نحن وبيت الأسد... "سَوَا ربينا"

24 ديسمبر 2017
+ الخط -
لم يسلم أحد من عبث الإعلام السوري الأسدي، ولا حتى فيروز والرحابنة. ففي فترة من الفترات امتدت هذه اليدُ إلى تراث الأخوين عاصي ومنصور الرحباني والسيدة فيروز لتشوهه بطريقة عجيبة!

يجدر بنا أن نقول، استطراداً، إن الرحابنة يكرهون الاستبداد، لسبب جد بسيط، هو أن مشروعهم الغنائي قائم، برمته، على فكرة تحرير الإنسان من الاستبداد والاستعباد، وإشاعة الحرية في المجتمع الشامي، والمجتمع العربي عموماً، ولم يسبق لهم أن غنوا لمستبد (جائر، أو عادل، أو متوسط)!

ذات مرة، بأواخر السبعينيات، كان مقرراً أن يقدموا حفلاً في القاهرة، وفي لحظة فتح الستارة طَلَبَ منهم متعهدُ الحفلة التريث لأن الرئيس محمد أنور السادات في طريقه إلى المكان، لحضور الاحتفال، وقد تأخر موكبه بسبب بعض الترتيبات الأمنية، فغضب عاصي الرحباني رافضاً أن يكون توقيت (الفني) خاضعاً لتوقيت (السياسي)، واعتذر عن إقامة الحفلة في تلك الليلة.


الإعلام السوري كان، في الذكرى السنوية للحركة التصحيحية، يضع صورة ثابتة لحافظ الأسد، مع إضافة بعض الغيوم فوق رأسه، باستخدام برنامج الـ"فوتوشوب"، وينطلق من الخلفية صوت فيروز وهي تغني: يا قمر مشغرة، ويا بدر وادي التيم، يا جبهة العالية ومْيَزَّرَة بالغيم! وكأن فيروز كانت تقصد حافظ الأسد حينما غنت لقمر مشغرة وبدر وادي التيم!

استحدث الإعلامي محمود عبد الكريم في فترة الاحتلال السوري للبنان، برنامجاً إذاعياً أطلق عليه اسم "سَوَا ربينا"، ثم نُقِلَ البرنامج إلى التلفزيون السوري، فكان يقدم ثبتاً بالنشاطات السياسية والثقافية والإعلامية التي كانت تقام في لبنان بترتيب من المخابرات السورية..

والبرنامج مهمته أن يُظهِرَ ذلك على أساس أن اللبنانيين يفعلون ذلك بسبب حبهم للقائد أولاً، ومن منطلق أخوة الشعبين السوري واللبناني ثانياً.. وكانت شارة البرنامج تتضمن صوت السيدة فيروز وهي تغني سوا ربينا.. سوا مضينا ليالينا.

لست متأكداً مما إذا كان محمود عبد الكريم وبقية طاقم الإعداد والتنفيذ والإخراج كانوا يعلمون أن هذه الأغنية قدمت ضمن مسرحية "الشخص" التي أبدعها الأخوان الرحباني وقدماها مرة مع فيروز، وفي فترة انفصال عاصي عن فيروز لعبت بطولتها الفنانة "رونزى"، وكانت تخاطب المغنية العربانة العتيقة التي دأبت على استعمالها لبيع البندورة، بعدما تم مصادرتها! فتقول لها بحسرة: سوا ربينا سوا قضينا ليالينا، معقولة الفراق يمحي أسامينا؟

الآن، يستطيع المرء أن يسأل: كم كان يلزم للإعلام السوري ومحمود عبد الكريم مِنَ المقدرة على التزوير لنقل الحالة من (إنسانة فقيرة ترثي عربتها العتيق) إلى حالة شعبين متحابين؟!
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...