هزليات السياسة الأسدية (1)

03 ديسمبر 2019
+ الخط -
قالَ الأستاذ كمال ما معناهُ أن حكاية الرجل الذي أصبحَ عضواً في مجلس الشعب -مع أنه صاحبُ كولبة يبيعُ فيها دخاناً مهرباً على أحد أرصفة مدينة إدلب- لم تكتمل، ويمكنُنا أن نتابعَ تفاصيلَها الشيقة فيما لو وافق الحاضرون في هذه الجلسة على ذلك.

قال أبو زاهر: طبعاً موافقينْ. نحنا متلْ أعضاءْ مجلس الشعبْ اللي عَمْ تحكي لنا عنهم. بعمرك سمعتْ بعضو مجلس الشعب بينعرضْ عليه مشروعْ وما بيوافق عليه؟

قال كمال: ممكنْ ينوجدْ بالصدفة عضو من النوع اللي بيوافق أو ما بيوافق على حسب وجدانه وضميره، لاكنْ السلطاتْ الأمنية العليا ما بتسمحْ لُه يستمرّْ ويتمادى، وبيبعتوا لُه رسائلْ تحذيرْ من محاولاتُه شَقّ الصفْ والخروجْ عن الإجماع الوطني، فإذا ركبْ راسُه، وأصَرّْ على موقفُه الهَدَّامْ بيلفّقوا له تهمة أمنية أو أخلاقية، وبيرفعوا عنه الحصانة، وفي النتيجة يا إما بيبعتوه على بيته وبيفرّغُوه لحب الوطن، يا إما بيزتّوه في السجن، وبعدها بيحاسبوا المسؤولين الأمنيين في المحافظة اللي أجا منها، لأنهم سمحوا لهيكْ واحدْ شاذّ إنه يوصَلْ لعضوية هالمجلس اللي اعتاد ياخدْ قراراتُه بالإجماعْ التامّْ.


قال أبو محمد: إذا بتريدوا يا أستاذْ كمالْ، خلونا بحكاية الزلمة صاحبْ البراكية اللي صارْ عضو مجلس الشعب. بصراحة نحنا منحبّ الحكاياتْ أكتر من تحليلات السياسة.

قال كمال: بتؤمرْ عمي أبو محمد. يا سيدي، حتى تكون رواية السالفة سهلة، اسمحوا لي إطْلِقْ على هالعضو اسمْ افتراضيْ، وليكن: أبو عبدو.. أنا في الجلسة السابقة حكيت لكم قصة أبو عبدو مع المرافقين تبعْ حافييظ الأسدْ اللي احتجزوه عند البابْ الداخلي لمجلسْ الشعبْ حتى يمنعوه من احتضانْ حافييظ وتقبيلُه.. أبو عبدو بوقتْها تْقَصَّدْ يرفعْ صوتُه، وصارْ يجادلْ رجالْ المراسمْ والمرافقة، ويقول لهم إنه ما معهم حَقْ بهالتصرفْ، لأنهم هيكْ بيكونوا عَمْ يْحِطُّوا سُدُودْ بينْ القائدْ والشعبْ اللي بيحبه، وأنهى حديثُه بجملة قوية كتيرْ لما قال: نحنْ يا رفاقْ منمثّلْ الشعبْ، والرئيسْ بيقودْ دفة سفينة الشعبْ، وما في قوة على وجّ الأرض ممكنْ تقهرْ الشعبْ.

قال أبو الجود: هادا السافلْ أبو عبدو بياع المْهَرَّبَاتْ بيمثلْ الشعبْ؟ عليّْ الطلاقْ بالتلاتة أنا ما بسمحْ لُه يمثل صرمايتي!

قال كمال: هلق هوي نجحْ بالانتخابات وصار عضو مجلس الشعب عن محافظة إدلب. بقى بترضى أو ما بترضى إنته حرّ. المهم إنه الصياحْ والمشاددة لفتتْ الأنظارْ، وانتبهْ حافييظ الأسدْ شخصياً للمجادلة، ولما عرف حقيقة الشي اللي عَمْ يصيرْ أمر المرافقين تَبَعُه بالسماحْ لأبو عبدو بإنه يقرِّبْ منه، ويعبطُه، ويبوسُه.. وهادا اللي صار، وبعدها رجعْ أبو عبدو لَوَرَا خطوتين، ووَقف باستعدادْ، وصاحْ: تَنَبَّهُوا واستفيقوا أيها العربُ- فقد طمى الخطبُ حتى غاصتِ الرُكَبُ. فيمَ التَعَلْعُلُ.. فيمَ التعلُّلُ بالـ.. بالـ.. وحاولْ يْكَمّلْ البيتْ التاني من القصيدة، لاكن المسكينْ ما أسعفته ذاكرتُه.

قال أبو ماهر: أحلى شي فيمَ (التَعَلْعُلُ) بالآمالِ..

قال كمال: الموجودينْ، الواقفين بالقربْ من حافييظ وأبو عبدو، لما سمعوا بيتْ الشعر، وشافوا كيفْ كَرْبَجْ أبو عبدو، وتْلَعْثَمْ وما عرفْ تتمة البيت التاني من القصيدة، ضحكوا، وكان في بيناتهم أعضاء متعلمين ومثقفين، هدول ضحكوا أكترْ لأنهم بيعرفوا إنُّه هادا البيت بيعود تاريخُه لأوائِلْ القَرْنْ العشرينْ، يعني ع زمان المملكة العثمانية، قالُه الشاعرْ إبراهيم يازجي ليعبّرْ فيه عن موقفْ العربْ ضمن المملكة، العرب اللي كانوا رايحينْ (فَرْقْ عملة) بسببْ موقفْ الطورانيينْ "جمعية تركيا الفتاة" من بقية القوميات.. وطبعاً مو مناسبْ هالبيتْ ينقالْ بمناسبة اللقاء مع حافييظ! لكن صاحبنا أبو عبدو في العادة ما بيرميها واطية، فاستغلّ الموقف وقال لزملاؤه اللي ضحكوا: يا رفاق أنا عرفانْ أيش عَمْ إحكي. السيد الرئيس أصلاً هوي قائدْ الأمة العربية، وأنا لما بدي إطلبْ من العربْ ينتبهوا ويستفيقوا فالشي الطبيعي إني أخاطبْ قائدْهم، اللي هوي رئيسْنا المفدى حافظ الأسد.. هون اشتعلْ المكانْ بالتصفيقْ، ولما شافوا الرفاق إنه حافييظ ضحكْ، أخدوا ضَوّْ أخضرْ، وانفتحتْ قريحتهم عَ الهتافْ والتعييشْ، وكان في واحدْ من الأعضاءْ صابغْ شواربُه ببويا سوداء فاحمة متل بويا الصَبَابِيْطْ، وقف وصاح من شعر الجواهري:
سلاماً أيها الأسدُ - سلمتَ وتسلمُ البلدُ
وتسلمُ أمة فخرتْ - بأنك فخرُ من تلدُ
لها من حافظٍ سَنَدُ - ومنه الزندُ والعضدُ

فاشتعل المكان بالتصفيق من جديد، وتقدم عضو يرتدي الزي الفلاحي، وصاح من شعر نجيب جمال الدين:
واستوطنَ الكمدُ الشاتي على هُدُبِي
وكنتِ يا شامُ صَحْوَا فانتهى الكَمَدُ‏
خذني إلى الشام مالي غيرها أملٌ
لم يبقَ يا شامُ إلا الشامُ والأســـــــدُ‏

واستمر التصفيق، وقبلَ أن تنطلق قريحةُ عضو آخر رفع أبو عبدو يده ليسكتهم وسحب من جيبه ورقة وصار يقرأ أبياتاً من شعر صابر فلحوط:
يا حاملاً شرف الرسالة دونها
عصفُ المنايا والمدى الجبارُ
البعث مولدُه ونبعُ طموحه
نحو الشموس وسيفه البتارُ
سيظل صوتك بالفداء مجلجلاً
حتى تعود إلى ذويها الدارُ
فاصمدْ لتبعث أمةً عطشانةً
للمجد مشتاقٌ إليها الغارُ
للسيف (أنتَ) وللسلام كلاهما
حرب وأنتَ لمثلها المغوارُ

قال كمال: صاحبْنا أبو العبد لما وصل لعند كلمة (أنتَ) في البيتين الأخيرين صار يوجه سبابته نحو حافييظ، وحافظ صار يضحك، فاسترسل أبو العبد باللعبة، وقلب الصفحة ع القفا وصاح:
ينطحُ الغيم شموخي فعلى..

هون قرب منه واحد من أعضاء المجلس، وقال له: هلق نزعت الطبخة. كنت عَمْ تقول شعر كويسْ، يعني ما بيصير بلا نَطْح؟ شو شايفنا؟ تيوس؟
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...