مكالمة جماعية حول الكورونا

26 مارس 2020
+ الخط -
بدت لنا فكرة تبادل الأفكار ضمن مجموعة "الإمتاع والمؤانسة" الإسطنبولية بواسطة الواتساب صعبة، بل عسيرة. تعلمون أن الواتساب يحتاج إلى كتابة، وأحياناً لا يكفي سطر أو سطران لتوضيح الفكرة، بل تحتاج إلى شرح طويل، وهذا سيحرج بعض أصدقائنا الذين لازمونا في السهرات الأولى، لأنهم لم يكتبوا شيئاً منذ زمن طويل، بسبب طبيعة عملهم، كالعم أبو محمد، وأبو جهاد، وأبو الجود، وبعض السيدات اللواتي انضممن إلينا قبيل مرحلة الكورونا بقليل.

وعليه لجأنا، بناء على اقتراح الصديق "أبو ماهر"، إلى تقنيات المكالمات الجماعية المصورة، باستخدام الماسينجر. وفيها يتحقق شعور المجالسة الشخصية على مبدأ (العين مغرفة الكلام)، كلك يتآلف مع فكرة قديمة عبر عنها أهالينا بمثل شعبي هو: الحج ما بيصير بالمراسلة.

تمكن الأستاذ كمال، ببراعته التقنية العالية، أن يجري المكالمة بنجاح، واستهلها بالقول إننا يجب أن نحتفظ بمجموعة الواتساب لأجل تحديد موعد السهرة اليومي، والاتفاق على تأمين الدعم المادي لأبي الجود الذي اشترط علينا أن نرسل إليه في كل يوم مئة ليرة تركية مقابل أن يشاركنا السهرة، باعتبار أنه يعيش، كما قال لنا مراراً، على حساب الطيبين من أمثالنا.

وأكد الأستاذ كمال على أن الحديث في مثل هذه المكالمات الجماعية يجب أن يكون منظماً، لأن التزاحم على الكلام يجعلنا نخسر الفائدة من كل ما يقال، ووقتها تصبح الجلسة عديمة الفائدة.

قال أبو ماهر: أنا بدي أقترح عليكم فكرة زغيرة، وبعدها راح إسكت. شو رأيكم بالأخبار والتصريحات والأخبار العاجلة اللي عم تحكي عن وباء الكورونا؟ مو ملاحظين إنها عم تكون أحياناً متضاربة؟ وإنه في كتير من الأخبار عم تخلينا نعيش بحالة رعب؟

قال أبو الجود: مو بس عم يعيشونا بحالة رعب، في بعض الأوقات عم يخلونا نخريط، وأنا مبارحة صارت معي شغلة بتضحك بالفعل.

قال كمال: إذا بتضحّك أنا بقترح نعطيها أولوية، لأنه من وقت دخلنا بجو الكورونا صار الضحك ضروري لمعالجة حالتنا النفسية.


قال أبو الجود: في شاب زغير ما بيطلع عمره خمسة وعشرين سنة، يعني أكبر من حفيدي عبد الجواد بسنتين، طالع ببث مباشر عن الكورونا.. وأنا صاير كلما بشوف فيديو أو بث مباشر عن الكورونا بتابعه فوراً. اللي بيضحك بهالشاب إنه عم يحكي متل إذا كان عمره تسعين سنة، وإنه كل المشاهدين في العالم العربي بيعرفوه، ومتعودين يسمعوا نصايحه الطبية وغير الطبية، وإنه هلق، باعتبار في مشكلة كبيرة، لازم يطل على جمهوره العزيز ويحكي.

اسمحوا لي أقلد لكم كيف كان عم يحكي. يمسيكم بالخير حبايبي، أهلي وإخوتي، والله ما كنت مفكر إني إطلع فيديو بهالوقت، لكن بصراحة تامة شفت إني الوضع خطير، وقلت لحالي إنه لازم إحكي معكم. أي نعم هاد مرض الكورونا كتير خطير، ولولا يكون خطير ما كنتوا شفتوني هلق طالع بهالفيديو. هالمرض يا أحبني خطير بشكل خاص على كبار السن واللي بنفس الوقت عندهم أمراض أخرى، يعني ممكن الواحد يكون كبير بالسن بس ما عنده أمراض خطيرة..

أنا هون وقفت الفيديو، قلت لحالي إني الموت اللي كنت مفكره بعيد عني صار بعيد عني مقدار شبر أو شبرين، وبهيك حالات الإنسان بيصير غبي وطشم..

قال أبو جهاد: صرت غبي وطشم؟! هههه ههههه، يعني إنته بالأساس كنت ذكي وفتح؟

قال أبو الجود: صدقني يا أبو جهاد ما بعرف. ناس بيقولوا عني ذكي، وناس بيقولوا طشنة، والله أعلم. المهم يا شباب، متلما حكيت لكم، أنا من لما بلشت الأزمة عملت لحالي عزل، انعزلت عن الشارع والمدينة، وانعزلت عن سهرتكم اللي كانت ترد لي روحي، وانعزلت كمان ضمن ضمن البيت، أخدت الغرفة اللي جنب الباب وتلقحت عالكنبة.. ومع هيك لما شفت هالولد عم يحكي إنه الوضع خطير قلت لحالي ما عاد في كلام، لازم إكتب وصيتي، وبما إنه هالولد اللي طلع بث مباشر رعبني، رجلي ما عادوا حملوني من الخوف، صرت إزحف زحف باتجاه الغرفة اللي بيقعدوا فيها أم الجود والولاد، وطلبت منهم يعطوني ورقة وقلم. سألوني: ليش؟

قلت لهم: بدي إكتب وصيتي. هون الكل انفلتوا بالضحك، وكل واحد منهم صار يحاول يتوقف عن الضحك ويقلي كلام، بس ما يحسن، آخر شي الفهيمة المتحدثة أم الجود سَكّتت الولاد وصارت تحكي.

قال أبو زاهر: إذا بتسمح يا أبو الجود اسمع شوي، بما أنه أم الجود موجودة معنا في هالمكالمة الجماعية خلينا نسمع تتمة القصة منها.

قالت أم الجود: والله يا أستاذ أبو زاهر نحنا ما كنا منعرف أيش صاير معه حتى قرر يكتب وصيته. بس اللي ضحكنا هوي فكرة الوصية.

قال أبو محمد: أيش هوي الشي اللي بيضحك؟ يا ريت تفهمونا.

قال كمال: بالنسبة إلي وصلت الفكرة. الشي المعروف بين الناس هوي إنه الرجال اللي عنده أراضي ودور وكروم وبساتين وأموال مودعة في البنوك، لما بيجيه الموت بيكتب وصيته، وبيشرح للورثة كيف لازم ينفقوا الأموال، وإذا مفكر يتبرع ببعض أملاكه لمؤسسات خيرية أو لأشخاص فقرا لازم يكتب هالشي، والباقي بيتقاسموه الورثة حسب القانون. أما الأخ أبو الجود فمتلما بتعرفه، ما عنده شي ينكتب عنه وصية. ولذلك ضحكت أم الجود هيي والأولاد. أي نعم.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...