لا تأكل من شجرة الكرز يا نبهان (3)
أحيل الشاب العاقل المجنون نبهان البرغوتي، الملقب "طَقّ مْصَدّ"، إلى قاضي صلح معرتمصرين، وكان بكار قد زار القاضي الجديد أيمن برفقة مدير الناحية، وأكد لهما القاضي أن السبيل الوحيد لمساعدة نبهان هو أن يأتي صاحب الحق المُدَّعي فاضل البرغوتي ويسقط حقه الشخصي عنه، ووقتها يبقى عندنا "الحق العام"، وتصبح القضية أسهل مما هي عليه بكثير.. وأضاف: والأحسن أنكم توكلوا له محامي، لأن الشي المكتوب في ضبط الشرطة بيعني أن القضية جنائية الوصف، وقد ما حاول القاضي يساعد المتهم بيبقى مضطر يحكمه مدة طويلة.
تابع أبو الجود رواية القصة، فقال: ومتلما حكيت لكم، مدير الناحية كلف سائق الناحية "أبو علي" بأنه يروح مع الحاج صطيف (والد نبهان) على قرية البَلَّاطة منشان يشوف أخوه الحاج فاضل، ويعرض عليه فكرة إسقاط الحق. في البلاطة صار موقف بيستحق نحكي عنه بالتفصيل.
كمال: تفضل احكي لنا.. بالتفصيل الممل.
أبو الجود: لما الحاج صطيف طلب من أخوه فاضل إنه يسقط حقه فاضل صار يتمسخر، وقال لأخوه ما معناه: والله أنت شاطر يا خاي، بيدخل إبنك ع حديقتي، بيكسّر، وبيطبّش، وبيقطف ثمار الحديقة، وما بيخلي في شجرة الكرز كرزاية واحدة، وبتجي حضرتك بتحط إيدك على إدنك ويتصيح لي موال محمد أبو سلمو يا راكب الحمرا كناطير، وأنا بنطرب، وبقول: آه آه، ما يبلى هالحس يا خاي، وقبلما تخلص من صياح الموال بنط أنا، وبروح معك ع المخفر، وبسقط حقي عن السيد نبهان، ومو بس هيك، يمكن وقف قدام نبهان باستعداد وأقول له (لا تواخذنا يا إبن أخوي، يا شيخ شباب البلاطة، لبكناك معنا)!
أبو عمر: بس هادا نبهان ارتكب غلط كتير. لو هرب من دار أبوه ورجع لعندك لهون ع معرتمصرين كانت القصة بتتعالج بسهولة، كنا منجيب أبوه ومنتفاهم معه
ضحك الساهرون، وقال أبو محمد معلقاً على كلام أبو الجود: يخرب ديار هالعلقة، بالفعل هادا الحاج فاضل ما براسُه ناموس. لازم يقول لأخوه أنا بأمرك، بس يا خاي أنا تضررت، وبيحسب الأضرار وبيدفع له ياها أخوه، وخلصنا.
أبو الجود: يا عمي أبو محمد أنت عم تحكي عن الناس اللي براسهم ناموس ونخوة، يعني متلك. لكن يكون في علمك، لا الحاج فاضل بيحسب الأضرار وبيطالب فيها، ولا أخوه بيدفع. الحاج صطيف لو كان بيدفع عن إبنه مصاري ما كان استغنى عنه وتركه ينام في البراري قبلما يجي بكار ويآويه في داره.
أم زاهر: لكان شلون انحلت القصة؟
أبو الجود: مين قال لك انحلت؟ الحاج صطيف طلع من عند أخوه، وقال للسائق: الله يخليك يا أبو علي، بدي منك خدمة، روح لعند معلمك أبو عمر، وسلم لي عليه، وقله بالنسبة لإسقاط الحق ما مشي الحال، ومتلما شفت وسمعت، هادا أخوي الحاج فاضل راكب راسه، ومعند، وأمانة برقبتك، إذا شفت إبني المجنون السافل طق مصد، اللي إسمه بالضبط نبهان، قله أبوك ما بيسلم عليك، وبيقلك: خَرْجَك، الله لا يقيمك، إن شاء الله بيعلقوا مشنقتك عَ بيدر القرية، وطالما أنك رجال وقبضاي وبتدخل ع حديقة عمك، وبتكسر، وبتطبش، إبقى تحمل مسؤولية نفسك، وقَلّع شوكك بإيديك. والحقيقة إنه السائق أبو علي نفذ توصيات الحاج صطيف بحذافيرها.
تاني يوم الصبح أجا بكار لعند مدير الناحية، وسأله عن الأوضاع، فحكى له ع الرسالة الشفهية اللي بعت له إياها الحاج صطيف مع السائق، وقال له: إنته يا أبو كرم صرت هلق أمام خيارين.. إما إنك تتخلى عن هالشغلة، وتخلي نبهان يتحمل نتيجة عمله، ويقلع شوكه بإيديه متلما قال أبوه، أو بدك تتبنى القضية بشكل كامل، وتدفع المصاريف اللي بيتطلبها الحل.
بكار، من دون ما يفكر قال: بدفع بدفع.
وضحك وقال: يا أبو عمر أنا ما تزوجت ولا خلفت ولاد، وهدول الشباب بحس دائماً كأنهم ولادي. الله يرحمه والدي كتير قسي علي، وأنا ما بقدر أكون قاسي على غيري.
أبو عمر: بس هادا نبهان ارتكب غلط كتير. لو هرب من دار أبوه ورجع لعندك لهون ع معرتمصرين كانت القصة بتتعالج بسهولة، كنا منجيب أبوه ومنتفاهم معه. مو أحسن من هالتصرف الغبي؟
بكار: طبعاً أحسن. أنا من شوي مريت ع المخفر وشفت نبهان، وسألته، قال لي إنه كان مفكر يغيظ أبوه ويخليه يندم.
أبو عمر: لكن أبوه ما اغتاظ ولا انزعج، والمشكلة بالأخير وقعت في رقبتك إنته.
كمال: على فكرة. هادا بكار نموذج إنساني فريد من نوعه. صدقني كل شي أنا قريته من قصص وروايات عالمية ما شفت متله.
أبو المراديس: بظن بلادنا فيها حالات إنسانية مهمة وكتيرة، لكن كتابنا الأكارم انشغلوا بتقليد أساليب الكتاب الغربيين، وما التفتوا للواقع الغني بالقصص الجميلة. ولما واحدهم بيعثر على نموذج فريد وبيكتب عنه بتلاقيه حَمَّل النموذج بالآيديولوجية، ولعن سنسفيل القصة. تفضل أبو الجود، كمل حكايتك.
أبو الجود: بكار بعدما انتقل على معرتمصرين صار كل يوم يسهر ساعة أو ساعتين في مقهى أبو عبدو البيطار، وكان يصطحب معه أحياناً أبو الدك وأبو رستم الهلهول، بهداكا النهار ضيفه أبو عبدو فنجان قهوة عصمانلية، وقال له: الله يعطينا خيرك يا أبو كرم. شايفك اليوم تعبان وحاطط هموم الدنيا على بالك.
حكى له بكار مشكلة نبهان "طق مصد" من طقطق للسلام عليكم. أبو عبدو قدم له اقتراح إنه يستعين بالعم أبو محيو من قرية "الترابية"، وحكى له أن هادا رجل بيحب الخير، وكل مشكلة بيحط إيده فيها بتنحل.
بكار ركب البيك آب، وراح مباشرة ع الترابية، وسأل على بيت أبو محيو، ودخل لعنده، وحكى له القصة. ضحك أبو محيو وقال له: جنحة.
بكار: مدير الناحية وقاضي الصلح عم يقولوا جناية، وإنته بتقلي جنحة؟
أبو محيو: قصدي إنها بسيطة، وبتنحل ان شالله، البارحة كنت في قرية العَبّارة، دخلت في صلحة فيها قتيلين، وانحلت. يعني بالمحصلة شغلتك جنحة.
(للقصة تتمة)