مؤانسات رمضانية(7) نزار قباني يظهر في حمص ليلاً
هذا ما قلته في مطلع جلسة السمر في منزل الأستاذ كمال الطبنججي، فرد علي أبو جهاد قائلاً: أنا لا أعتقد بذلك، لأنه من غير المعقول أن أؤلف أنا قصة طريفة وأنسبها إلى غيري.
قلت: بل إن لهذا ما يبرره، وبالأخص فيما يتعلق بالنكات السياسية، وضربت له مثلاً بقصة قصيرة جميلة جداً كتبها الأديب التركي الساخر عزيز نسين، ولكنه لم يجرؤ على المجاهرة بها، فزعم أنها قصة لكاتب صيني اسمه يحتوي على المقطع "مياو" وتتحدث عن قطة بارعة في السرقة اشتهرت في إحدى البلدات الصينية بأنها قادرة على سرقة السمك حتى ولو من داخل المقلاة الملأى بالزيت المحمى. وفي يوم من الأيام، كانت مياو تقفز من سطح إلى آخر وفي فمها سمكة مسروقة، فوقعت واندق عنقها. زعل أهل المدينة على قطتهم اللصة الظريفة وقرروا أن يقيموا فوق جثمانها مبنى يخلد اسمها، فكان أن أقاموا البناء وأسموه "مصلحة الضرائب"
ضحك الأصدقاء السامرون، ثم سألني خالي أبو محمد: إلى ماذا تريد أن تصل من وراء الحديث عن جحا ونوادره؟
قلت: الآن نحن حينما نريد أن نتسلى ونروح عن أنفسنا سرعان ما نفتح ملف أهل حمص الظرفاء الجميلين الذين يكاد ظرفهم وتنكيتهم البارع يتحول إلى أسطورة، فكل نكتة تطلع مع شخص من أي محافظة كانت، عندما يريد أن يرويها يفتتحها على النحو التالي: كان فيه واحد حمصي..
وأنا حينما أقول لك إن أهل حمص جميلون وظرفاء، فلأنني مقتنع بأن أطيب الناس معدناً هم الذين يتقبلون المزاح بروح طيبة، وأهل حمص نزيهون أيضاً بدليل أنهم ينكتون على أنفسهم.
قال أبو نزار: على هذا الأساس فإن بإمكانكم أن تعتبروني حمصياً، فأنا يشهد الله أمتلك استعداداً للتنكيت على نفسي من الآن وحتى الصباح. أساساً أنا "كلي على بعضي" نكتة.
قلت: لنا عودة إليك يا أبو نزار، ولكن أرجوك، كي لا أنسى، اسمح لي أن أروي للشباب ما جرى معي في آخر زيارة لحمص. فبينما أنا في دمشق وجدت لدي متسعاً من الوقت، فاتصلت بأحد أصدقائي وأبديت له نيتي في أن أمر به في حمص فأبيت ليلة وفي اليوم التالي أتابع إلى إدلب. فقال لي:
- ليتك تحضر بأقصى سرعة لأننا الليلة مدعوون إلى المهرجان الشعري السنوي الذي تقيمه رابطة الخريجين الجامعيين بدءاً من التاسعة ليلاً. وقد وصلت إلى حمص في تمام التاسعة، وخوفاً من أن أتأخر استأجرت سيـارة يقودها شاب في الثلاثين تقريباً تبدو عليه علائم الغفلة. قلت له إلى رابطة الخريجين الجامعيين، فسألني:
- أين تقع هذه أستاذ؟
قلت: صدقني لا أعرف أين تقع بالضبط.
قال: بسيطة أستاذ نسأل عنها.
ويبدو أنه ارتاب في أمر ذهابي إلى هذا المكان ليلاً، فشرع على الفور يمطرني بوابل من الأسئلة:
- عفواً أستاذ، هذه التي ذكرتها لي، الرابطة، تفتح في الليل؟
قلت: أي نعم، تفتح.
قال: ماذا يبيعون فيها أستاذ؟
قلت: حكي!
صفن قليلاً ثم قال: يقولون إن سوق الحكي حامٍ جداً هذه الأيام. ولكن لحظة "وأوقف السيارة، سأل عن الرابطة فقيل له إنها في شارع الدبلان فتابع المسير"، وأنت أستاذ آت إلى هنا لتحكي أيضاً؟
قلت: بل أنا آت لأسمع.
قال: عجيبة، وهل الحكي له سَمّيعة؟
قلت: أي نعم، له سميعة كثيرون. إنه الشعر.
قال باندفاع: عن جد شعر؟ إذا كان هيك أنا نازل معك لأسمع نزار قباني. أليس نزار موجوداً؟
قلت: البقية في حياتك نزار مات.
قال: بشرفك مات؟! دايم الله، نزار يا أستاذ يقول حكي كويس.
قلت: مثل ماذا؟
قال: والله يا أستاذ لا أعرف لكن شعره حلو. أستاذ أنت من حمص؟
قلت مقهقهاً: يخرب عقلك، لو كنت من حمص أما كنت عرفت أين تقع رابطة الخريجين؟
فصمت لحظة وقال: مو شرط، بالعكس، الحمصي هو الوحيد الذي لا يعرف هذه الرابطة، بدليل أنني أنا حمصي ومع ذلك لا أعرف أين تقع!
(يعود تاريخ هذه الحكايات إلى ما قبل ربع قرن من الزمان)