طرائف من عالم المواصلات
طغت الطرائف ذاتُ الطبيعة السياسية على ما سواها من الطرائف في سهرة الإمتاع والمؤانسة. الناس، في الحقيقة، يحبون الطرفة السياسية لأنها تتجرأ على الحكام، وعلى الآيديولوجيات المتخشبة، تنتقدها، وتسخر منها، وأحياناً تحولها إلى "مسخرة".
رأى الأستاذ كمال، وهو محق، أن الباحث قلما يعثر على طرفة تبل الريق في عالم السياسة بدولة ديمقراطية حكامُها وشعبها يحترمون الدستور والقوانين، فإذا كان كل شيء عندهم ماشياً مثل الماء في المنحدرات، كيف ستتشكل الطرفة؟ وحكى لنا حادثة جرت معه في الأيام الأولى للجوئه في ألمانيا، فقال إن ما يُسمى عندهم "السوسيال" (أي: المجلس البلدي أو المحلي)، أعطاهم موعداً أن يأتوا هو وأسرته إلى مقر البلدية يوم الأحد. وحينما ذهبوا، ومعهم المترجم الذي خُصص لهم، وجدوا الأبواب مغلقة، لأن يوم الأحد عطلة، ولكن موظفة شابة موجودة في الداخل لمحتهم من خلال الزجاج، فأتت إليهم، فتحت الباب، ورحبت بهم، ودعتهم للدخول، وقالت لهم إنه في يوم الأحد لا يداوم أحد من الموظفين سوى المكلفين بعمل اضطراري، وإن استقبالكم وإرسالكم إلى المسكن الذي خُصص لكم هو عمل ضروري يتطلب تكليف أحد الموظفين بالدوام استثنائياً في يوم العطلة. وهذا ما كان حيث كُلفت هي باستقبالنا.
قالت حنان: بالفعل، أنا يومها شفت العجايب. ليش منسميها عجايب؟ لأن عالم ألمانيا مختلف عن عالمنا لما كنا في سورية، تقريباً كل شي في ألمانيا عكس اللي عندنا. إذا بيسمح لي كمال أنا بدي أكمل الحكاية.
أبو محمد: نحن منسمح لك. هون كمال ما إله عليكي سلطة.
كمال: ولا حتى في البيت. نحن ضد كل أنواع التسلط.
أحلى شي لما بيجيه تلفون وبيتركك واقف عم تنشوى وتنقلى، وبيسرح هوي وبيمرح بالحكي ع التلفون، والغريب في الأمر إنه عالتلفون بيحكي بشكل الصحيح، ما بيقطش الكلام تقطيش
حنان: أي والله صحيح. المهم. هاي الموظفة اللي داومت يوم الأحد منشاننا، صارت تبرر للمترجم سبب حدوث هالأمر، وهوي إن نحن، عائلة السيد كمال، وصلنا ألمانيا يوم السبت، واضطرينا ننام في الأوتيل، بينما المفروض إنه السوسيال يأمّن لنا منزل ننام فيه ونشعر بالاستقرار.. وطلبت منا، إذا معنا فاتورة الأوتيل، نعطيها إياها حتى تصرف لنا إياها فوراً، وهون شرحت لنا إنه نظام السوسيال بيفوض الموظف بصرف فاتورة في حدود 200 يورو دون الرجوع للإدارة، وإذا كان المبلغ بيزيد عن 200 يورو، بتستلمه هي منا، وبتحيله لقسم الصرف. وبعدين، يا عمي أبو محمد، صارت شغلة حلوة، وهيي إني أنا وكمال ما كان في معنا عقد زواجنا، لأني جايين من سورية هربانين من القصف، مين فاضي والبراميل عم تنزل فوق البنايات يبحبش على عقد الزواج ويشيله معه؟ الموظفة وجدت الحل لمشكلة عدم وجود عقد زواج، فتحت صفحة ع الكومبيوتر فيها كتابة كتير وفراغات، سجلت اسمي واسم كمال في الفراغات بحسب جوازات السفر، وطبعت الورقة على نسختين، وطلبت منا نوقع.. وقعنا. وعطتنا نسخة حتى نحتفظ فيها، وخلت عندها نسخة، وشرح لنا المترجم، بعدما انتهينا، إنها عملت لنا عقد زواج.. بعدما طلعنا من المكان صاروا ولادنا يباركوا لنا ويضحكوا.
كمال: لازم يباركوا لنا، لأن الفرحة اللي كانت على وجهك ما بتتصدق، عن جد يا جماعة حنان فرحت كما لو أني أنا واياها عم نتزوج بوقتها لأول مرة. شي غريب.
أبو الجود: في موظفين عندنا لما بتراجعهم لازم تبقى آخد حذرك، ومقرب إيديك حتى تحمي فيهن وجهك، لأنه كل دقيقة بتتوقع إنه الموظف بده يليحك بالكف! وأنا مرة علقت في مديرية النقل البري (المواصلات) مع موظف ما بيقتل وبيضرب، لكن لما بيحكي مع المواطن صاحب المعاملة بيخليه يشعر إنه هوي آغا وصاحب المعاملة أجير أو مرابع عنده، وبيقسم الكلمة لما بيحكي معه نصين، نص بيبلعه ونص بيحكيه: إيب وابعْ. يعني جيب طوابع. سيك. يعني امسيك. روح آبة قين.. يعني روح عَ نقابة السائقين..
وأحلى شي لما بيجيه تلفون وبيتركك واقف عم تنشوى وتنقلى، وبيسرح هوي وبيمرح بالحكي ع التلفون، والغريب في الأمر إنه عالتلفون بيحكي بشكل الصحيح، ما بيقطش الكلام تقطيش.
ألو. أهلين وسهلين، إنتي شخصياً عم تتصلي فيني؟ أي شو هالسعد اللي أنا فيه؟ أنا منيح. إنتي شلونك؟ لا أبداً ما عندي ولا ارتباط. حابة تأركلي المسا؟ يا ريت. بس ليكي. الأركيلة على جوع مو طيبة.. منطلع أول شي ع الجبل، منتعشى عند أبو أرتين، ومننزل بعدين ومنأركل. اتفقنا؟ يا الله باي. ألو. وينك؟ قبلما تسكري. لا تنسي لي هداكا الموضوع. أي موضوع؟ لا تغشمي حالك، الموضوع اللي واعدتيني فيه، ما صار وقت التنفيذ بقى؟ أي يا الله منحكي.
وبيسكر التلفون، وإنته بتقله: أستاذ منشان معاملتي، بيقلك تَنَّى وَيْ، يعني استنى شوي، وبيطلع سيجارة من الدرج وبيشعلها، وبيقلك جيني أوف. يعني فرجيني لأشوف. وبيرن التلفون. ولما بيرفع السماعة خلقته بتنقلب، وبتصير بوقتها تتوقع إنه بعدما يسكر راح يطلع من ورا القاطع الحجري، ويليحك بوكس ينزلك ع الأرض متل كيس الخردق، ويعجقك برجليه ويقول لك: كلها منك يا واطي يا حقير، معاملتك جابت لي النحس وخلت مرتي تتصل وتبهدلني.
صار يقول ع التلفون: طولي بالك حبيبتي، أي والله نسيت، شو أنا عقلي دفتر؟ أي، ممكن، اليوم؟ لأ اليوم مو خرج، لأنه جاية لعندنا الوزير المسا بده يعمل جولة ع الأقسام. كيف؟ أي نعم حبيبتي المسا، لأن إذا بيجي في النهار وبيدخل ع الأقسام ممكن يهستر. ليش؟ من كتر الناس والمراجعين والصياح والعياط.. ألو. لك لَهْ يا حبيبتي، من إيمتا أنا بكذب عليكي. خلص بكرة بطالعكم المسا على مطعم الأغا ع المحلق. كبة بسياخ، أمرك. وكباب وشقف ومعجوقة، ولا أقلك؟ لما الجرسون بيجيب المينو إنتي استلميه واطلبي، وأنا علي الدفع. يا الله، ليكي أجا المدير. باي.
وطبش السماعة، ونفخ وقال: أنا بمين متصبح اليوم؟
قلت له: عم تسألني إلي؟
انتبه بوقتها لوجودي وقال لي: آ؟ إنته.
بعدين ضحك وقال لي: أي عم إسألك. بمين أنا متصبح؟
قلت له: بهديكه اللي بدها تأركل وما عم توفي بوعدها..
أحس بالعطب وقال لي: آ؟ أي أي مو مشكلة. يا الله، هلق بقى راح نساوي لك معاملتك. أنا آسف. أخرتك شوي. سامحني!