من أهلْ البلدْ الأوادمْ، كانوا يخافوا إنه ما ينتبهوا عناصر مفرزة الأمن ويتعرضْ هالإنسانْ الغشيم للبهدلة والإهانة، منشان هيك كانوا يقولوا لُه: الله يصلحك على هالغلطْ، إنته لازم تحط إشارة بالقلم فوق الدائرة الخضرا، مو فوق الدائرة السودا.. ومن أجل تسوية الموضوع بيشقوا الورقة المضروبة وبيعطوه وحدة جديدة حتى يصلح غلطه.. بعد فترة، قصدي بعد تجربتين استفتاء أو تلاتة، صار المواطن يدخل عالمركز ويوقف على بُعد أمتار من الصندوق وبيقول للموظف: زكاة عافيتك أبو الشباب طب لي ورقة "موافق" بهالصندوق.. بيرد عليه الموظف: تكرم عينك يا حجي مية ورقة موافق تخدم شواربك مع حبة مسك.. هيك بيكون المواطن أخلى مسؤوليته، وما وقع بأي خطأ ممكن يوصله للاعتقالْ. وفي يوم من الأيام اخترعت منظمة اتحاد شبيبة الثورة طريقة "الاستفتاء بالدَبُّوس"، فكان يدخل العنصر الشبيبي عَ المركز، وياخد الدبوسْ ويبعجْ إبهامْ إيدُه، ويخلّي الدم ينقط فوق الدائرة الخضرا، على أساس أن الشبيبة تبايع حافيييظ بالدم، وكانوا يكتبوها في اللافتات اللي يشيلوها في المظاهرات (نبايعك بالدم يا قائد المسيرة).. ومرة أنا شفت لافتة مكتوب عليها (نبايعك بالدم.. مؤسسة نقل الدم).. وممكن واحد من المواطنين يدخل عَ الغرفة السرية وينتخب. هادا الرجل بيصير فوراً موضعْ شبهة، وعناصر مفرزة الأمن بيحطوا احتمال 100% إنه هالرجل غير موافق على إنه يصير حافييظ رئيسْ. وبالمناسبة، أنا بعرف قصة عن شخص دخل ع الغرفة السرية وصارت معه قصة حلوة. ذكروني شي مرة لإحكي لكم إياها.

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...