طبيب مرح يوبخ المرضى
كان الدكتور "مجاهد" واحداً من أظرف ظرفاء مدينتنا، فهو يتعامل مع المرضى كما لو أنه معلم مدرسة قديم يأتيه الآباء بأبنائهم ويقولون له: العظم لنا واللحم لك. يعني بإمكانك أن تضرب ابنَنَا كما تشاء ومتى تشاء، ولكن إياك أن تكسر عظامه، فوقتها سيكون خلاف بيننا عظيم. وكانت عيادته تغص بالزبائن من الصباح وحتى وقت متأخر من الليل، وهو يبقى في قمة النشاط والحيوية حتى آخر رمق.
ذات مرة، خرج من غرفة المعاينة رقم (2) وصاح بجمهور المنتظرين في القاعة الكبيرة: يا أخي وطوا صوتكم، أيش بكم؟ ليش عم تحكوا كلياتكم في آن واحد متل حَمَّام النسوان لما تنقطع عنه المياه؟
ودخل إلى غرفة المعاينة رقم (1).. وبعدما أغلق الباب فتحه وصاح بالممرضة: يا خيرية خلي المريضة المصابة بالرمل والكلاوي (تشخّ) في الأنبوبة، وابعتي الأنبوبة على مخبر التحليل. خلينا نكسب الوقت.
قالت الممرضة: أمرك دكتور.
قال: وأدخلي المريض "أبو إبراهيم" إلى الغرفة التانية، وخلي يكشف عن صدره.
استبشر أبو إبراهيم بقدوم دوره وقال: يا الله. أنا جاهز.
رد عليه الدكتور "مجاهد" بطريقة المرأة التي تكايد سلفتها:
- الآن أنت جاهز؟ لما بقول لك لازم تمتنع عن أكل الشحوم والدهون بتعمل العكس. يوم بتأكل "نيفا الراس"، ويوم أختنا أم إبراهيم بتعمل لك كبة صاجية، ووقت العَشَاء ما بتاكل غير لحمة اللية المقلية بالسمن العربي. عليّ الحلال إذا بتموت ما راح أزعل عليك. وبدي أحضر تعزيتك وأشرب قهوة مرة وأهز الفنجان.
وقبل أن يرد أبو إبراهيم دخل "مجاهد" إلى الغرفة رقم (1)، وبدأ بتقريع المريضة التي أصبحت جاهزة للمعاينة، قائلاً لها إن وزنها يجب ألا يزيد في الحد الأقصى عن ستين كيلو بينما هي الآن تجاوزت الثمانين، ويتساءل:
- بودي أعرف زوجك كيف بيسكت عن هذا الوضع؟ وحتى لو زوجك سكت. الوزن الزائد خطر عليكي. بتعرفي يا ست أيش يعمل الكوليسترول بجسم الإنسان؟ يتراكم على الجدران الداخلية لشرايين القلب، ويجعل الشرايين تتصلب، ولما تتشكل الخثرة، يعني الجلطة، لا تمشي، بل تعترس، لأن الشرايين متصلبة، في هذه الحالة يعض المريض على لسانه ويودع.
بعد قليل خرج من الغرفة. توقف الزبائن عن اللغط خوفاً من سلاطة لسانه، استعرضهم ببصره، وقال لرجل جالس في المؤخرة:
- أبو سمير. شفتك. قل لي قبلما يجي دورك. بطلت التدخين؟
قال أبو سمير: ما بطلت. ولا بدي أبطل.
دهش الحاضرون، وتقدم منه الدكتور "مجاهد" وقال له: عم تتحداني؟
قال أبو سلوم: نعم سيدي، عم أتحداك. ما راح أبطل. بتعرف ليش؟ لأني أنا أساساً ما بدخن!
شعر الدكتور "مجاهد" أنه وقع في موقف حرج، وبسرعة بالغة استطاع أن يخرج منه وقال لأبي سمير:
- ليش ما بتدخن؟! أخي دخن، ولكن باعتدال. يعني لا تْكَتّرْ.
ثم راح يرفع صوته مخاطباً الحاضرين: بكرة حضرة المحترم أبو سلوم يدخن أربعين سيكارة في اليوم، وإذا حدا اعترض يقول له: الدكتور "مجاهد" قال لي لا مانع تدخن. أخي مرحبا. أنا سحبت كلامي، أنت ممنوع تدخن!