لا تأكل من شجرة الكرز يا نبهان (4)
تابع أبو الجود سرد حكاية الفتى المجنون العاقل نبهان الملقب "طَقّ مصَدّ"، وقال إن العم أبو محيو المعروف، بمقدرته على حل المشاكل بين الناس، استمع إلى ملخص حكاية نبهان من بكار، وهي أنه أحيل على القضاء لأنه أقدم على كسر باب حديقة عمه الحاج فاضل، وقطف الثمار بطريقة عشوائية، وألحق الأذى بالأشجار، وبالأخص شجرة الكرز التي حذره عمه من الاقتراب منها، والتهمة كما قال قاضي معرتمصرين جنائية وليست جنحة، لأن السرقة موصوفة، مترافقة مع خلع وكسر، والعم فاضل يرفض التنازل عن شكواه وحقه الشخصي.
أكد أبو محيو لبكار أن المشكلة بسيطة، وقابلة للحل، فهو يحل مشاكل يوجد فيها قتلى وجرحى وتُدفع لحلها مئات الألوف من الليرات السورية.. وأبدى استعداده لأن يستضيف الأطراف المتخاصمة في داره. لكن بكار لم يقبل، وقال إنه سيقيم وليمة للجميع في داره بقرية "البلاطة"، سيحضرها مدير الناحية والقاضي أيمن، ورئيس المخفر، وهو مستعد لأن يدفع ما يُطلب منه لهذا الغرض. ووقتها وافق أبو محيو على الحضور، ولكنه يمتلك بعض النصائح الضرورية لبكار.
بكار: تفضل عمي أبو محيو. عم إسمعك.
أبو محيو: خلي ضيوفك يبقوا قاعدين في مكان بتوصل إلُه روايح الطبخ، ولا تحط العشا لبعدما ننتهي من الصلح. ولا تقول إنك مستعد تدفع في الأول، حاول تطلب من أبو نبهان يدفع، وإذا قال ما معي منقترح عليه إنه حدا يدفع عنه، ولما منوصل لوقت تبدي أنت استعدادك للدفع لا تقبل بالمبلغ اللي بيطلبه فاضل، قول إنه كتير، وإنه ما في معك كل هالقد.. يعني خلينا نرفع النسبة شوي شوي، وبالقطارة..
نفذ بكار نصائح أبو محيو، وصار يضيّف الحاضرين قهوة وشاي، وطلب من أبو محيو يفتتح الحديث، على أمل تنحل المشكلة قبلما ينضج طعام العشا
أم زاهر: حلوة هالخطة. وبعدين؟
أبو الجود: رجع بكار على معرتمصرين في الليل وهوي عم يفكر بأنه كل عمل في هالدنيا إله أصول، وقواعد، وهادا أبو محيو من كتر ما هوي متدخل بمشاكل صاير عنده خبرة مو قليلة.. ولما وصل ع البيت خبر أمه أنه بكرة لازم يروحوا ع القرية. وشرح لها القصة متلما صارت.. وأم بكار بتحب القرية كتير، وبنفس الوقت هيي متعاطفة مع نبهان، ولذلك تحمست.
أبو زاهر: هاي مع أن نبهان ما بيستاهل التعاطف.
أبو الجود: تاني يوم من الصبح ابتدا تنفيذ الخطة. بكار اعتمد على الشباب العاقلين المجانين في تأمين كمية مبحبحة من الخضار والفواكه واللحوم، ومر هوي على دكان "أبو داوود"، ووصاه على صدر كنافة، وشي خمسين قرص شعيبيات، وشوية مشبك، وبعدما صار كل شي جاهز عبى الأغراض في البيكآب، ومرّ على والدته، أخدها وراحوا ع الضيعة، وأم بكار، متل العادة، خبرت بعض جاراتها في القرية منشان يجوا ويساعدوها بتحضير العشا، وراح هوي دعا عدد منيح من وجهاء القرية على العشا، وبينهم الحاج صطيف والحاج فاضل. وطبعاً أجا مدير الناحية والقاضي أيمن ورئيس المخفر.
نفذ بكار نصائح أبو محيو، وصار يضيّف الحاضرين قهوة وشاي، وطلب من أبو محيو يفتتح الحديث، على أمل تنحل المشكلة قبلما ينضج طعام العشا. أبو محيو صار يحكي، وكان كلامه كويس ومرتب.. قال إنه أهل قرية "البلاطة" معروفين بالكرم والجود والتسامح والذكاء.. والحاضرين صاروا يهزوا رؤوسهم ويقولوا نعم! مع أنه هالحكي كله كذب، لأنه لو كانوا أهل البلاطة كريمين وأذكيا ومتسامحين كل هاي القصة ما كانت بتصير..
أبو جهاد: هلق إنته بدك تحكي لنا أشو صار، ولا بدك تتفذلك؟
أبو الجود: متلما بتؤمر أبو جهاد، بطلت أتفذلك. يا سيدي، أبو محيو كان موفق بكلامه لأبعد الحدود.. وقال كمان إنه المشاكل هي ملح الرجال، ولولا المشاكل ما كنت بتشوف الناس عم يجتمعوا، وبيتلاقوا، وبيصير بيناتهم مودة، والدنيا، يا شباب، مواقف، وأنا خدام الطيبين شرواكم، من كتر ما بفوت وبطلع وبتدخل في حل المشاكل، صرت بعرف معادن الرجال، الرجّال القبضاي المحترم مين هوي؟ أنا بشوف إنه هوي اللي بيسمع كلام الرجال، وبياخد موقف بيعبي الراس..
لما قال أبو محيو هالحكي الحاج فاضل صار يكش، ووجهه تخربط، كأنه فهم إنه راح يطلب منه أبو محيو يتنازل عن حقه مقابل هالكم لقمة اللي راح ياكلهم عند بكار..
هون مدير الناحية أبو عمر قدم ملاحظة أنقذت الموقف، قال: لازم الكل يوقفوا عند مسؤوليتهم، ما بيجوز نطلب من شخص واحد يحل المشكلة كلها على حسابه.
أبو محيو: هادا هوي الحكي اللي بيجيب نتيجة، وأنا بتشكر الأخ أبو عمر على هالملاحظة. لأن المتل بيقول: "رغيف برغيف ولا يبات جارك جوعان"، وفي متل تاني بيقول: "ضرر ناس ومنفعة ناس تانيين ما بيجوز".. يا أخونا أبو كرم.
بكار: إئمور عمي أبو محيو.
أبو محيو: أنت ما قصرت لما جمعت هالناس الطيبين في دارك..
وضحك وقال: مو بس جمعتنا، ما شاء الله عليك، ريحة الطعام الطيب تبعك واصلة لقريتنا.. المهم، اللي فهمته أنا أنه أخونا الحاج صطيف، أبو نبهان، هوي كبير عيلة البرغوتي، وهوي رجال بيمشي ع الحق، وما بيحب المايلة، والمتل بيقول إنه اللي بيتطلع عليك بعين وحدة، لازم تتطلع عليه بالعينتين، وأنا بشوف إنه ما يموت الديب ولا تفنى الغنم، يعني الحاج صطيف بكرة بيجيب عمال وبيصلحوا باب حديقة الحاج فاضل، وبيقدّروا الضرر الحاصل، والحاج صطيف بيدفع اللي عليه، ما بيقصر.
قال بكار: كلامك يا أبو محيو على راسي، والحاج صطيف كريم أكتر من اللي منتصوره، لكن الدنيا فيها يسر وعسر.. خيو اللي بيحكموا فيه الطيبين على الحاج صطيف أنا مستعد إدفعه، لأنه نبهان متلما هوي إبنه أنا بعتبره أخوي الصغير، المهم يبقى عمنا الكريم الحاج فاضل راضي.
أبو الجود: منحسن نقول إنه عملية الصلح مع فاضل انتهت، لأن كل الأضرار اللي صارت في الحديقة ما بتوصل لمبلغ خمسين ليرة، وبكار خالف نصيحة أبو محيو، وشال 200 ليرة وناولها لفاضل، وقال له (خيو دبر حالك بهدول).. وقبلما ينادي على الشباب منشان يجيبوا الطعام، بلش يفكر بالخطوة التالية، وقال: بكرة راح نجي ع المخفر أنا والحاج فاضل منشان يسقط حقه عن نبهان.. بيبقى علينا أنا وأنت يا أبو عمر بمعية الأستاذ أيمن ورئيس المخفر إنه نساعد هالشاب الطيب نبهان، بركي بيطلع من السجن وبيرجع لوضعه الطبيعي.
(للقصة تتمة)