مؤانسات رمضانية (18) الأدباء الغربيون يرفسون نعمة الفساد

24 يونيو 2017
+ الخط -
تطرق الحديث في هذه السهرة الرمضانية إلى مسألة المواءمة بين الدخل والمعيشة في بلدان العالم الثالث (غير النفطية)، وقال أبو نزار المفلسف منبهاً إيانا إلى مسألة مهمة:
- البارحة في السحور، تناولت أمي حبة وجع الرأس قبل أن تمسك عن الطعام والشراب، فقلت لها: رأسك يوجعك يامو؟ فقالت: لا والله. فقلت: عجيبة، لماذا الحبة إذن؟! فقالت: لنفترض أن رأسي وجعني في النهار، وأنا صائمة، فماذا أفعل؟.. وأنا أرى أن تتناولوا حبوب وجع الرأس قبل أن تخوضوا في هذا الحديث المكرب، من باب الاحتياط:

قلت: يا أبا نزار، لعلمك فإننا، في العادة، نبحث عن الجانب الطريف في أكثر المسائل دراماتيكية، وما يشجعنا على الخوض في حديث كهذا هو وجودك أنت وأبو النور معنا بوصفكما صاحبي خبرة ومعلومات ترقى إلى مستوى الأكاديمية في الإفلاس و(تفوق الإنفاق على الدخل).

قال أبو النور:
- حقيقة أن هذا الموضوع أثير لدي، وأنا أعاهدكم على أنني، إذا تخليتم لي عن حصصكم في الكلام، أن أظل أحكي، طرائف، في هذا المجال حتى الصباح، وإذا كان لدى أحدكم كاميرا فيديو، صوروني وأنا أحكي دونما انقطاع، وأرسلوا الشريط إلى إدارة "موسوعة جينيس" للأرقام القياسية، عسى أن أدخل التاريخ، أنا الذي أمضيت عمري كله عائشاً على هامش التاريخ.

ثم إنه انفعل، واستوى جالساً منتصب الظهر، وقال: قبل أن ندخل في هذا الموضوع لدي سؤال أوجه إلى أبي المراديس باعتباره كاتباً ولديه اطلاع على ما يجري في الساحة الأدبية المحلية والعربية والعالمية.

قلت: أنا رهن الإشارة.
قال: في الدول المتقدمة، المستريحة اقتصادياً، هل ثمة أدباء ساخرون؟ بمعنى أوضح: أنا أرى أن السخرية هي الوليدة الشرعية للحرمان والعوز والجهل والتسلط والاستبداد، وأما إذا كان المرء مستريحاً فما الداعي، أو ما الذي يدفعه لأن يسخر؟
قلت: ملاحظتك شديدة الذكاء، وحقيقة فقد سبق لي أن بحثت في هذه المسألة، ووجدت ما يرضيك.
قال: تفضل.
قلت: إن الكتاب الذي يعيشون في المجتمعات المتطورة محرومون من "نعمة" الحديث عن سيطرة المخابرات على الحياة اليومية للناس، وانقطاع المياه، والكهرباء، والشحار الذي تطلقه مدافئ المازوت والحطب، ومخالفات السير، وتجاوز الشبيحة للدور في الأماكن العامة، والازدحام على أبواب الأفران، وتفشي المحسوبيات في المجتمع، والرشاوى، ونقص التخطيط، وكثرة التجاوز، و(الدوبلة)، و...
قاطعني أبو نزار المفلسف قائلاً: أي أي أستاذ.. على مهلك. ممكن أن تأخذ نَفَس لمدة دقيقة؟
قلت له: تفضل.
قال: والله أنك أضحكتني لما قلت إن الكتاب الأوربيين محرومون من "نعمة" الحديث عن هذه الأشياء.. أنت عن جد تسميها "نعمة"؟ أي علي "النعمة" أنا لو كنت عايش في هديك البلاد وعندي مياه وكهرباء ونظام ومحكمة وانتخابات وقوانين وما في عندي مخابرات وشبيحة لحتى أطلق الأدب والكتاب طلاق بالثلاثة.
قال "نعمة" قال!
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(يعود تاريخ هذه الحكايات إلى ما قبل ربع قرن من الزمان)

دلالات
خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...