02 سبتمبر 2024
مات أبو نادر الله لا يرحمه
فرض علينا تهديد فيروس كورونا أن نهجر سهرات "الإمتاع والمؤانسة" الواقعية، ونستعيض عنها بلقاءات افتراضية عبر الماسينجر.
قال أبو محمد، في مطلع لقاء الليلة البارحة، إن المجتمعين كلهم ينتظرون تتمة الحكاية التي سمعناها عن بطلنا "أبو نادر" وأفراد شلة فتح الله الذين كانوا يحضرون عرساً في قرية أم زرزور، وخلال العرس احتدمت مشاجرة جماعية، فاضطروا للهرب عبر الكروم والبساتين.
قال أبو محمد، في مطلع لقاء الليلة البارحة، إن المجتمعين كلهم ينتظرون تتمة الحكاية التي سمعناها عن بطلنا "أبو نادر" وأفراد شلة فتح الله الذين كانوا يحضرون عرساً في قرية أم زرزور، وخلال العرس احتدمت مشاجرة جماعية، فاضطروا للهرب عبر الكروم والبساتين.
قلت: بما إني توليت رواية هالقصة من أولها، راح أكملها. يا سيدي وصول أفراد "شلة فتح الله" إلى إدلب بالسلامة كان حدثْ جديرْ بالاهتمام. بطل القصة أبو نادر، بعد اللي صار بهديكه السفرة الكارثية، سَكّر على نفسه الباب، وقعد مع مرته أم نادر، كما لو إنهم عاملين على حالهم حجر صحي، مع إنه ما كان في كورونا بهديكه الأيام! وصاروا لما بيلزمهم شي يتصلوا بواحد من ولادهم أو أحفادهم، حتى يأمن لهم المطلوب. أما أفراد شلة فتح الله فشعروا بالذنب تجاه أبو نادر، باعتبار هني اللي ورطوه معهم بهالسفرة المبهدلة اللي كان ممكن الاستغناء عنها بسهولة.
بعد مضي 72 ساعة على عودتهم لإدلب، اجتمعوا في منزل أبو فؤاد، واتصلوا هاتفياً بأبو نادر.
قال له أبو فؤاد:
- يا أبو نادر الشباب مجتمعين عندي هون في البيت، وحابين يتطمنوا عليك. عم اتطلع في وجوههم، وما عم ألاقي فيها غير الندم، والإحساس بالذنب تجاهك. خيو عن جد، أيش كان بدنا بالروحة ع العرس؟ ارتكبنا غلط كبير.
قال أبو نادر: صحيح. وأنا بشوف إنه بهداكا الوقت كانت الروحة ع العرس دليل غباء، أما هلق العرس صار ضروري. نحن مو وصلنا على بيوتنا بالسلامة؟ هاي هيي الشغلة اللي بتستاهل الواحد يرقص ويدبك منشانها. على فكرة أنا هلق كنت عم بحكي مع أم نادر بنفس الموضوع.
قال أبو فؤاد: أي موضوع؟ عن جَد بدك تساوي عرس لإني رجعنا من العرس بالسلامة؟
قال أبو نادر: لأ، أم نادر يا خيو مرا لَقطة، ما في متلها بكل هالبلد.. والدليل إنها نبهتني لشغلة ما كانت جاية على بالي.
قال أبو فؤاد: واضح إنه الحديث طويل. أشو رأيك نجي أنا وشلة فتح الله لعندك؟ منشرب كاسة شاي من إيدين أختنا أم نادر، وبتحكي لنا إنته على ذكاءها الخارق.
قال أبو نادر: آ؟ طيب، مع أني وجوهكم ما فيها (رب يسر) أنا لازم استقبلكم. تفضلوا.
بعدما التئام شمل الشلة في منزل أبو نادر، وبعدما قدمت لهم أم نادر كؤوس الشاي مع قطع البيتفور، انطلق أبو نادر يحكي لهم عن خلاصة النقاش الذي دار بينه وبين أم نادر، وهو أن كل موقف خطير يجب أن يكون له احتمالات أخرى. فنحن اعتدنا ألا نتعب عقولنا في البحث عن الاحتمالات الأخرى وتقليبها على وجوهها المختلفة. خذوا مثلاً العرس الكئيب الذي حضرناه، أما كان ثمة احتمالات أخرى غير التي وقعت؟
قال أبو نعيم: حاجتك بقى أبو نادر. العرس صار، وعلقت فيه مشاجرة، ونحنا هربنا، تعذبنا شوي ع الطريق، وبالأخير لقينا سيارة وجينا فيها على إدلب. وفضت يا عرب.
قال أبو نادر: مين قال فضت؟ طيب أنا بدي أعرض عليك الاحتمالات اللي فكرنا فيا أنا وهالإنسانة المحترمة. يا سيدي، اللي صار في الواقع إني نحنا كنا قاعدين في العرس بأمان الرحمن، وفي شاب مسك الميكروفون وصاح موال ضَرْب، والشباب اللي في البوطة التانية عرفوا إنه هني المقصودين بالموال، فاستنفروا وتصدوا لأفراد البوطة الأولى، وتشاجروا، وصار إطلاق نار، ونحنا هربنا.. طيب؛ لنفرض إنه الاشتباكات تطورت وصار فيه قتيل!
قال أبو عنتر: نعم؟ والله هاي ما حسبناها.
قال أبو نادر: هادا الشي راح يستدعي إنه تجي دورية شرطة، وتعمل ضبط، وتحيل الضبط على النيابة العامة، والنيابة العامة راح تطلب من أبو عَبّاد يعطيهم أسماء المهابيل، قصدي المعازيم اللي حضروا العرس.. وأبو عباد عطاهم أسماء الكل، ومن الجملة أسماءنا.. بهالحالة راح يستدعونا كلياتنا للشهادة، معناها إنه هادا المشوار الحقير اللي رحنا فيه على أم زرزور راح يتكرر، لإنه كلما صارت جلسة محكمة بيستدعوا الشهود.
قال أبو عنتر: هون بلشت تخربط يا أبو نادر. لعلمك إنه أم زرزور ما فيها محكمة. بيستدعونا لهون ع القصر العدلي بإدلب.
قال أبو نادر: يا سلام. أحلى وأحلى. والله لولا الحيا لأبوسك من بين عينيك يا أبو عنتر. ترى هاي الشغلة كتير بتفيدنا.. لما أهل إدلب بيشوفونا رايحين ع القصر العدلي وجايين من القصر العدلي أيش بدهم يقولوا؟ بيقولوا: هادا شي طبيعي، لأنه هدول ناس سرسرية وتبع مشاكل وقصص ودعاوي. بدي إسألكم سؤال: اللي بيعملوا مشاكل وين بينوجدوا عادة؟
قال أبو نعيم: وين؟
قال أبو نادر: في الأعراس. في المخافر. في المستشفيات. في المحاكم. وهيك شي.
قال أبو عنتر: يا ست أم نادر. جوزك المحترم شَبَّعنا مسخرة. مع إني اعتذرنا له، واعترفنا له بغلطنا، وما عم يتركنا بحالنا.
قالت أم نادر: معك حق يا أبو عنتر. لكن بصراحة؟ الشي اللي قاله أبو نادر ما بيطلع شي جنب الاحتمالات التانية.
قال أبو عنتر: لسه في احتمالات تانية؟
قالت أم نادر: نعم. أنا بعرف لما بتصير مشكلة في العرس بيجوا الشرطة وبيلقوا القبض ع العريس. وبحسب ما حكيتوا لي إنتوا هادا "عباد" هوي الشاب الوحيد في عيلة فيها شي خمسطعش بنت، طيب هالشاب لما بدن يقبضوا عليه أكيد راح يرتعب، والرعبة بتطيِّر الخلفة، وإذا ما خلف عباد بيكون والده أبو عباد انضرب خازوق مبشم، لأنه راح تنقطع سلالته.. وإنتوا بتعرفوا هيك سلالة لازم تستمر.. وعلى كل حال لسه ما وصلنا للاحتمال الأبشع والأحقر.
قال أبو فؤاد: وأيش هوي بقى؟
قال أبو نادر: بالإذن من أم نادر. الاحتمال الأحقر إنه يكون القتيل واحد من شلتنا. وممكن يكون أنا مثلاً.
قالت أم نادر: بعيد الشر.
قال أبو نادر: عم نقول فرضاً حبيبتي. بس إنتي ما بتعرفي أيش بده يصير إذا أنا متت. أنا عم إتخيل الناس في كل إدلب راح يزعلوا ويترحموا علي، ويقولوا أبو نادر رجل طيب ومحترم. وبيضلوا بيقولوا هيك لحتى ينط واحد ويسأل: ما عرفنا، شلون مات؟
بيقله رفيقه: مات في العرس.
هون أيش الناس راح يقولوا: مو عيب عليه رجال كبير ومقدر ومحترم يروح ع العرس؟ الله لا يرحمه!
قال له أبو فؤاد:
- يا أبو نادر الشباب مجتمعين عندي هون في البيت، وحابين يتطمنوا عليك. عم اتطلع في وجوههم، وما عم ألاقي فيها غير الندم، والإحساس بالذنب تجاهك. خيو عن جد، أيش كان بدنا بالروحة ع العرس؟ ارتكبنا غلط كبير.
قال أبو نادر: صحيح. وأنا بشوف إنه بهداكا الوقت كانت الروحة ع العرس دليل غباء، أما هلق العرس صار ضروري. نحن مو وصلنا على بيوتنا بالسلامة؟ هاي هيي الشغلة اللي بتستاهل الواحد يرقص ويدبك منشانها. على فكرة أنا هلق كنت عم بحكي مع أم نادر بنفس الموضوع.
قال أبو فؤاد: أي موضوع؟ عن جَد بدك تساوي عرس لإني رجعنا من العرس بالسلامة؟
قال أبو نادر: لأ، أم نادر يا خيو مرا لَقطة، ما في متلها بكل هالبلد.. والدليل إنها نبهتني لشغلة ما كانت جاية على بالي.
قال أبو فؤاد: واضح إنه الحديث طويل. أشو رأيك نجي أنا وشلة فتح الله لعندك؟ منشرب كاسة شاي من إيدين أختنا أم نادر، وبتحكي لنا إنته على ذكاءها الخارق.
قال أبو نادر: آ؟ طيب، مع أني وجوهكم ما فيها (رب يسر) أنا لازم استقبلكم. تفضلوا.
بعدما التئام شمل الشلة في منزل أبو نادر، وبعدما قدمت لهم أم نادر كؤوس الشاي مع قطع البيتفور، انطلق أبو نادر يحكي لهم عن خلاصة النقاش الذي دار بينه وبين أم نادر، وهو أن كل موقف خطير يجب أن يكون له احتمالات أخرى. فنحن اعتدنا ألا نتعب عقولنا في البحث عن الاحتمالات الأخرى وتقليبها على وجوهها المختلفة. خذوا مثلاً العرس الكئيب الذي حضرناه، أما كان ثمة احتمالات أخرى غير التي وقعت؟
قال أبو نعيم: حاجتك بقى أبو نادر. العرس صار، وعلقت فيه مشاجرة، ونحنا هربنا، تعذبنا شوي ع الطريق، وبالأخير لقينا سيارة وجينا فيها على إدلب. وفضت يا عرب.
قال أبو نادر: مين قال فضت؟ طيب أنا بدي أعرض عليك الاحتمالات اللي فكرنا فيا أنا وهالإنسانة المحترمة. يا سيدي، اللي صار في الواقع إني نحنا كنا قاعدين في العرس بأمان الرحمن، وفي شاب مسك الميكروفون وصاح موال ضَرْب، والشباب اللي في البوطة التانية عرفوا إنه هني المقصودين بالموال، فاستنفروا وتصدوا لأفراد البوطة الأولى، وتشاجروا، وصار إطلاق نار، ونحنا هربنا.. طيب؛ لنفرض إنه الاشتباكات تطورت وصار فيه قتيل!
قال أبو عنتر: نعم؟ والله هاي ما حسبناها.
قال أبو نادر: هادا الشي راح يستدعي إنه تجي دورية شرطة، وتعمل ضبط، وتحيل الضبط على النيابة العامة، والنيابة العامة راح تطلب من أبو عَبّاد يعطيهم أسماء المهابيل، قصدي المعازيم اللي حضروا العرس.. وأبو عباد عطاهم أسماء الكل، ومن الجملة أسماءنا.. بهالحالة راح يستدعونا كلياتنا للشهادة، معناها إنه هادا المشوار الحقير اللي رحنا فيه على أم زرزور راح يتكرر، لإنه كلما صارت جلسة محكمة بيستدعوا الشهود.
قال أبو عنتر: هون بلشت تخربط يا أبو نادر. لعلمك إنه أم زرزور ما فيها محكمة. بيستدعونا لهون ع القصر العدلي بإدلب.
قال أبو نادر: يا سلام. أحلى وأحلى. والله لولا الحيا لأبوسك من بين عينيك يا أبو عنتر. ترى هاي الشغلة كتير بتفيدنا.. لما أهل إدلب بيشوفونا رايحين ع القصر العدلي وجايين من القصر العدلي أيش بدهم يقولوا؟ بيقولوا: هادا شي طبيعي، لأنه هدول ناس سرسرية وتبع مشاكل وقصص ودعاوي. بدي إسألكم سؤال: اللي بيعملوا مشاكل وين بينوجدوا عادة؟
قال أبو نعيم: وين؟
قال أبو نادر: في الأعراس. في المخافر. في المستشفيات. في المحاكم. وهيك شي.
قال أبو عنتر: يا ست أم نادر. جوزك المحترم شَبَّعنا مسخرة. مع إني اعتذرنا له، واعترفنا له بغلطنا، وما عم يتركنا بحالنا.
قالت أم نادر: معك حق يا أبو عنتر. لكن بصراحة؟ الشي اللي قاله أبو نادر ما بيطلع شي جنب الاحتمالات التانية.
قال أبو عنتر: لسه في احتمالات تانية؟
قالت أم نادر: نعم. أنا بعرف لما بتصير مشكلة في العرس بيجوا الشرطة وبيلقوا القبض ع العريس. وبحسب ما حكيتوا لي إنتوا هادا "عباد" هوي الشاب الوحيد في عيلة فيها شي خمسطعش بنت، طيب هالشاب لما بدن يقبضوا عليه أكيد راح يرتعب، والرعبة بتطيِّر الخلفة، وإذا ما خلف عباد بيكون والده أبو عباد انضرب خازوق مبشم، لأنه راح تنقطع سلالته.. وإنتوا بتعرفوا هيك سلالة لازم تستمر.. وعلى كل حال لسه ما وصلنا للاحتمال الأبشع والأحقر.
قال أبو فؤاد: وأيش هوي بقى؟
قال أبو نادر: بالإذن من أم نادر. الاحتمال الأحقر إنه يكون القتيل واحد من شلتنا. وممكن يكون أنا مثلاً.
قالت أم نادر: بعيد الشر.
قال أبو نادر: عم نقول فرضاً حبيبتي. بس إنتي ما بتعرفي أيش بده يصير إذا أنا متت. أنا عم إتخيل الناس في كل إدلب راح يزعلوا ويترحموا علي، ويقولوا أبو نادر رجل طيب ومحترم. وبيضلوا بيقولوا هيك لحتى ينط واحد ويسأل: ما عرفنا، شلون مات؟
بيقله رفيقه: مات في العرس.
هون أيش الناس راح يقولوا: مو عيب عليه رجال كبير ومقدر ومحترم يروح ع العرس؟ الله لا يرحمه!