02 سبتمبر 2024
كلاب في أعراس العربان
الكلب، ببساطة، كلب. ولكن المشكلة الحقيقية في الإنسان.
هذا الإنسان يُحَوِّلُ الكلب إلى موضوع للسباب والمهاترة، وأحياناً يتخذ منه وسيـلة للهزء من الحكام وحواشيهم، وذلك بقوله: كلب المستشار مستشار!
وقد رأى عزيز نسين أن الكلب، بالمعنى المجازي، يُسَخِّرُ السلطة لأغراضه، إذ قال: الكلب يمشي في ظل العربة فيظن ظل العربة ظله.
وأما المستعمرون فمن شدة لؤمهم اتخذوا من الكلب كناية عن الشعوب المُستَعمَرَة. فقال الإنكليز: جوع كلبك يلحقك. وقال الفرنسيون: أشبع كلبك يلحقك. ومن بعد خرج نظام ابن حافظ الأسد بشعار أشد فظـاعة وهو: اقتل البشر والكلاب والغنم والأشجار والحجارة يأتِ إليك الباقون على قيد الحياة صاغرين!
وأما الكلاب المجنونة فبرأينا أرقى أنواع الكلاب، فهي على الأقل تثير الضحك، والضحك نافع، بإجماع العلماء. وأشهرها على الإطلاق تلك التي كان يربيها ويتجر بها الجندي شفيك في سياق الرواية التي كتبها الأديب التشيكي البوهيمي العبقري ياروسلاف هاشيك، ليدين من خلالها الحروب والدكتاتوريات في مطلع القرن العشرين.. ثم جاء من بعده برتولد بريشت واقتبس من الرواية مسرحية تدور لعبتها الأساسية حول الكلاب، وهي لعبة كوميدية طريفة للغاية.
وأما الأديب والصحفي الراحل نجاة قصاب حسن فقد تحدث في كتابه المهم "حديث دمشقي" عن مهندس ذكي جداً يدعى أنور كامل، يعود إليه الفضل في اكتشاف مصادر المياه في دمشق، وتزيين ساحاتها العامة. وكان أنور يتقن إنشاء الدعابة، وسيرته الشخصية تضاهي بمبالغاتها الكاريكاتورية كتابات أكبر الأدباء الهزليين في العالم.
ومنها قصته مع كلب أزعجه وقطع عليه الطريق في ضاحية جوبر بدمشق، فتحمض له أنور (أي نوى له شراً) وكمن له عند طرف الساقية، حتى إذا جاء الكلب ساهياً يمشي الهوينى، شب عليه أنور وهو يعوي ويعضه، على حد زعمه، فالتَوَقَ حنك الكلب من الخوف، وهرب وهو يصرخ بالمقلوب!
وكنا قد أمضينا، في صيف سنة 1993، سهرة ممتعة مع المرحوم نجاة في أحد مصايف جبل الأربعين. وفي السهرة ذكرته بالطرفة التي رواها عن المهندس أنور، ورويت له واحدة أخرى محورها الكلب، طرب لها جداً... حتى إنه نزل إلى سيارته وأحضر ورقة وقلماً ودونها من أجل أن يضمنها كتابه اللاحق (جيل الشجاعة).
تقول النكتة إن صياداً فقد كلبه الشجاع في حادث أليم، فحزن عليه طويلاً، وأبى على نفسه أن يخون العشرة ويستبدل به كلباً آخر. ولكن الهوس بالصيد أخذ ينخر فيه، فاضطر إلى شراء كلب تبين له في أول رحلة صيد أنه جبان رعديد، ويخاف على الأخص من صوت إطلاق النار، فحالما يطلق الصياد عياراً على طائر يهرع الكلب نحو الصياد ليختبئ بين ساقيه!
حار الصياد في أمر هذا الكلب: هل يبيعه فيغش به الآخرين؟ أم يتركه عنده يطعمه ويسقيه من دون فائدة يجنيها منه؟ أم يطلق عليه رصاصة الرحمة ذلك أن موت الجبان أحسن من بقائه على قيد الحياة؟
وذات يوم بث الصياد مشاعره إلى أحد أصدقائه، فقال له الصديق ناصحاً:
- عَوده على سماع صوت الرصاص فلا يعبأ به من بعد.
قال: كيف؟
قال: خذه معك إلى الأعراس؛ فالشعب العربي يطلق من الرصاص في الأعراس أكثر مما يطلق منه في الحروب ضد الأعداء!! وكلها عرسان أو ثلاثة ويتعود كلبك على أزيزه.
طبق الصياد النصيحة بحذافيرها. وبالفعل فقد أصبح كلبه لا يكترث لصوت إطلاق الرصاص سواء في الأعراس أو في خارجها.
وفي أول رحلة إلى الصيد أطلق الصياد النار على حجلة سمينة فأرداها قتيلة. ووقتها احزروا ماذا فعل الكلب؟ لقد اتكأ على مؤخرته ورفع قائمته الأمامية اليمنى إلى الأعلى، ظلـل بها فمه، وشرع يزغرد!!
وقد رأى عزيز نسين أن الكلب، بالمعنى المجازي، يُسَخِّرُ السلطة لأغراضه، إذ قال: الكلب يمشي في ظل العربة فيظن ظل العربة ظله.
وأما المستعمرون فمن شدة لؤمهم اتخذوا من الكلب كناية عن الشعوب المُستَعمَرَة. فقال الإنكليز: جوع كلبك يلحقك. وقال الفرنسيون: أشبع كلبك يلحقك. ومن بعد خرج نظام ابن حافظ الأسد بشعار أشد فظـاعة وهو: اقتل البشر والكلاب والغنم والأشجار والحجارة يأتِ إليك الباقون على قيد الحياة صاغرين!
وأما الكلاب المجنونة فبرأينا أرقى أنواع الكلاب، فهي على الأقل تثير الضحك، والضحك نافع، بإجماع العلماء. وأشهرها على الإطلاق تلك التي كان يربيها ويتجر بها الجندي شفيك في سياق الرواية التي كتبها الأديب التشيكي البوهيمي العبقري ياروسلاف هاشيك، ليدين من خلالها الحروب والدكتاتوريات في مطلع القرن العشرين.. ثم جاء من بعده برتولد بريشت واقتبس من الرواية مسرحية تدور لعبتها الأساسية حول الكلاب، وهي لعبة كوميدية طريفة للغاية.
وأما الأديب والصحفي الراحل نجاة قصاب حسن فقد تحدث في كتابه المهم "حديث دمشقي" عن مهندس ذكي جداً يدعى أنور كامل، يعود إليه الفضل في اكتشاف مصادر المياه في دمشق، وتزيين ساحاتها العامة. وكان أنور يتقن إنشاء الدعابة، وسيرته الشخصية تضاهي بمبالغاتها الكاريكاتورية كتابات أكبر الأدباء الهزليين في العالم.
ومنها قصته مع كلب أزعجه وقطع عليه الطريق في ضاحية جوبر بدمشق، فتحمض له أنور (أي نوى له شراً) وكمن له عند طرف الساقية، حتى إذا جاء الكلب ساهياً يمشي الهوينى، شب عليه أنور وهو يعوي ويعضه، على حد زعمه، فالتَوَقَ حنك الكلب من الخوف، وهرب وهو يصرخ بالمقلوب!
وكنا قد أمضينا، في صيف سنة 1993، سهرة ممتعة مع المرحوم نجاة في أحد مصايف جبل الأربعين. وفي السهرة ذكرته بالطرفة التي رواها عن المهندس أنور، ورويت له واحدة أخرى محورها الكلب، طرب لها جداً... حتى إنه نزل إلى سيارته وأحضر ورقة وقلماً ودونها من أجل أن يضمنها كتابه اللاحق (جيل الشجاعة).
تقول النكتة إن صياداً فقد كلبه الشجاع في حادث أليم، فحزن عليه طويلاً، وأبى على نفسه أن يخون العشرة ويستبدل به كلباً آخر. ولكن الهوس بالصيد أخذ ينخر فيه، فاضطر إلى شراء كلب تبين له في أول رحلة صيد أنه جبان رعديد، ويخاف على الأخص من صوت إطلاق النار، فحالما يطلق الصياد عياراً على طائر يهرع الكلب نحو الصياد ليختبئ بين ساقيه!
حار الصياد في أمر هذا الكلب: هل يبيعه فيغش به الآخرين؟ أم يتركه عنده يطعمه ويسقيه من دون فائدة يجنيها منه؟ أم يطلق عليه رصاصة الرحمة ذلك أن موت الجبان أحسن من بقائه على قيد الحياة؟
وذات يوم بث الصياد مشاعره إلى أحد أصدقائه، فقال له الصديق ناصحاً:
- عَوده على سماع صوت الرصاص فلا يعبأ به من بعد.
قال: كيف؟
قال: خذه معك إلى الأعراس؛ فالشعب العربي يطلق من الرصاص في الأعراس أكثر مما يطلق منه في الحروب ضد الأعداء!! وكلها عرسان أو ثلاثة ويتعود كلبك على أزيزه.
طبق الصياد النصيحة بحذافيرها. وبالفعل فقد أصبح كلبه لا يكترث لصوت إطلاق الرصاص سواء في الأعراس أو في خارجها.
وفي أول رحلة إلى الصيد أطلق الصياد النار على حجلة سمينة فأرداها قتيلة. ووقتها احزروا ماذا فعل الكلب؟ لقد اتكأ على مؤخرته ورفع قائمته الأمامية اليمنى إلى الأعلى، ظلـل بها فمه، وشرع يزغرد!!