02 سبتمبر 2024
مقلب على أصوله
لم نكن نعرف، نحن أبناء البلد المقيمين في مدينة الريحانية التركية أن "أبو أصلان" يقيم في بلدة "ألْطَنُوز" الواقعة بين الريحانية وأنطاكية.. فوجئنا به يأتي إلى إحدى جلسات الإمتاع والمؤانسة برفقة صديقنا "أبو ماهر"..
انضمامه إلى جلستنا أضفى عليها الكثير من المرح، وسارع أبو الجود إلى تقديمه قائلاً:
انضمامه إلى جلستنا أضفى عليها الكثير من المرح، وسارع أبو الجود إلى تقديمه قائلاً:
- أبو أصلان لما بيكون مبسوط تطلع معه فصول ما في أحلى منها.
قال العم أبو محمد: كتير كويس. بس ليش ما سكنت قريب منا، هون في الريحانية؟
قال أبو أصلان: والله يا عمي أبو محمد أنا دخلت تركيا متأخر. ما شاء الله على أبناء بلدنا، من لما صارت الحرب وبلش ابن حافظ الأسد يقصفنا صاروا يفوتوا على تركيا وما يعجبهم فيها غير "الريحانية". إذا بتسأل ليش بيقولوا لك لأنها قريبة من الحدود. خمس دقايق بينها وبين باب الهوى. وهاد الشي صحيح، بالإضافة لأن الريحانية مناخها جميل، وكتير بتشبه مدينة إدلب. ومن كثرة ما صار طلب على البيوت ارتفعت الإيجارات في الريحانية أكثر من اسكندرون وأنطاكية وأضنة. والذين جاؤوا إلى تركيا متأخرين مثلي صاروا يدوروا على مناطق أبعد لأن البيوت فيها أرخص.
قال أبو جهاد: على كل حال "ألطنوز" قريبة، وإذا ما عندك سيارة أنا أرسل لك ابني جهاد بسيارتنا حتى تشرف وتسهر معنا.
قال أبو الجود: وإذا أبو أصلان بيعزمنا منروح على ألطنوز ومنسهر عنده. شرط يعمل عشا دسم ولا بأس يكون فيه بعد العشا صينية كنافة بجبنة.
قال كمال: سمعنا بالفصول التي بطلها أبو أصلان، وتشوقنا لسماعها.
قال العم أبو محمد: أنا مع الأستاذ كمال. هات أسمعنا.
قال أبو الجود: يا ريت أبو أصلان يحكي لكم على يوم استلف نقوداً من الحاج عبد السلام..
قال أبو زاهر: الحاج عبد السلام الماوردي ما غيره؟
قال أبو أصلان: أي نعم. الحقيقة أن الحاج عبد السلام رجل طيب ومحترم، وكريم، ولا يرد ملهوفاً. وأنا في قديم الزمان اقترضت منه حوالي مئة ألف ليرة على أساس أن أسددها في الصيف على الموسم. ولكن، في تلك السنة، كانت المواسم ضعيفة، ولم أستطع أن أسدد له سوى عشرين ألفاً.. وبعدها صار يأتي هو شخصياً لتحصيل تتمة المبلغ، أو يرسل لي رسالة مع أحد أبناء القرية، مذكراً بضرورة السداد، لأنه هو الآخر عليه ديون والتزامات.
قال أبو زاهر: حتى لو لم يكن عليه التزامات، المفروض بك أن تعطيه حقه.
قال أبو أصلان: المهم، من كثرة ما ألح علي، قررتُ أن أعمل فيه (مَقْلَباً) وأستغل طيبة قلبه وحُبَّهُ لعمل الخير. وفي يوم من الأيام اتصل بي، وكان غاضباً جداً، يتحدث بطريقة الرامي رشاً. وبصعوبة فهمت منه أنه سيأتي لزيارتي ويقيم عندي يوماً أو يومين أو ثلاثة، ولا يغادرني قبل أن أضع في يده الـ 80 ألف ليرة كلها غير منقوصة. فقلت له: معك حق. تفضل غداً في وقت الغداء. نتغدى معاً وأعطيك المبلغ، وأطلب منك السماح.
قال أبو جهاد: وكان معك مصاري تعطيه؟
قال أبو أصلان: لا والله. والخلاصة، حضر الحاج عبد السلام في الموعد المحدد، وتناولنا طعام الغداء معاً وشربنا الشاي. وكنت قد رتبت المقلب بشكل متقن. وبحسب الخطة المتفق عليها مع أولادي دخل ابني أصلان ومعه أخوه عامر وأخته سلوى وفي أيديهم حقائب المدرسة. أنا اندهشت وسألت أصلان: أنت دوامك صباحي أم مسائي؟ قال أنا وأخي عامر وأختي سلوى دوامنا مسائي. ولكن المدير طردنا من المدرسة. (وصاروا يبكون).
قلت: طردكم؟ ليش؟
قال: اسأل نفسك. طلبوا منا القسط السنوي، لم ندفع. طلبوا منا إحضار كتب ودفاتر، ونحن طلبنا منك وأنت لم تدفع لنا. بالأخير طردونا.
حينذاك قلت للحاج عبد السلام: خطية هؤلاء الأولاد برقبتك يا حاج. الله تعالى سيحاسبك من أجلهم حساباً عسيراً.
أصيب الحاج عبد السلام بالذعر، وقال: أنا يحاسبني الله من أجلهم؟ ليش؟ أنا أيش ذنبي؟
قلت له: ذنبك أن الله منعم عليك ومعك مصاري ولا تدفع عنهم أقساط المدرسة وثمن كتب ودفاتر. هات أعطنا عشرة آلاف ليرة لنحل مشكلة هؤلاء الأولاد.
قال: أستغفر الله العظيم. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. ومد يده إلى جيبه وقال: صدقني يا أبو أصلان ما في معي غير سبعة آلاف.
وناولني إياها بينما عيناه مغرورقتان بالدموع.
قال العم أبو محمد: كتير كويس. بس ليش ما سكنت قريب منا، هون في الريحانية؟
قال أبو أصلان: والله يا عمي أبو محمد أنا دخلت تركيا متأخر. ما شاء الله على أبناء بلدنا، من لما صارت الحرب وبلش ابن حافظ الأسد يقصفنا صاروا يفوتوا على تركيا وما يعجبهم فيها غير "الريحانية". إذا بتسأل ليش بيقولوا لك لأنها قريبة من الحدود. خمس دقايق بينها وبين باب الهوى. وهاد الشي صحيح، بالإضافة لأن الريحانية مناخها جميل، وكتير بتشبه مدينة إدلب. ومن كثرة ما صار طلب على البيوت ارتفعت الإيجارات في الريحانية أكثر من اسكندرون وأنطاكية وأضنة. والذين جاؤوا إلى تركيا متأخرين مثلي صاروا يدوروا على مناطق أبعد لأن البيوت فيها أرخص.
قال أبو جهاد: على كل حال "ألطنوز" قريبة، وإذا ما عندك سيارة أنا أرسل لك ابني جهاد بسيارتنا حتى تشرف وتسهر معنا.
قال أبو الجود: وإذا أبو أصلان بيعزمنا منروح على ألطنوز ومنسهر عنده. شرط يعمل عشا دسم ولا بأس يكون فيه بعد العشا صينية كنافة بجبنة.
قال كمال: سمعنا بالفصول التي بطلها أبو أصلان، وتشوقنا لسماعها.
قال العم أبو محمد: أنا مع الأستاذ كمال. هات أسمعنا.
قال أبو الجود: يا ريت أبو أصلان يحكي لكم على يوم استلف نقوداً من الحاج عبد السلام..
قال أبو زاهر: الحاج عبد السلام الماوردي ما غيره؟
قال أبو أصلان: أي نعم. الحقيقة أن الحاج عبد السلام رجل طيب ومحترم، وكريم، ولا يرد ملهوفاً. وأنا في قديم الزمان اقترضت منه حوالي مئة ألف ليرة على أساس أن أسددها في الصيف على الموسم. ولكن، في تلك السنة، كانت المواسم ضعيفة، ولم أستطع أن أسدد له سوى عشرين ألفاً.. وبعدها صار يأتي هو شخصياً لتحصيل تتمة المبلغ، أو يرسل لي رسالة مع أحد أبناء القرية، مذكراً بضرورة السداد، لأنه هو الآخر عليه ديون والتزامات.
قال أبو زاهر: حتى لو لم يكن عليه التزامات، المفروض بك أن تعطيه حقه.
قال أبو أصلان: المهم، من كثرة ما ألح علي، قررتُ أن أعمل فيه (مَقْلَباً) وأستغل طيبة قلبه وحُبَّهُ لعمل الخير. وفي يوم من الأيام اتصل بي، وكان غاضباً جداً، يتحدث بطريقة الرامي رشاً. وبصعوبة فهمت منه أنه سيأتي لزيارتي ويقيم عندي يوماً أو يومين أو ثلاثة، ولا يغادرني قبل أن أضع في يده الـ 80 ألف ليرة كلها غير منقوصة. فقلت له: معك حق. تفضل غداً في وقت الغداء. نتغدى معاً وأعطيك المبلغ، وأطلب منك السماح.
قال أبو جهاد: وكان معك مصاري تعطيه؟
قال أبو أصلان: لا والله. والخلاصة، حضر الحاج عبد السلام في الموعد المحدد، وتناولنا طعام الغداء معاً وشربنا الشاي. وكنت قد رتبت المقلب بشكل متقن. وبحسب الخطة المتفق عليها مع أولادي دخل ابني أصلان ومعه أخوه عامر وأخته سلوى وفي أيديهم حقائب المدرسة. أنا اندهشت وسألت أصلان: أنت دوامك صباحي أم مسائي؟ قال أنا وأخي عامر وأختي سلوى دوامنا مسائي. ولكن المدير طردنا من المدرسة. (وصاروا يبكون).
قلت: طردكم؟ ليش؟
قال: اسأل نفسك. طلبوا منا القسط السنوي، لم ندفع. طلبوا منا إحضار كتب ودفاتر، ونحن طلبنا منك وأنت لم تدفع لنا. بالأخير طردونا.
حينذاك قلت للحاج عبد السلام: خطية هؤلاء الأولاد برقبتك يا حاج. الله تعالى سيحاسبك من أجلهم حساباً عسيراً.
أصيب الحاج عبد السلام بالذعر، وقال: أنا يحاسبني الله من أجلهم؟ ليش؟ أنا أيش ذنبي؟
قلت له: ذنبك أن الله منعم عليك ومعك مصاري ولا تدفع عنهم أقساط المدرسة وثمن كتب ودفاتر. هات أعطنا عشرة آلاف ليرة لنحل مشكلة هؤلاء الأولاد.
قال: أستغفر الله العظيم. لا حول ولا قوة إلا بالله العظيم. ومد يده إلى جيبه وقال: صدقني يا أبو أصلان ما في معي غير سبعة آلاف.
وناولني إياها بينما عيناه مغرورقتان بالدموع.