عزو آغا وزوجته الناصرية
انتقل عزو آغا الإقطاعي المؤمم للسكنى في إدلب بعدما دعمه ابن أخته الدكتور عمران بشيكات مالية متتالية أقل واحد منها يحتوي على ألفي دولار أميركي.. فاشترى بيتاً وسيارة خاصة، وصار من أركان مقهى الريحاني الذي تجتمع فيه شرائح مختلفة من مجتمع المدينة..
وكان أكثر مَن راق له وصار صديقه الحميم الشاب الظريف أنور، الذي يعرف باسم "أبو النور"، فكلاهما متقاربان في الطباع، ميالان إلى المزاح والتنكيت.. وبعد بضع زيارات في المنزل، أصبح أبو النور صديق العائلة، وعليه فقد زادت جرعة الكوميديا التي كانت قائمة بين الثنائي عزو آغا وزوجته عزيزة هانم، وأصبح بإمكاننا الكلام عن ثلاثي كوميدي ظريف.
هذا ما ذكره أبو الجود في مطلع سهرة الإمتاع والمؤانسة. وقال: أنا حكيت لكم، المرة الماضية، إنه عزو آغا عزم أبو النور ع العشا، ومروا ع القصاب ديبو ارحيم، وأخدوا معهم لحوم مشوية وراحوا ع بيت عزو.. وفي الطريق حكى عزو آغا لأبو النور إنه ليلة مبارحة، لما وصل خبر وفاة جمال عبد الناصر على مقهي الريحاني، أكتر من شخص ناصري غوطن (أغمي عليه) وهوي صار ينقلهم بسيارته على قسم الإسعاف في المستشفى، وبالأخير صارت معه شغلة غريبة.
أبو النور: خير؟ أشو صار معك؟
عزو آغا: أنا بعد كل هالبلاوي جيت ع البيت، بدي إرتاح.. بالعادة أنا لما برجع من السهرة بتسلم علي عزيزة، وبتجهز لي عشا خفيف، ومنسهر أنا وهيي شوية، ومنحكي عن أمور الدنيا، بعدين مننام.. المهم، هيي لما شافتني تعبان ومكركب قلقت، وقالت لي: خير يا زوجي العزيز؟ أشو صاير معك؟
فحكيت لها كل شي صار، ولما ذكرت قدامها عبارة (جمال عبد الناصر مات) أعصابها ما تحملت، شهقت ووقعت عَ الأرض لا من تمها ولا من كمها (غوطنت).. رشيت على وجهها مَي باردة، وكولونيا، ما في نتيجة، شلتها على ضهري ونَزَّلتها ع السيارة وأخدتها ع المستشفى الوطني، وبعدما عملوا لها إسعافات أولية، وعطوها إبرة، قالوا لي إنهم راح يبقوها عندهم في قسم العناية المركّزة، ووعدوني إنها لما تتحسن راح يخرجوها، وهيي قالت لي لا تخاف أنا برجع عالبيت لحالي.. وهلق ما بعرف إذا بيكونوا خرجوها ورجعت ع البيت ولا بعدها في المستشفى..
ضحكت عزيزة هانم وقد فهمت القصة، وقالت، متصنعة منتهى الجد: يا أبو النور أنا في عندي أسباب تخليني أكون ناصرية، لازم شريك عمري عزو آغا يفهمها ويقدرها..
عزو آغا بعدما روى هالسالفة أخد وضعية الإنسان المظلوم، المغدور، اللي آكل كمّ مرتب، وقال لأبو النور: بربك أنا أشو بعمل معها؟
أثارت طريقة عزو آغا في المزاح حس الدعابة عند أبو النور، فقال له حاسماً: طلقها!
انفلت عزو آغا بالضحك وقال له: أنا أطلق عزيزة؟ الله وكيلك ما بحسن أعيش بدونها دقيقة. صار إلنا 35 سنة مع بعض. وهي ما بتحسن تعيش من دوني.
أبو النور: حتى لو بيكونوا خمسين سنة. والله أنا إذا بتزوج في المستقبل وبكتشف إني زوجتي ناصرية ما بخليها على ذمتي ساعة واحدة!
عزيزة هانم، عندما حضر عزو آغا برفقة صديقه أبو النور، ومعهما كمية مبحبحة من اللحوم المشوية، قامت بالواجب على أكمل وجه، رتبت طاولة الطعام، وفرشت عليها المأكولات، وقالت: تفضلوا. وبعدما تناولوا عشاءهم أحضرت لهم حلوى منزلية (أقراص مورقة)، أكلوا منها بقابلية عالية.. ثم أحضرت إبريق الشاي، وجلست معهما.
قالت السيد حنان تعقيباً على ما رواه أبو الجود: الزوجة اللي ما عندها أولاد عالأغلب بتكون مرتبة ونضايفية.
أبو محمد: مو شرط. أنا والمرحومة خلفنا كومة ولاد، وأم محمد كانت مرتبة كتير.
أبو الجود: عزيزة هانم مو بس مرتبة، كمان بتحب المزح، وبالأخص لما بيزورهم أبو النور اللي صار صديق العائلة.. المهم لما قعدوا يشربوا شاي، بلشت تسأل أبو النور عن آخر أخبار والدته وشقيقاته، وعن أخباره الشخصية، وأيش صار معه في موضوع الخطبة، لأنه كان مفكر يخطب وحدة خياطة من الحارة القبلية..
عزو آغا تدخل في الكلام وقال لها إنها إنسانة طيبة القلب، وعلى نياتها، لأنها مهتمة بأخبار أبو النور بينما هوي عم يطعنها في الظهر، وبيطلب منه إنه يطلقها!
قالت عزيزة هانم منسجمة مع حالة المزاح: أنا بعرف أبو النور بيحبني وبيحترمني وبيريد مصلحتي، ولولا إني شايف طلاقي منك نافع وضروري ما كان نصحك بهالشي.
تدخل أبو النور قائلاً: بصراحة يا ست عزيزة أنا نظرتي إلك ما بتتغير. وبعرف قديش إنتي ذكية وواعية وبتنظري للمستقبل نظرة ثاقبة، لذلك استغربت منك شغلتين، أول واحدة إنك تنخرطي في عالم السياسة بهالبلد اللي كلها خطابات وإنقلابات واغتيالات، وما حدا بيعرف من السياسة غير إنه يجمع شوية ولاد ويركض فيهم في الشوارع وبيعيش وبيسقط.. وتاني شغلة إنك تكوني ناصرية.. معقولة تحبي رئيس دولة غير دولتنا؟
ضحكت عزيزة هانم وقد فهمت القصة، وقالت، متصنعة منتهى الجد: يا أبو النور أنا في عندي أسباب تخليني أكون ناصرية، لازم شريك عمري عزو آغا يفهمها ويقدرها..
دهش عزو آغا وقال لها: وقفي عندك لا تكملي. يا أبو النور نحن كنا عم نمزح، وهلق شايف القصة صارت جد..
وقال لعزيزة: هلق إنتي ناصرية بحق وحقيق ولا عم تمزحي؟
لم ترد عزيزة هانم، بقيت متقمصة شخصية السياسية المحنكة اللي مشيت بطريق وهيي مقتنعة فيه، وهذا ما جعل عزو آغا يتوسل إلها ويسألها: عزيزة، كرمال الله إحكي معي متل الناس. هلق إنتي ناصرية عن جد، ولا عم تمزحي؟!!
ووقتها انفلتت عزيزة بالضحك وقالت له: أوقات بشوفك ذكي، وأوقات بشوفك مصيف. يا زلمة عايشين مع بعضنا 35 سنة في الضيعة، معقولة صرت ناصرية في غيابك؟!