02 سبتمبر 2024
هزليات السياسة الأسدية (11)
في مستهل جلسة "الإمتاع والمؤانسة" التي انعقدت في منزل العم أبو محمد، حكى لنا الأستاذ كمال حكاية لا تقل روعة وغرابة عن حكاية الأستاذ نزار (الذي دفع رشوة محرزة حتى ضموا اسمه إلى قائمة الجبهة الوطنية التقدمية ثم أصبح عضواً في مجلس الشعب على نحو تلقائي).
قال كمال إن أحداث حكايته جرتْ في مدينة حلب، خلال أحداث الثمانينيات، حيث أعلن النظام بدء عمليات المطاردة لجماعة الإخوان المسلمين، وأوعز إلى مجلس الشعب ليصدر القانون 49 الذي يحكم على كل منتسب لتنظيم الإخوان بالإعدام.
أعلمنا أن راوية الحكاية هي امرأة تدعى "أم أيمن"، كانت تعيش مع زوجها بسلام، في حي شعبي فقير، وكانا، هي وزوجها المرحوم أبو أيمن، يحبان المزاح والضحك والمرح، وكان أبو أيمن يتبنى في حياته فلسفة ذكية، وهي أن الإنسان مهما طال عمره، حتى ولو تجاوز المئة سنة، سيعض على لسانه، في المحصلة، ويموت، ولا عودة له بعد ذلك إلى الحياة البَتَّةَ.
كان أبو أيمن يعمل بصفة معلم نجار بيتون إضافة إلى أنه طيان مختص بتلبيس الجدران بقشرة إسمنت أبيض، وعنده عدد لا يستهان به من العمال، وتطبيقاً لفلسفته كان يحب عماله، ويحب زبائنه، ويحب جيرانه، ويحب أبناءه وبناته، ويحب بلده، وحتى القطط والكلاب والطيور والفراشات يحبها ويؤانسها، باختصار هو رجل كريم، ومتصالح مع نفسه، ولا يريد أن يغادر الحياة وعنده أملاك وعقارات وأطيان، وإنما يريد أن يذكره الناسُ خلال حياته وبعد مماته بالخير، حتى ولو مات فقيراً.
قال أبو محمد: والله هادا إنسان محترم. يا ريتنا كلنا اشتغلنا بهاي الطريقة.
قال كمال: أي نعمْ.. وكانْ أبو أيمنْ بعيدْ كتيرْ عن عالمْ السياسة، وإذا واحدْ من العمالْ فتحْ سيرة، وشعر إنه هالسيرة راح توصّلُهْ لعالمْ السياسة، كان يغيّرْ الحديثْ، ويقولْ للعمالْ بلهجتُه الحلبية الرائعة: إشو رأيكن نعملْ استراحة؟ مناكل لنا شي لقمة، ومنشرب وراها كاسة جاي إكرك عجم؟ والشي الطبيعي إنه العمالْ يفرحوا لفكرة الاستراحة، وأبو أيمن كان في أكتر الأحيان يبعتْ واحدْ من العمالْ يجيبْ شوية حمّص وفولْ وفتة، يا إما يجيب شوية حلاوة الجبن، أو هريسة ومامونية وبقلاوة، ع حسابه.. ولحتى ما يزعل العامل اللي كان فاتح السيرة، كان يقول له: أي أبو فلان؟ هلق إذا بتؤمر بدك تحكي لنا شلون أبوك تْعَرَّفْ على والدتك، وشلون تزوجوا؟ وإنشالله جدك أبو أمك ما طلب مهر كتير من جدك أبو أبوكْ؟ حيكم أنا بعرف جدك كان فقيرْ معترْ عايف رَدّ السلام. وهون بيبلشوا العمال يتضحكوا، وهوي بيسترسل، وبيصير يتخيل الموقف، وكيف أبوه لما شاف أمه انحلُّوا ركبه على قد ما هيي كويسة وبتقول للقمر (غيب)، وركض ع البيت وقال لأمه، يوم، إذا ما بتخطبي لي فلانة بدي أطب حالي في الجبّْ، وصار كل يوم يمشط شعر راسه، ويضرب صباطُه وجهين بويا (أي: مرتين)، ويلبس أحلى تياب عنده، ويصير يتمشور في الزقاق قدام باب العروس، ويتلفت متل كشاشين الحمام، لأنه كان خايف لا حدا يشوفه ويعمل له مشكلة..
قال أبو جهاد: الأستاذ كمال صاير متل أبو الجود، بيكون عم يحكي لنا قصة، بيروحْ على قصة تانية.
قال كمال: معك حق يا أبو جهاد. أنا استرسلت حتى أوضحْ لكم إنه أبو أيمن، على حسب ما حكتْ أم أيمن، كتيرْ كان يكره السياسة، ومع هيك، في يوم من الأيام، وقع بنفس الجورة.
بوقتها صار استفتاء على حافييظ الأسد منشان يمددوا حكمه سبع سنين جديدة.. وبصراحة معظم الناس كانوا يهملوا الموضوع، وما يروحوا على مراكز الاستفتاء، لأنه نتيجة الاستفتاء محسومة ومعروفة، الأسد هوي المرشح الوحيد، وبده ينجح بنسبة 99.999%.. وعلى كل حال أبو أيمن في يوم الاستفتاء كان عم يشتغل بصب البيتون، ولأنه ما بيهتم بالسياسة ما صارْ عنده خبر إنه في استفتاء أصلاً، ومع ذلك تبهدلْ وصارتْ عيشته سودا.
قال أبو ماهر: أف! ليش شو صار معه؟
قال كمال: جرت العادة إنه دائرة النفوس، قبل موعد الاستفتاءْ، بتجهّز قوائم بأسماء الأشخاص اللي بيحق لهم يدلوا بأصواتهم، وبتوزع القوائم على المراكز، وكل مركز بيكون مْخَصَّصْ لأحدْ الأحياءْ. وكانوا المشرفين على كل مركز يحطوا إشارة بالقلم بجانب كل مواطن بيحضرْ وبيدلي بصوته، وفي آخر النهار، قبلما يسكّروا الصندوق، بيشطبوا أسماء الناس اللي ما حضروا، وبيحصوا عددهم، وبيكتبوا أوراقْ استفتاء عليها كلمة "موافق" بمقدار عدد الغايبين، وخلال دقايق بتصير نسبة الإقبال على هالمركز (بالتزوير طبعاً) 100%، ونسبة الموافقين على التمديد سبع سنين للرئيس 100%..
قال أبو ماهر: بهالحالة لازم يكون في ناس انتخبوا بالنيابة عن أبو أيمن. صح؟
قال كمال: لو كان حظ أبو أيمن كويس كانوا انتخبوا عنه بالفعل، والقصة راحت انتهت بسلام، لاكن مركز الاستفتاء اللي كان في حارتُه، تَرَكْ أسماءْ الناس اللي ما أجوا ع الاستفتاء فاضي، وفي اليوم التالي رفعوا القوائم لوزارة الداخلية، والمفارز الأمنية المتواجدة في الوزارة شافت الجدول، وقررت إنه هادا المركز فيه مشكلة كبيرة، باختصار: في تَآمُرْ. وانحالت القضية للتحقيق، وخلال تلات أو أربع ساعات كانوا جايبين كل الأشخاصْ اللي ما استفتوا في هالمركز على فرع الأمن المختص، وبيناتهم أبو أيمن طبعاً، ونقعوهم في الباحة الخارجية شي أربع ساعات، لآخر النهار، وبعدين أجا رئيس الفرع، ووقف وهوي حاطط إيديه ورا ضهره، وصار يحكي معهم بلغة حقيرة جداً.. اعتبرْ عدمْ مجيئهم إلى مركز الاستفتاءْ مبني على موقف مسبق من السيد الرئيس، وهادا الموقف مستحيل يكون نتيجة كسلْ أو إهمالْ أو نسيانْ، وإنما نتيجة اتصالات مشبوهة مع الدوائر الاستعمارية، ومع العدو الصهيوني، لأن هاي الجهات المتآمرة ذكية، ولعينة، وبتعرف إنه أكبرْ خطرْ عليها بيجي من كون الجماهير في سورية ملتفة حول القائد التاريخي حافييظ الأسد.. والنتيجة: نام أبو أيمن في المعتقل شي عشرين يوم، وبعدها أطلقوا سراحه بعدما شدوا إدنه شدة ماكنة.. بس ترى حكايته ما انتهت. بعد العشا إذا بتحبوا بحكي لكم إياها.
قال كمال إن أحداث حكايته جرتْ في مدينة حلب، خلال أحداث الثمانينيات، حيث أعلن النظام بدء عمليات المطاردة لجماعة الإخوان المسلمين، وأوعز إلى مجلس الشعب ليصدر القانون 49 الذي يحكم على كل منتسب لتنظيم الإخوان بالإعدام.
أعلمنا أن راوية الحكاية هي امرأة تدعى "أم أيمن"، كانت تعيش مع زوجها بسلام، في حي شعبي فقير، وكانا، هي وزوجها المرحوم أبو أيمن، يحبان المزاح والضحك والمرح، وكان أبو أيمن يتبنى في حياته فلسفة ذكية، وهي أن الإنسان مهما طال عمره، حتى ولو تجاوز المئة سنة، سيعض على لسانه، في المحصلة، ويموت، ولا عودة له بعد ذلك إلى الحياة البَتَّةَ.
كان أبو أيمن يعمل بصفة معلم نجار بيتون إضافة إلى أنه طيان مختص بتلبيس الجدران بقشرة إسمنت أبيض، وعنده عدد لا يستهان به من العمال، وتطبيقاً لفلسفته كان يحب عماله، ويحب زبائنه، ويحب جيرانه، ويحب أبناءه وبناته، ويحب بلده، وحتى القطط والكلاب والطيور والفراشات يحبها ويؤانسها، باختصار هو رجل كريم، ومتصالح مع نفسه، ولا يريد أن يغادر الحياة وعنده أملاك وعقارات وأطيان، وإنما يريد أن يذكره الناسُ خلال حياته وبعد مماته بالخير، حتى ولو مات فقيراً.
قال أبو محمد: والله هادا إنسان محترم. يا ريتنا كلنا اشتغلنا بهاي الطريقة.
قال كمال: أي نعمْ.. وكانْ أبو أيمنْ بعيدْ كتيرْ عن عالمْ السياسة، وإذا واحدْ من العمالْ فتحْ سيرة، وشعر إنه هالسيرة راح توصّلُهْ لعالمْ السياسة، كان يغيّرْ الحديثْ، ويقولْ للعمالْ بلهجتُه الحلبية الرائعة: إشو رأيكن نعملْ استراحة؟ مناكل لنا شي لقمة، ومنشرب وراها كاسة جاي إكرك عجم؟ والشي الطبيعي إنه العمالْ يفرحوا لفكرة الاستراحة، وأبو أيمن كان في أكتر الأحيان يبعتْ واحدْ من العمالْ يجيبْ شوية حمّص وفولْ وفتة، يا إما يجيب شوية حلاوة الجبن، أو هريسة ومامونية وبقلاوة، ع حسابه.. ولحتى ما يزعل العامل اللي كان فاتح السيرة، كان يقول له: أي أبو فلان؟ هلق إذا بتؤمر بدك تحكي لنا شلون أبوك تْعَرَّفْ على والدتك، وشلون تزوجوا؟ وإنشالله جدك أبو أمك ما طلب مهر كتير من جدك أبو أبوكْ؟ حيكم أنا بعرف جدك كان فقيرْ معترْ عايف رَدّ السلام. وهون بيبلشوا العمال يتضحكوا، وهوي بيسترسل، وبيصير يتخيل الموقف، وكيف أبوه لما شاف أمه انحلُّوا ركبه على قد ما هيي كويسة وبتقول للقمر (غيب)، وركض ع البيت وقال لأمه، يوم، إذا ما بتخطبي لي فلانة بدي أطب حالي في الجبّْ، وصار كل يوم يمشط شعر راسه، ويضرب صباطُه وجهين بويا (أي: مرتين)، ويلبس أحلى تياب عنده، ويصير يتمشور في الزقاق قدام باب العروس، ويتلفت متل كشاشين الحمام، لأنه كان خايف لا حدا يشوفه ويعمل له مشكلة..
قال أبو جهاد: الأستاذ كمال صاير متل أبو الجود، بيكون عم يحكي لنا قصة، بيروحْ على قصة تانية.
قال كمال: معك حق يا أبو جهاد. أنا استرسلت حتى أوضحْ لكم إنه أبو أيمن، على حسب ما حكتْ أم أيمن، كتيرْ كان يكره السياسة، ومع هيك، في يوم من الأيام، وقع بنفس الجورة.
بوقتها صار استفتاء على حافييظ الأسد منشان يمددوا حكمه سبع سنين جديدة.. وبصراحة معظم الناس كانوا يهملوا الموضوع، وما يروحوا على مراكز الاستفتاء، لأنه نتيجة الاستفتاء محسومة ومعروفة، الأسد هوي المرشح الوحيد، وبده ينجح بنسبة 99.999%.. وعلى كل حال أبو أيمن في يوم الاستفتاء كان عم يشتغل بصب البيتون، ولأنه ما بيهتم بالسياسة ما صارْ عنده خبر إنه في استفتاء أصلاً، ومع ذلك تبهدلْ وصارتْ عيشته سودا.
قال أبو ماهر: أف! ليش شو صار معه؟
قال كمال: جرت العادة إنه دائرة النفوس، قبل موعد الاستفتاءْ، بتجهّز قوائم بأسماء الأشخاص اللي بيحق لهم يدلوا بأصواتهم، وبتوزع القوائم على المراكز، وكل مركز بيكون مْخَصَّصْ لأحدْ الأحياءْ. وكانوا المشرفين على كل مركز يحطوا إشارة بالقلم بجانب كل مواطن بيحضرْ وبيدلي بصوته، وفي آخر النهار، قبلما يسكّروا الصندوق، بيشطبوا أسماء الناس اللي ما حضروا، وبيحصوا عددهم، وبيكتبوا أوراقْ استفتاء عليها كلمة "موافق" بمقدار عدد الغايبين، وخلال دقايق بتصير نسبة الإقبال على هالمركز (بالتزوير طبعاً) 100%، ونسبة الموافقين على التمديد سبع سنين للرئيس 100%..
قال أبو ماهر: بهالحالة لازم يكون في ناس انتخبوا بالنيابة عن أبو أيمن. صح؟
قال كمال: لو كان حظ أبو أيمن كويس كانوا انتخبوا عنه بالفعل، والقصة راحت انتهت بسلام، لاكن مركز الاستفتاء اللي كان في حارتُه، تَرَكْ أسماءْ الناس اللي ما أجوا ع الاستفتاء فاضي، وفي اليوم التالي رفعوا القوائم لوزارة الداخلية، والمفارز الأمنية المتواجدة في الوزارة شافت الجدول، وقررت إنه هادا المركز فيه مشكلة كبيرة، باختصار: في تَآمُرْ. وانحالت القضية للتحقيق، وخلال تلات أو أربع ساعات كانوا جايبين كل الأشخاصْ اللي ما استفتوا في هالمركز على فرع الأمن المختص، وبيناتهم أبو أيمن طبعاً، ونقعوهم في الباحة الخارجية شي أربع ساعات، لآخر النهار، وبعدين أجا رئيس الفرع، ووقف وهوي حاطط إيديه ورا ضهره، وصار يحكي معهم بلغة حقيرة جداً.. اعتبرْ عدمْ مجيئهم إلى مركز الاستفتاءْ مبني على موقف مسبق من السيد الرئيس، وهادا الموقف مستحيل يكون نتيجة كسلْ أو إهمالْ أو نسيانْ، وإنما نتيجة اتصالات مشبوهة مع الدوائر الاستعمارية، ومع العدو الصهيوني، لأن هاي الجهات المتآمرة ذكية، ولعينة، وبتعرف إنه أكبرْ خطرْ عليها بيجي من كون الجماهير في سورية ملتفة حول القائد التاريخي حافييظ الأسد.. والنتيجة: نام أبو أيمن في المعتقل شي عشرين يوم، وبعدها أطلقوا سراحه بعدما شدوا إدنه شدة ماكنة.. بس ترى حكايته ما انتهت. بعد العشا إذا بتحبوا بحكي لكم إياها.