مفصل اصطناعي مخصص للرقص

21 ابريل 2018
+ الخط -
ذكرتُ لكم، في تدوينة سابقة، أن مفصل ساقي اليمنى قد أصيب بمرض جعله يتيبس ويتكلس ويتنكس.. وقد استمر ذلك المفصل يزعجني ويضايقني ويمنعني من الوقوف الطويل والمشي والركض حتى وصلت إلى سنة 2005، وكنت في سن الثالثة والخمسين، وكان الوضع قد أصبح سيئاً للغاية. ومن كثرة ما سألت، وشكوت أمري للأصدقاء، دلوني على طبيب جراح مقيم في العاصمة دمشق، سأصطلح على تسميته (كاف)، قيل لي إنه أفضل طبيب مختص بهذا النوع من الجراحة العظمية في سورية.

ذهبت إليه، وقد لفت نظري أنه جاد وعملي إلى درجة التجهم. سلمت عليه، فرد بحركة من رأسه، إذ بدا لي أنه لا يمتلك أي وقت يضيعه في تبادل السلامات. المهم أطلعته على الصورة الشعاعية الخاصة بالمفصل، وسألته بلهفة:
- كيف الوضع دكتور؟
فقال لي: المفصل متخرب تماماً، والوضع (تراجيدي)!
قلت له، متصنعاً الجدية: وإذا غيرناه بيصير الوضع (كوميدي) دكتور؟
فابتسم رغماً عنه، وتلفت يمنة ويسرة خشية أن يكون قد رآه أحد وهو يبتسم.
وبلا طول سيرة، دخلت المشفى، وقام الدكتور (كاف) بتبديل مفصلي. وكانت عملية ناجحة جداً.

***

بعد مضي عدة سنوات على تبديل المفصل الأساسي (موديل 1952) بمفصل جديد (سويسري، خلنج، موديل 2005)، أصيب ابنُ بلدنا عبد الكريم بالمرض نفسه، ومن شدة الآلام في مفصله أصبح لا يستطيع المشي دون عكاز، وبينما هو يشكو أمره لمعارفه، ويسألهم النصح والمشورة، قال له أحدهم إن الكاتب "خطيب بدلة" أصيب بنفس المرض، وأجريت له عملية جراحية ناجحة في دمشق..

وبمجرد ما سمع الرجل بالحكاية، جاء إلي، وسألني عن وضعي قبل العملية وبعد العملية، فلما حكيتُ له عن النتائج المذهلة التي حصلتُ عليها، سارع للذهاب إلى دمشق، والتقى بالطبيب (كاف)، وقال له:
- لقد دلني عليك الكاتب خطيب بدلة الذي أجريتَ له عملية في سنة 2005.
سأله (كاف) بكل جدية واحترام: وما أخبار الأستاذ خطيب؟
قال عبد الكريم: أخباره جيدة جداً.
قال الطبيب (كاف): والمفصل الاصطناعي الذي ركبناه له، كيف وضعه؟
قال عبد الكريم بحماسة: ممتاز، من يومين التقيته وحكى لي أنه يقف على ساقيه طويلاً، ويمشي مسافات طويلة، ويركض، ويرقص، ولا يهتم لشيء.
دهش الطبيب (كاف) وقال: هل قلت يرقص؟.. الكاتب المشهور، المحترم خطيب بدلة، يرقص؟!!!
قال عبد الكريم: والله يا دكتور أنا لما قال لي إنه يرقص استغربت، مثلك، وخجلتُ أن أسأله إن كان يرقص بالفعل، أم أنه كان يمزح.
بعدما أُجْرِيَتْ عملية تبديل المفصل لعبد الكريم عاد إلى إدلب، وفي أول لقاء بيني وبينه حكى لي عن الحوار الذي دار بينه وبين الدكتور كاف، ثم سألني بلهجة متوجسة:
- أستاذ خطيب، بدي أسألك سؤال وخايف إنك تزعل.
قلت له: لا لن أزعل. تفضل.
قال: عن جد، أنت ترقص؟!
ههنا خطر لي أن (أسلبها عليه)، فتصنعتُ قمة الجد، وطلبتُ منه أن يقرب أذنه من فمي، فلما قربها همستُ له بصوت رهيب:
- أنا، في الأساس، ما برقص، لكن في إلي صديق سويسري قال لي إنه في نوع من المفاصل الاصطناعية اللي بيصنعوها في سويسرا بيخلي الشخص اللي بيركبوا له إياه يرقص بشكل لا إرادي، ويسمونه هناك: المفصل الرقاص! وأظن أن المفصل اللي ركبه لي الدكتور كاف كان من النوع الرقاص.
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...